مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الثانية – الطعن رقم 3865 لسنة 55 القضائية (عليا)
أبريل 8, 2021
مبدأ عدم صلاحية القاضي
أبريل 9, 2021

مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل

مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل

يعد مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل من أهم الضمانات التي تكفل استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ، إلا أن هذا لا يعني أن مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل يعني أن وظيفة القضاء لا يمكن المساس بها و تأبيد الوظيفة القضائية و عدم امكانية المساس بها مهما كانت الظروف و الأحوال.

و نظراً لأهمية هذا المبدأ في الحياة العملية فإننا سوف نتناوله علي النحو التالي:

معني مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل.

أساس مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل.

العزل التأديبي للقاضي.

نطاق تطبيق مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل.

فاعلية مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل.

معني مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل:

ينطوي مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل علي أهم ضمانات استقلال السلطة القضائية ، هذه الضمانة مقتضاها أنه متي تم تعيين القاضي في وظيفته تعييناً صحيحاً فلا يجوز سحب هذا التعيين أو فصله من الوظيفة أو نقله منها أو وقفه مؤقتاً عن ممارستها أو إحالته إلي المعاش قبل السن القانونية بمجردة إدارة السلطة التنفيذية إلا في الأحوال و بالشروط المنصوص عليها في القانون.

أساس مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل:

مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل كغيره من ضمانات استقلال السلطة القضائية ليس مجرد امتيازاً شخصيا يمنح للقاضي في ذاته ، و إنما هو ضمانة موضوعية الهدف منها حسن سير العدالة باصدار أحكام نابعة من الضمير المجرد لمصدرها متفقة مع صحيح القانون و روح العدل.

و بالتالي فإن القول بأن مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل يستند إلي تحقيق مصلحة شخصية للقاضي بأن يكون آمناً علي عمله مطمئناً علي مورد رزقه ، قول محل نظر ذلك أن خوف القاضي من بطش السلطة التنفيذية تجعله غير مستقل في ممارسته لعمله عند اصدار أحكامه ، كما أنه إذا كان ذلك صحيح و أن هذا هو الهدف من مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل لكان سبباً كافياً لأن يهمل القاضي في أداء عمله و لا يكترث في ممارسته لوظيفته طالما أنه لن يعزل.

و لمبدأ عدم قابلية القاضي للعزل أثره بالنسبة للمتقاضي ، ذلك أن نظرة المتقاضي إلي قاضيه المستقل المحايد تختلف قطعاً عن نظرته لقاضيه إن كان غير ذلك ، حيث أن الثقة في القضاء تأتي من إيمان المتقاضين باستقلال القضاة و حيدتهم ، و هذه الثقة هي أساس فاعلية الأحكام القضائية  حيث أن هذه الأحكام تنفذ طوعاً لا جبراً ، و لذلك فإنه بغير هذه الضمانة “عدم قابلية القاضي للعزل” فإنه لا قضاء و لا قانون.

و قد نص علي هذا المبدأ صراحة دستور 1971 بقوله “القضاة غير قابلين للعزل” ، ثم جاء بعده دستور 2012 المعدل و نص علي مادته (186)  علي أن “القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون”.

العزل التأديبي للقاضي:

و بالتالي فإنه إذا بدر من القاضي ما يخالف واجباته و مقتضيات وظيفيته فإنه يعزل من وظيفته بالطريق التأديبي.

و قد حرص دستور 1971 أن ينص بموجب مادته 168 علي أن “القانون يحدد المساءلة التأديبية للقضاة”، و كذلك دستور 2012 المعدل في مادته (186) : “…. ويحدد القانون شروط وإجراءات تعيينهم، وإعاراتهم، وتقاعدهم، وينظم مساءلتهم تأديبياً…”.

نطاق تطبيق مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل:

 يجب أن نلاحظ في أن نطاق تطبيق مبدأ عدم القابلية للعزل أوسع في القانون المصري منه في القانون الفرنسي، حيث نصت الدستور علي هذا المبدأ دون تفرقة أياً كانت درجتهم و أيا كانت الجهة التي ينسبوا إليها و أيا كانت المحكمة التي يشكلونها ، و هو ما ردده قانون السلطة القضائية حيث نصت المادة 67 منه علي أن “رجال القضاء و النيابة العامة عدا معاوني النيابة غير قابلين للعزل” فالنص علي هذا النحو من العمومية بحيث يستغرق كل أفراده.

إلا أن هذا المبدأ في فرنسا ينطبق فقط علي القضاء الجالس و ذلك حسبما ورد التعبير عنهم في دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة دون أعضاء النيابة العامة، و هذا ما أيده البعض بتعبير أن هذه القاعدة تقليدية و منضبطة و ذلك علي أساس أن أعضاء النيابة العامة ليسوا قضاة بالمعني الدقيق ، كما أنهم يمثلون الدول أمام المحاكم سواء في الدعاوي الجنائية أو المدنية و هم بهذا الوضع يتبعونها تبعية وظيفية عضوية و متدرجة حتي أعلي مراتبها و هو وزير العدل كأحد أعضاء السلطة التنفيذية ، إلا أن ذلك قد انتقده البعض بشدة و خاصة أن النظام التأديبي المنصوص عليه بالنسبة لأعضاء النيابة العامة و الذي ظن البعض أنه يعوضهم عن فقدان هذه الضمانة.

أما بالنسبة لأعضاء النيابة العامة في القانون المصري فإنهم لا يخضعون لمثل هذه التبعية إذ نصت المادة 26 من قانون السلطة القضائية علي أن “رجال النيابة تابعون لرؤسائهم بترتيب درجاتهم ثم النائب العام” ، كما أن المشرع المصري صرح بأن أعضاء النيابة العامة غير قابلين للعزل فيما عدا معاوني النيابة ، إذ أن دور النيابة العامة في الحياة القضائية لا يقل خطورة عن دور القضاء بالمعني الدقيق ، و لا يقلل من شأن ذلك خضوعهم لهذه التبعية الوظيفية لرؤسائهم و خاصة بعد أن تعدل هذا الوضع و لم تعد التبعية لوزير العدل.

و من ناحية أخري فإنه لا يشكك أحد في أن مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل يحمي كل من قضاة جهة القضاء العادي و كذلك قضاة جهة القضاء الإداري ، فكل من انطبق عليه وصف “القاضي” هو غير قابل للعزل.

فاعلية مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل:

إن مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل بكل ما له من أهمية لن تتحقق فاعليته في واقع الحياة القضائية إلا بوجود سياسية تؤمن به إيماناً حقيقياً و الإيمان هو ما وقر في القلب و صدقه العمل.

فالمبدأ – كغيره من ضمانات القضاة – يرتبط بشدة بالنظام السياسي القائم في الدولة ، سواء من حيث النص عليه نظرياً أو تطبيقه عملياً ، فضمان استقلال القضاء هو مسئولية رئيس الدولة .

و لذلك ففاعلية المبدأ ترتبط بالسلطة السياسية و هذا ما أثبته التاريخ ، ففي الدول و العصور التي تسود فيها الحكومات الاستبدادية ، و حيث يختفي مبدأ سيادة القانون تحاول الحكومة الضرب علي هذا المبدأ صفحاً بالنص صراحة إمكانية زل القضاة ، كما حدث في ظل حكومة فيشي الفرنسية و حكومات ثورة يوليو في مصر ، حتي لا يجد مظلوماً من يهب لنصرته.

غير أنه لا ينبغي أن نغتر بمجرد النص علي هذا المبدأ دون أن يصاحب ذلك تطبيقه بل و احترامه بعدم الالتفاف حوله ، فشيمة الحكومات الدكتاتورية هي محاولة الظهور بمظهر خادع علي غير حقيقتها و إدعاء الديمقراطية بل و تجميل وجهها القبيحببعض النصوص القانونية البراقة التي تدعي فيها احترام القضاء و سيادة القانون إلا أنه عند التطبيق لا نجد كل ذلك إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.

و هذا ما حدث بالفعل – حتي في ظل النص علي مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل – في آخر حكومات ثورة يوليو حيث كانت مذبحة القضاة سنة 1969 إذ عزلت السلطة السياسية آنذاك عدداً كبيراً من القضاة بغير الطريق التأديبي .

Comments are closed.

xnxxbf