مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
توحيد المبادئ – دعوى البطلان الأصلية رقـم 15280 لسنة 55 القضائية (عليا)
أبريل 17, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
توحيد المبادئ – الطعن رقم 1196 لسنة 50 القضائية (عليا)
أبريل 17, 2020

توحيد المبادئ – دعوى البطلان الأصلية رقـم 25533 لسنة 60 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسـة 6 من يونيه سنة 2015

دعوى البطلان الأصلية رقـم 25533 لسنة 60 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستـاذ المستشار الدكتور/ جمال طه إسماعيل ندا

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السـادة الأســاتذة المستشـــارين/د.هاني أحمد الدرديري عبد الفتاح ود.عبد الفتاح صبري أبو الليل ومحمد عبد الحميد عبد اللطيف إبراهيم وبخيت محمد محمد إسماعيل وسالم عبد الهادي محروس جمعه ولبيب حليم لبيب ومحمود محمد صبحي العطـار وحسن كمال محمد أبو زيد شلال وعطية عماد الدين محمد نجم وأحمد عبد الحميد حسن عبود.

نواب رئيس مجلس الدولـة

……………………………………………………………….

المبادئ المستخلصة:

(أ) دعوى– وجوب توقيع محام على عريضة الدعوى- الغرض الذي تغياه المشرع من ذلك هو التأكد من أن العريضة جاءت مُعَدة إعدادا قانونيا سليما، مما يوفر على المحكمة عناء الوقوف على عناصر النزاع، وما يستهدفه المدعي من دعواه، وحتى تنقطع المنازعات التي كثيرا ما تبدأ بسبب قيـــــام من لا خبرة لهم بممارسة هذه الشئون ذات الطبيعة القانونية، مما يعود بالضرر على ذوي الشأن.

  • المادة 25 من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

(ب) دعوى– تكييف الطلبات- مفهومه- التكييف هــــــو وصف الوقــــائع وإبـــــرازها كعنصر أو شــــــرط أو قيد للقاعدة القانونية واجبة التطبيق- التكييف مهمة تقتضي جهدا في بحث طيات وقائع الدعوى، كما يقتضي فهم القانون والشروط اللازمة لإعمال نصوصه المختلفة- أوجب المشرع أن تشتمل عريضة الدعوى التي تقدم إلى قلم كتاب المحكمة على موضوع الطلب وأسانيده، ورتب على إغفال هذا الإجراء بطلان العريضة- الحكمة التي تغياها المشرع من ذلك هي تمكين المحكمة من الإلمام بمضمون الدعوى ومرماها، وإتاحة الفرصة للمدعى عليه لأن يُكوِّن فكرة وافية عن المطلوب منه.

  • المادة 25 من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

(ج) دعوى– تكييف الطلبات- العبرة في تحديد طلبات المدعي هي بما يطلب الحكم به، فهو الذي يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء- المحكمة ملزمة في قضائها بهذه الطلبات وما ارتكزت عليه من سبب قانوني، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أثناء سير الخصومة- لئن كان من حق المحكمة أن تعطي طلبات المدعي التكييف القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابســـاته، إلا أنه ينبغي عليها ألا تصل في هذا التكييف إلى حد تعديل طلبـــــاته، سواء بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحة، أو بتحوير تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصده ونيته الحقيقية من وراء إبدائها- إذا رأت المحكمة أن الوقائع التي يستند إليها المدعي لا تستجيب للحكم له بطلبه، فإنها تقضي برفضه- إذا كيفت المحكمة الدعـــــــوى على خلاف ما أقيمت به فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، وورَدَ حكمها على غير محل، ووقع باطلا بطلانا مطلقا.

(د) دعوى– التماس إعادة النظر- يجوز الطعن في الأحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجــــارية- أحكام المحكمة الإدارية العليا كانت ومازالت لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر.

  • المــــــادة 51 من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
  • حكم المحكمة الدستورية العليا بجلستها المنعقدة بتاريخ 13/3/2005 في القضية رقم 16 لسنة 23 القضائية (دستورية).

(هـ) دعوى– تكييف الطلبات- لا يجوز تكييف طلب التماس إعادة النظر في حكم للمحكمة الإدارية العليا على أنه دعوى ببطلان هذا الحكم- المحكمة بذلك تكون قد قامت بتغيير واقعات الدعوى وطلبات الملتمس تغييرا جذريا- هذا الحكم يكون منبت الصلة عن الواقعات والطلبات المرفوع بها الالتمـــاس، فيكــــــون قد قضى بما لم يطلبــــه الملتمس، ولم يفصل في الخصــــــومة المنظـــــورة أمامه- المحكمة بذلك لا تكون قد استنفدت سلطتها في شأنه, ومن ثم لا يرتب أي حجيــــــة, ولا يرد عليه التصحيح- الأثــر المترتب على ذلك هو إعادة الخصوم إلى الحـــــالة التي كانوا عليها قبل إصداره, واســــــتعادة المحكمة لسلطتها في الفصل في الالتماس المطروح عليها.

(و) قواعد فقهية([1])– لا قضاء إلا في خصومة، ولا خصومة بغير دعوى يقيمها مدعيها ويحدد طلبــــاته فيها- الغرض المنشود من إقامة الدعوى هو اسـتصدار حكم يقر الحق المرفـوعة به، ويضع حدا للنزاع المتعلق بموضوعها.

(ز) مجلس الدولة– دائرة توحيد المبادئ- سلطتها في الحكم في موضوع الطعن- كما يجوز لهذه الدائرة أن تقتصر في حكمها على البت في المسألة القانونية التي كانت محلا لتناقض الأحكام، فإنه لا يوجد ما يحول بينها وبين الفصل في الطعن، متى استقامت عناصره، وكان صالحا للفصل فيه([2]).

  • المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

الإجراءات

في يوم الإثنين الموافق 17/3/2014 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض, بصفته وكيلا عن السيد/…, قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقــــرير طعن قيد برقم 25533 لســـــنة 60ق. عليا, طعنا بالبطـــلان على الحكم الصـــادر عن المحكمــــة بجلســــــة 1/6/2013 في الطعن رقـــــم 8728 لســنة 59 ق. عليا, القاضي بقبـــــول الطعن شــــــكلا, وببطـــــلان الحكم الصــــادر بجلســة 24/1/2012 في الطعن رقم 18256 لسنة 55 ق. عليا.

وطلب الطاعن – للأسباب التى أوردها بتقرير طعنه– الحكم بقبــول الطعن شكلا, وفي الموضـــــــوع ببطـــلان الحكم الصادر بجلســـــة 1/6/2013 في الطعن رقم 8728 لسنة 59ق. عليا.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة على وفق نص المادة 54 مكررا من قانـــــون مجلس الدولة؛ لإرســـــاء مبـــــدأ في شأن مدى جواز الطعن بالبطلان في الحكم الصادر في دعوى بطلان.

ونظر الطعن أمام الدائرة الرابعة (موضوع), فقررت بجلستها المنعقدة بتاريخ 20/12/2014 إحالته إلى هذه الدائرة؛ لترجيح أحــد اتجاهي المحكمة في شـــــأن سلطتها في تكييف طلبات الخصوم, ومدى جواز الطعن بالبطلان في حكم صادر فى دعوى بطلان.

وأودعت هيئة مفوضي الـــــدولة تقــــريرا ارتـــــأت فيه ترجيح الاتجـــاه الســـــائد في أحكام المحكمة الذي من مقتضاه أن المحكمة مقيدة في تكييف الدعوى بطلبات الخصوم فيها, متى أبديت هذه الطلبات في عبارات واضحة, وترجيح الاتجاه الذي أجــــاز الطعن بالبطلان في الأحكام الصادرة بالبطلان، وبقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.

وتحدد لنظر الطعن جلسة 10/1/2015، وتدوول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات, حيث قـــــدم الطــــــاعن مذكـــرة بدفــــاعه صمم فيها على الحكم له بطــــلباته, وردت الجامعة المطعون ضدها على الطعن فقدمت حـــافظة مســـــتندات ودفعت بعدم جواز نظر الطعن لسابقة الفصل فيه, وبجلسة 2/5/2015 قررت المحكمة حجز الطعن لإصدار الحكم فيه بجلسة 6/6/2015، وصرحت لمن يشاء بتقديم مذكرة بدفاعه خلال أجل حددته, وقد انقضى هذا الأجل دون أن يقـــــدم أي من الخصوم مذكرة بدفـــاعه, وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات, والمداولة قانونا.

من حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق– في أنه بتاريخ 21/6/2004 أصدر السيد رئيس جامعة قناة الســـــويس القــــرار رقم 764 لسنة 2004 بإحــالة الدكتور/… المدرس بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية التربية إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة تدريس جامعة قناة السويس, لمحاكمته تأديبيا لما نسبته إليه النيابة العامة في القضية رقم 12 لسنة 2002 جنايات أمن دولة العريش.

وبجلسة 15/9/2004 قضى مجلس التأديب بمجازاة المحال بالعزل من الوظيفة؛ لثبوت طلبه من:… مبـــــالغ مالية لاســــــتعمال نفوذه المزعـــــوم للحصول على أحكام قضـــــائية لمصلحة الأخير في الدعويين رقمي 1355 و 2060 لسنة 2000 جنح مســــتأنف العريش, بالحكم الصـــــادر ضده في الجناية رقــــم 12 لسنة 2002 بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات.

ولم يرتضِ الطــــاعن هـــذا القضـــــاء, فطعن عليه بالطعنين رقمي 405 و 670  لسنة 51 ق. عليا.

وبجلسة 14/1/2006 قضت المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعنين شكلا, ورفضهما موضوعا, تأسيسا على سلامة الحكم المطعون فيه، وقيامه على سببه المبرر له.

وبتـــاريخ 5/5/2009 أقــــــام الطــــاعن الطعن رقـــــم 18256 لســـنة 55 ق. عليـــــا، ناعيا على الحكم عيب البطلان, لصدوره عن محكمة مشكلة من أربعة أعضاء بالمخالفة للقــــــانون.

وبجلســـــة 24/11/2012 قضت المحكمــــــة بقبـــــول الطعن شـــكلا, وببطلان الحكم المطعون فيه, وببطـــــلان قرار مجلس التأديب، وبسقوط الدعـــــوى التأديبية.

وأقامت المحكمة قضـــاءها على أن الثابت من مطــــــالعة مســـودة الحكم أنها موقعــــــة من أربعــــة أعضاء، وأن البين من مطالعة أصل الحكم صدوره عن خمســـــة أعضاء بالمخـــالفة لما هو ثابت بمحضر جلسة النطق به، إذ يبين حذف اسم أحد الأعضاء ووضعه بين قوســـين، ويليه كلمــــــة “صح”، مما مفــــــاده غيــــــابه عن جلســــــــة النطـــــق به، ومن ثم فإن الســـــــيد العضــــو لم يشترك في المــــداولة، ولم يوقـــــع على المســـــودة، أو غــــــــاب عن جلســــة النطق به، وبالتـــالي فــــــإن الحكـــــم يكـــــون قــــــــد صـــــدر عن أربعة أعضاء بالمخالفة للقانون.

وأضافت المحكمة أن الثابت من حافظة مستندات الجامعة المطعــــون ضدها أن مجلس التـــــأديب الذي أصدر القرار المطعــــــون عليه ترأسه الدكتور/… نائب رئيس الجامعة لشـــــئون التعليم، وهو كان عضوا بمجلس الجامعة الذي اجتمع بجلســــته رقم (70) بتاريخ 29/4/2003، ووافق على وقف الطاعن عن العمل طوال فترة حبسه، وأوصى بإحالته إلى مجلس التــــأديب، وبالتالي فإنه يكون قد سبق أن أبدى رأيا، الأمر الذي يجعله غير صالح لنظر الدعـــــوى التــــــأديبية، ومن ثم فإن قــــــرار مجلس التــــأديب الذي انعقـــــد برئاســــته يكـــون قد صـــــدر باطلا، وأنه لما كانت إجراءات المحاكمة انتهت فى 15/9/2004، فإنه يكون قد انقضى على ارتكاب المخالفة ثلاث سنوات، فتكون الدعوى التأديبية بشأنها قد سقطت بمضي المدة.

……………………………………

وبتاريخ 23/1/2013 طعنت الجامعة على هذا الحكم بطريق التماس إعادة النظر، وقيد الالتماس برقم 8728 لسنة 59 ق. عليا، طالبة قبول الالتماس شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الملتمس فيه، تأسيسا على أن الملتمس ضده أدخل الغش على المحكمة.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه الحكم بعدم جواز التماس إعادة النظر في الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا.

وبجلسة 1/6/2013 قضت المحكمــــة بقبول دعوى البطلان الأصليــــــة شكــــلا، وفي الموضوع ببطلان الحكم المطعون فيه.

وأقامت قضــــاءها على أن حقيقة طلبات الجامعة -طبقا للتكييف القــانوني الصحيح- هو بطلان الحكم المطعون عليه، وأن الثابت من مطالعة مسودة الحكم الصادر بجلسـة 14/1/2006 في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 ق. عليا أن العضــــــو الذي كتبـــــه هو الــذي أشــر على “الشــــميز” بعبـــــارة: “تــم التصحـــيح”، كما أشر رئيس المحكمة بأنه تمت المداولة، وأن المسودة تضمنت أربعــــــةَ توقيعـــات، وتوقيعًا بـــــدا محـــــوُه، وأن التوقيع الذي تم محــــوه هو توقيع السيد العضــــو المقــــرر، وإذ لم يقدم الطـــــاعن ما يثبت أن محــو التوقيع كان سابقا على صـــــدور الحكم، فإنه لا منـــــاص مــــن استصحــــاب الأصـــــل العــــــــام باعتبـــــار أن الإجـــــــــراءات قد روعــــيت، وبالتالي فإن الحكم يكون قد صدر مشوبا بالبطلان.

ولم يرتضِ الطاعن هذا القضاء، فبــــادر إلى الطعن عليه بالطعن الماثل، ناعيا عليه عيب البطلان؛ لأنه كيَّف التماس إعـــــادة النظر على أنه دعــــــوى بطلان أصلية، رغم أنه مقيد بطلبات الجامعة ولا يملك تعديلها، ولأنه خالف ما اســـــتقر عليه قضاء هذه المحكمة من أنه لا يجوز الطعن بالبطلان في الأحكام الصادرة بالبطلان، فضلا عن انطوائه على تدليس آثم في مضمــــــونه بالالتفــــــاف على ما هو مســـــــتقر عليه مـــــن عــــــدم جـــــواز الطعن على أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر.

……………………………………

ومن حيث إنه عن هذه المسألة فهناك أحكام صدرت عن المحكمة الإدارية العليا، (ومنها الحكم الصادر بجلسة 10/12/2000 في الطعن رقم 2138 لسنة 47 ق. عليا) تمنح المحكمة سلطة إعطاء الدعوى وصفها الحق دون أن تتقيد في ذلك بطلبات الخصوم، وهنـــــــاك أحكــــــام أخــــــرى (ومنها الحكم الصــــــادر بجلســـــة 4/7/2004 في الطعن رقم 2805 لسنة 47 ق. عليا) قيدت سلطة المحكمة بطلبات الخصوم، متى أبديت هذه الطلبات في عبارات واضحة لا لبس فيها ولا غموض.

ومــــن حيث إن التكييف هــــــو وصف الوقــــائع وإبـــــرازها كعنصر أو شــــــرط أو قيد للقاعدة القانونية واجبة التطبيق، وهو مهمة تقتضي جهدا في بحث طيات وقائع الدعوى، كما يقتضي فهم القانون والشروط اللازمة لإعمال نصوصه المختلفة؛ لذلك أوجب المشرع في المادة 25 من قانون مجلس الدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972) أن تشتمل عريضة الدعوى التي تقدم إلى قلم كتاب المحكمة على موضوع الطلب وأسانيده، وأن تكون العريضة موقعة من محام، ورتب على إغفال هذا الإجراء بطلان العريضة.

والحكمة التي تغياها المشرع من بيان وقائع الدعوى هو تمكين المحكمة من الإلمام بمضمون الدعوى ومرماها، وإتاحة الفرصة للمدعى عليه لأن يُكوِّن فكرة وافية عن المطلوب منه.

والغرض الذي تغياه المشرع من وجوب توقيع محام على عريضة الدعوى هو التأكد من أن العريضة جاءت معدة إعدادا قانونيا سليما، مما يوفر على المحكمة عناء الوقوف على عناصر النزاع، وما يستهدفه المدعي من دعواه، وحتى تنقطع المنازعات التي كثيرا ما تبدأ بسبب قيـــــام من لا خبرة لهم بممارسة هذه الشئون ذات الطبيعة القانونية، مما يعود بالضرر على ذوي الشأن.

وبالتالى فإن العبرة في تحديد طلبات المدعي هي بما يطلب الحكم به، فمتى حدد المدعي نطاق خصومته، وصاغ محاميه هذه الطلبـــــات، وبيَّن سندها القــــــانونى، فإن المحكمة ملزمة في قضائها بهذه الطلبات وما ارتكزت عليه من سبب قانوني، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أثناء سير الخصومة، أما إذا رأت المحكمة أن الوقائع التي يستند إليها المدعي لا تستجيب للحكم له بطلبه، فإنها تقضي برفضه، فإذا كيفت المحكمة الدعـــــــوى على خلاف ما أقيمت به فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، ويضحى حكمها باطلا بطـــــلانا مطلقا.

وترتيبا على ما تقدم، فإنه يتعين ترجيح الاتجاه الذي يرى أن المحكمة لدى مباشــــــــرتها لســـلطتها في تكييف الدعوى مقيدة بطلبات الخصوم، متى كــــانت هذه الطلبات واضحة لا لبس فيها ولا غموض.

– وحيث إن المادة 54 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة مضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 تنص على أنه: “إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صــــدرت منها أو من إحــــــدى دوائر المحكمة الإدارية العليا أحكام سابقة يخالف بعضها البعض، أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشـــــــكلها الجمعية العامة لتــــــلك المحكمة فى كل عام قضائي من أحد عشر مستشارا برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه…”.

ومن حيث إن النص المتقدم كما يجيز للدائرة المنصوص عليها فيه أن تقتصر في حكمها على البت في المسألة القانونية التي كانت محلا لتناقض الأحكام، فإنه لا يحول بينها وبين الفصل في الطعن، متى استقامت عناصره وكان صالحا للفصل فيه.

ومن حيث إن المادة 25 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 أوجبت تقديم عريضة الدعوى إلى قلم كتاب المحكمة متضمنة -عدا البيــــانات العامة المتعلقة باسم الطالب ومن يوجه إليه الطلب- وقائع الدعوى وطلبات المدعي وأســـــانيدها القانونية وبيانا بالمستندات المؤيدة لطلبه، ونظرا إلى ما يســـــــتلزمه هذا الإجراء من تخصص وخبرة، فقد أوجب النص أن يقوم بإعداد هذه العريضة محام من المقبولين للمرافعة أمــام المحكمة، لتأتي صياغتها موافقة لحقيقة مراد صاحب الشأن، ومعبرة عما يطلبه، وما يبغي الوصول إليه، وبالتالي فإنه متى استوفت عريضة الدعوى بياناتها الجوهرية، ووقعها محام من المقبولين للمرافعة أمام المحكمة، وكان المقرر أن المدعي هو الذي يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء، فإن المحكمة ملزمة أن تســــــير في فلك تلك الطلبـــــات، وبالتالي فإنه ولئن كان من حق المحكمة أن تعطي طلبات المدعي التكييف القانونى الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابســـاته، إلا أنه ينبغي عليها ألا تصل في هذا التكييف إلى حد تعديل طلبـــــاته، سواء بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحة، أو بتحوير تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصده ونيته الحقيقية من وراء إبدائها.

فإذا قامت المحكمة بتغيير واقعات الدعـــــوى وطلبات المدعي تغييرا جذريا منقطع الصلة عن الطلبات والواقعات المرفوعة بها، فإن ذلك يؤدي إلى بطلان الحكم بطلانا مطلقا؛ ذلك لأن المقرر أنه لا قضــــــاء إلا في خصـــــومة، ولا خصومة بغير دعوى يقيمها مدعيها ويحدد طلبــــاته فيها، وبالتالي فإن الغرض المنشود من إقامة الدعوى هو اســــــتصدار حكم يقر الحق المرفــــــوعة به، ويضع حدا للنزاع المتعلق بموضوعها، ومن ثم فإن المحكمة ملزمة أن تفصل فيما طلبه المــــدعي على نحو جازم وصريح، وهو أمر نابع من طبيعة ووظيفة القضاء بوصفه احتكاما بين متخـــاصمين على حق متنازع فيه، فــــــإذا ما خرجت المحكمة عن هذا النطـــاق، أو قضت على خلاف حقيقة طلبات الخصوم، ورَدَ حكمها على غير محل، ووقع باطلا بطلانا مطلقا.

ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن السيد رئيس جامعة قناة السويس طعن على الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا بجلستها المنعقدة بتاريخ 24/11/ 2012 في الطعن رقم 18256 لسنة 55 القضــــــائية (عليا) بطريق التمـــاس إعــــادة النظر، مرتكنا إلى نص المادة 241/1 من قانون المرافعات، ومن ثم فإن الطلب الذي طلبت الجــــامعة القضاء به على نحو جازم وصريح هو التمـــــاس إعـــــادة النظر في الحكم الملتمس فيه، إلا أن المحكمة قامت بتغيير واقعات الدعوى وطلبات الملتمس تغييرا جذريا، وكيفت الالتماس -على خلاف مقصد الملتمس- على أنه دعوى بطلان أصلية، وقضت فيها على هذا الوجه، فجاء حكمها منبت الصلة تماما عن الواقعات والطلبات المرفوع بها الالتمـــاس، ومن ثم فإن هذا الحكم يكــــــون قد قضى بما لم يطلبــــه الملتمس، ولم يفصل في الخصــــــومة المنظـــــورة أمامه, وبالتالي فإن المحكمة لم تستنفد سلطتها في شأنه, فيكون قد صدر باطلا؛ لعدم تحقيقه الغرض المنشود من إقامة الالتماس, وهو الوصول إلى استصدار حكم يقر الحق المرفوعة به الخصومة, ويضع حدا للنزاع المتعلق بموضوعه.

ومتى شاب هذا الحكم عيب جوهري أفقده كيانه، وزعزع أركانه, وحال دون اعتباره موجودا, ولم تســـــتنفد المحكمة سلطتها بشــأنه؛ فإنه لا يرتب أي حجيــــــة, ولا يــــــرد عليه التصحيح, ومن ثم فإن الأثــــر المترتب على ذلك هو إعادة الخصوم إلى الحـــــالة التي كانوا عليها قبل إصداره, واســــــتعادة المحكمة لسلطتها في الفصل في الالتماس المطروح عليها.

ومن حيث إنه يتبين من اســــتعراض التطور التشــــــريعي للنصوص التي تنظم المحكمة الإدارية العليا أن المشرع أنشأ هذه المحكمة بالقانون رقم 165 لســــــنة 1955 لتكون خاتمة المطاف فيما يعرض من دعاوى على القضاء الإداري, وناط بها مهمة التعقيب النهائي على جميع الأحكام الصادرة عن محــــاكم مجلس الدولة, واتســـــاقا مع ذلك فقد نص في المادة 15 من ذلك القانون على أنه لا يقبل الطعن في أحكام هذه المحكمة بطريق التماس إعادة النظر, وقد سكت القانونان رقما 55 لسنة 1959 و47 لسنة 1972 عن إيراد نص مماثل لهذه المـــــادة, وإنما ورد فيهما النص على أنه يجــــــوز الطعن في الأحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجــــارية, وذلك في الفقرة الأولى من المــــــادة 19 من القــــانون رقم 55 لســـــنة 1959, والفقرة الأولى من المــــــادة 51 من القانون رقم 47 لسنة 1972.

ولما كان ذلك وكانت المحكمة الإدارية العليا لم تتبدل منزلتها في هذين القانونين عما كانت عليه في القانون رقم 165 لسنة 1955, إذ ما برحت على رأس القضاء الإداري ونهاية المطاف, فقد جرى قضاء هذه المحكمة في ظل القانونين رقمي 55 لسنة 1959 و 47 لسنة 1972 على أن أحكام المحكمة الإدارية العليا كانت ومازالت لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر.

ومن حيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 13/3/2005 في القضية رقم 16 لسنة 23 القضائية (دستورية), برفض الحكم بعدم دستورية نص المــــادة 51 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة فيما تضمنه من إسقاط أحكام المحكمة الإدارية العليا من عداد الأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر, الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم جواز نظر الالتماس.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

(أولا) بأن محاكم مجلس الدولة –لدى مباشرتها لسلطتها في تكييف الدعوى– مقيدة بطلبات الخصوم، متى كانت هذه الطلبات واضحة لا لبس فيها ولا غموض.

(ثانيا) بعدم جواز الطعن بالالتماس في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 24/11/2012 في الطعن رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا).

([1]) القاعدة في اللغة هي الأساس، وفي الاصطلاح: قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها (راجع التعريفات للجرجاني، باب القاف، والمعجم الوسيط، مادة: قَعَد).

وتمتاز القاعدة بأنها من جوامع الكلِم، فهي تصاغ في جملة مفيدة موجزة مكونة من كلمة أو كلمات من ألفاظ العموم.

والقاعدة الفقهية هي: بيان لحكم شرعي كلي تتفرع عنه الكثير من الأحكام الجزئية التي يتحقق فيها المعنى الكلي العام.

والقواعد الفقهية كثيرة العدد ولا تحصى، والقواعد الفقهية الخمس الكبرى هي: (الأمور بمقاصدها) و (الضرر يُزال) و (اليقين لا يزول بالشك) و (المشقة تجلب التيسير) و (العادة مُحَكَّمة)، وتحت كل منها تندرج قواعد أخرى.

والقواعد الفقهية بهذا المعنى تفترق عن القواعد الأصولية التي هي: قواعد استدلالية يُتوصل من خلالها إلى الكشف عن الأحكام الشرعية، كليِّها وجزئيِّها. ومن القواعد الأصولية: قاعدة (الأمر المطلق يفيد الوجوب) وقاعدة (النهي المطلق يفيد التحريم) وقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فهذه القواعد قواعد استدلالية وليست أحكاما فقهية كلية، فهي وسيلة للكشف عن الحكم وليس ذات الحكم.

والقواعد الأصولية متقدمة في وجودها على القواعد الفقهية؛ لأن معرفة الجزئيات متوقف على وجود القاعدة الأصولية، لأنها القيود التي أخذ الفقيه بها نفسه عند استنتاجه الحكم، في حين أن القواعد الفقهية متأخرة في وجودها على الفروع نفسها؛ لأنها جمع لأشتاتها وربْط بينها وجمع لمعانيها.

ومن العلماء من لم يرَ تفرقة بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، ويرى أن القاعدة يمكن أن تكون أصولية من وجه وفقهية من وجه آخر.                                                               =

= ويفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة القانونية في أن القاعدة القانونية ما هي إلا نوع من أحكامِ جزئياتِ الوقائع، فهي تشبه الأحكام الفقهية الفرعية، أما القاعدة الفقهية فتمثل الأطر العامة التي تجمع أحكاما لجزئيات غير محدودة العدد.

(يراجع فيما سبق: د. محمد صدقي البورنو، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ط مؤسسة الرسالة، وعلي الندوي، القواعد الفقهية، ط دار القلم، ود. عبد العزيز عزام، القواعد الفقهية، ط دار الحديث).

([2]) راجع كذلك المبادئ أرقام (15/أ) و (16/أ) و (17/د) و (67/أ) و (68/أ) و (71/أ) و (101/هـ) و (102/د) في هذه المجموعة.

Comments are closed.

xnxxbf