مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
قرار رئيس مجلس الدولة رقم 584 لسنة 2019 بإعادة توزيع اختصاصات دوائر محكمة القضاء الإداري بالقاهرة و المحافظات الأخري و تحديد اختصاصاتها
أبريل 19, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
توحيد المبادئ – الطعن رقم 15357 لسنة 58 القضائية(عليا)
أبريل 20, 2020

توحيد المبادئ – الطعن رقم 3001 لسنة 56 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 2 من يونيه سنة 2018

الطعن رقم 3001 لسنة 56 القضائية (عليا)

(دائرة توحيد المبادئ)

 

المبادئ المستخلصة:

(أ) دعوى:

السند التنفيذي: تقوم فكرة السند التنفيذي على ركيزة أساسية قوامها عدم جواز إجراء التنفيذ الجبري لاقتضاء الحقوق ما لم يوجد بيد الدائن سند من السندات التنفيذية التي أوردها القانون حصرا- وردت السندات التنفيذية في القانون على سبيل الحصر (الأحكام والأوامر والمحررات الموثقة ومحاضر الصلح المصدق عليها، وكذا الأوراق الأخرى التي يعطيها القانون الصيغة التنفيذية)، فلا سبيل إلى الإضافة إليها، ويبطل الاتفاق الذي يبرمه ذوو الشأن بإضفاء الصفة التنفيذية على محرر لم يعتبره القانون سندا تنفيذيا- السند التنفيذي كاف لإجراء التنفيذ، فالسند التنفيذي الذي تتوفر فيه الشروط القانونية يكفي لبدء إجراءات التنفيذ والاستمرار فيه حتى النهاية، ما لم تثر منازعة في التنفيذ- ليس معنى ذلك أن السند التنفيذي يضمن يقينا مطلقا ونهائيا وجود الحق، فقد يتضح عدم وجود الحق رغم توفر السند، ومن ثم يلغى هذا السند فيما بعد.

(ب) دعوى:

لجان التوفيق في بعض المنازعات- حجية التوصيات الصادرة عنها- لا تكتسب توصيات لجان التوفيق في بعض المنازعات أو قراراتها، وإن ذُيلت بالصيغة التنفيذية وباتت لها قوة السند التنفيذي، حصانةً أمام القضاء إذا ما طرح عليه النزاع، فله ألا يعتد بالتوصية أو يبطلها إذا قدر مخالفتها للقانون- أساس ذلك.

(ج) موظف:

صرف مستحقات العاملين بالخارج- سعر الصرف المتخذ أساسا لحساب المستحقات: يتعين اتخاذ سعر صرف الدولار وقت الاستحقاق أساسا لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين خارج جمهورية مصر العربية ممن يتقاضون مستحقاتهم المالية من موازنة الدولة، دون اعتبار لتاريخ الوفاء بها- أساس ذلك.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

باسم الشعب

مجلس الدولة

المحكمة الإدارية العليا

دائرة توحيد المبادئ

*************

 

بالجلسة المنعقدة علناً في يوم السبت الموافق 2/6/2018م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار / أحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم

                                                          رئيس مجلس الدولة و رئيس المحكمـــــة

 

وعضـوية الســـادة الأســاتذة المستشــــارين / يحيى خضرى نوبى و محمد محمود فرج حسام الدين وأسامة محمود عبد العزيز محرم وأنور أحمد إبراهيم خليل وناجى سعد محمد محمود الزفتاوى وتوفيق الشحات السيد مبروك وعبد الرحمن سعد محمود عثمان ود. محمد ماهر أبو العينين ومحمد حجازى حسن مرسى ود. حسنى درويش عبد الحميد درويش .

                                                                           نواب رئيس مجلس الدولة

وحضور السيد الأستاذ المستشار/ رجب عبد الهادى محمد تغيان

                                                         نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة

 

و سكرتارية السيد / كمال نجيب مرسيس                                     سـكرتير المحكــمة

 

*********************

أصدرت الحكم الآتي :

في الطعن رقم 3001 لسنة 56 ق . عليا

 

    المقـــام مـــن :

وزيـــــر الخارجيـــــــــة “بصفته”

    

ضــــــــــد :

خالد محمود الكومي

 

فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى – الدائرة الثانية عشرة –

بجلسة 28/9/2009 فى الدعوى رقم 35268 لسنة 59ق .

 

*********************

  

” الإجــــــــــــــــراءات”

**********

          فى يوم الأحد الموافق 22/11/2009 أودعت هيئة قضايا الدولة ، نيابة عن الطاعن “بصفته” ، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن الماثل ، قيد بجدولها بالرقم المسطر أعلاه ، فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري – الدائرة الثانية عشرة – بجلسة 28/9/2009 فى الدعوى رقم 35268 لسنة 59ق ، والذي قضى ” بقبول الدعوى شكلاً ، وبأحقية المدعي فى صرف الفروق المالية المستحقة له عن العلاوات الخاصة عن فترة عمله بالخارج على أساس سعر الصرف وقت صرفها ، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلــــزام الجهة الإدارية المصروفات ” .

          وطلب الطاعن “بصفته”، للأسباب المبينة بتقرير الطعن ، الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ، وبقبول الطعن شكلاً ، وإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي .

          وقد أعلن المطعون ضده بتقرير الطعن ، على النحو الثابت بالأوراق ، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ، ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات .

          وقد نظرت الدائرة السابعة – فحص – بالمحكمة الإدارية العليا الطعن ، وبجلسة 28/5/2017 قررت إحالته إلى الدائرة السابعة – موضوع – لنظره بجلسة 8/10/2017 ، فنظرته المحكمة بهذه الجلسة وما تلاها من جلسات ، وبجلسة 26/11/2017 قررت إحالته إلى الهيئة المشكلة طبقاً لنص المادة (54) مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 – دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا – لحسم الخلاف القائم بين أحكام المحكمة الإدارية العليا فى شأن تحديد وقت سعر صرف الدولار الذى يتخذ أساساً لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين خارج جمهورية مصر العربية ممن يتقاضون مستحقاتهم من ميزانية الدولة ، أهو سعر الصرف وقت الاستحقاق ؟ أم وقت الأداء ؟ وتحديد مدى ولاية المحاكم على اختلاف درجاتها – فى التعقيب على التوصيات التى تصدرها لجان التوفيق فى المنازعات المنشأة بالقانون رقم 7 لسنة 2000 متى ذيلت بالصيغة التنفيذية وبات لها قوة السند التنفيذي .

          وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانوني ارتأت فيه الحكم : أولاً : بالعدول عن الاتجاه الذى يقضى باتخاذ سعر صرف الدولار وقت الأداء أساساً لصرف المستحقات المالية للعاملين بالخارج ، واتخاذ سعر صرف الدولار وقت الاستحقاق أساساً لصرف هذه المستحقات . ثانياً : بترجيح الاتجاه الذى يقضي بأن توصية لجان التوفيق فى المنازعات لها قوة السند التنفيذي وتحوز حجية أمام المحاكم بكافة درجاتها ، والجهات ذات الاختصاص القضائي ، وذلك متى تم التأكد من استجماعها لكل شروط صحتها المقررة قانوناً من المحكمة أو الجهة ذات الاختصاص القضائي المعروضة أمامها التوصية ، وإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فى موضوعه فى ضوء ما تقدم .

          وقد تدوول نظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ ، على النحو المبين بمحاضر جلساتها ، وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع ، وأودع وكيل المطعون ضده حافظتي مستندات ومذكرة دفاع ، وبجلسة 3/3/2018 قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة 7/4/2018 وبها أرجأت إصداره لجلسة اليوم لإتمام المداولة ، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .

” المحكمـــــــــــة “

*********

        بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع الإيضاحات ، والمداولة قانوناً .

        ومن حيث إنه عن طلب التدخل المقدم من الأستاذ / ثروت أحمد محمد المنشاوي ، خصماً منضماً إلى جانب المطعون ضده ، فإنه بالنظر إلى طبيعة هذه الدائرة واختصاصها – حسبما أورده نص المادة (54) مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 – بالبت فى المسألة القانونية التى كانت محلاً لتعارض وتناقض الأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الإدارية العليا ، أو إقرار مبدأ قانوني على خلاف أحكام سابقة ، أو العدول عنه ، وبتشكيل خاص ، وصدور أحكامها بأغلبية تزيد على ضعف الأغلبية التى تصدر بها أحكام دوائر المحكمة الإدارية العليا ، بما يشكل ضمانة أساسية لتوحيد واستقرار المبادئ القانونية ، فتنزل كلمة الحق والعدل والقانون فى المسألة القانونية المطروحة عليها ، بعد تمحيص ودراسة متأنية للأسباب التى قامت عليها تلك الأحكام المتعارضة ، أو للأسباب الجديدة التى بناءً عليها قد يتم العدول عن مبدأ قانوني معمول به ، فإنها بهذه المثابة لا تفصل فى نزاع بين طرفين ، وإنما تحسم أمر اتجاهات متعددة لفهم وتفسير وتطبيق النصوص القانونية ، ومن ثم يغدو من غير المقبول التدخل أمامها ، وأثراً لذلك يتعين القضاء عدم قبول طلب التدخل المنوه عنه والاكتفاء بالإشارة إلى ذلك فى الأسباب.

(حكم دائرة توحيد المبادئ فى الطعن رقم 12361 لسنة 53ق.عليا جلسة 6/2/2010 والطعن رقم 41768 لسنة 57ق.عليا جلسة 6/1/2018 ) .

        ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – فى أنه بتاريخ 21/7/2005 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 35268 لسنة 59ق.عليا أمام محكمة القضاء الإداري ضد الطاعن “بصفته” بطلب الحكم بإلزام جهة الإدارة بصرف الفروق المالية المستحقة عن العلاوات الخاصة المقضي له بها والمتمثلة فى الفرق بين إجمالي العلاوات الخاصة المستحقة له مقوم بالجنية المصري على أساس سعر الصرف المعلن فى تاريخ الاستحقاق وبين إجمالي مبلغ العلاوات الخاصة المستحقة له مقوم بالجنيه المصري على أساس سعر الصرف فى تاريخ الاقتضاء ، مع ما يترتب على ذلك من آثار ، وذلك على سند من أنه يعمل بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية ، وألحق للعمل بالبعثات الدبلوماسية خارج جمهورية مصر العربية خلال الفترات من 1/9/1988 حتى 31/8/1992 ومن 6/9/1994 حتى 8/9/1998 ومن 18/9/2000 حتى 30/6/2003 ، وقد امتنعت جهة عمله عن صرف العلاوات الخاصة المستحقة له عن فترات عمله بالخارج سالفة البيان ، فتقدم بطلب إلى لجنة التوفيق فى المنازعات حمل رقم 1800 لسنة 2003 فأوصت اللجنة بأحقيته فى صرف تلك العلاوات بفئة الخارج ، وذيلت التوصية بالصيغة التنفيذية ، وبات لها قوة السند التنفيذي ، غير أن جهة الإدارة قامت بصرف مستحقاته على أساس سعر صرف الدولار فى تاريخ استحقاق العلاوة وليس فى تاريخ أدائها أو الوفاء بها ، فعاود اللجوء إلى لجنة التوفيق فى المنازعات مطالباً بأحقيته فى صرف الفروق المالية المستحقة له عن العلاوات الخاصة – إبان عمله بالخارج الفترات المبينة سلفاً – متمثلة فى الفرق بين ما صرف له على أساس سعر الصرف وقت استحقاق العلاوة وبين إجمالي المبالغ المستحقة له على أساس سعر صرف الدولار وقت الوفاء بها ، وأوصت اللجنة بأحقيته فى طلباته ، إلا أن جهة الإدارة عمدت إلى عدم تنفيذ توصية اللجنة ، الأمر الذى حدا به إلى إقامة دعواه بطلباته آنفة البيان .

        وبجلسة 28/9/2009 قضت محكمة القضاء الإدارى – الدائرة الثانية عشرة – بأحقية المدعي فى صرف الفروق المالية المستحقة له عن العلاوات الخاصة عن فترة عمله بالخارج على أساس سعر الصرف وقت صرفها له ، وما يترتب على ذلك من آثار ، وشيدت المحكمة قضاءها على أن العلاوات الخاصة لا تصرف للعاملين بالخارج إلا بعد عودتهم إلى الوطن وتسلمهم العمل ، وتصرف لهم هذه العلاوة بفئة الخارج ، ويتعين التفرقة بين استحقاق العلاوة وصرفها ، فالعلاوة الخاصة تحسب على أساس المرتب الأساسي للعامل فى تاريخ العمل بالقانون المقرر للعلاوة ، أما صرفها فيسري بشأنه القواعد التى يعمل بها فى صرف الراتب الأساسي ، وأثراً لذلك يتعين صرف العلاوة الخاصة على أساس سعر صرف الدولار وقت الوفاء بها .

        إلا أن هذا الحكم لم يلق قبول الطاعن “بصفته” فبادر بإقامة طعنه الماثل ، ومبناه أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله ، وذلك تأسيساً على أن العلاوات الخاصة جزء من الراتب المستحق للعامل ، وتدور معه وجوداً وعدماً ، وأثراً لذلك يتعين صرفها للعاملين بالخارج على أساس سعر الصرف وقت الاستحقاق ، والقضاء بغير ذلك يفضي إلى إثراء المحكوم له دون سبب على حساب الجهة الإدارية ، ويخالف المستقر عليه من أنه لا يجوز حساب أية فوائد على المبالغ المستحقة للعامل قبل جهة عمله والعكس ، ويؤدي فى الوقت ذاته إلى اتخاذ العامل من هذه العلاوات وعاءً ادخارياً بالمخالفة للقانون .

        ومن حيث إن الفصل فى الطعن الماثل أثار مسألتين قانونيتين تناقضت بشأنهما الأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الإدارية العليا: أولهما :  تحديد سعر صرف الدولار الذى يتخذ أساساً لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين خارج جمهورية مصر العربية ممن يتقاضون مستحقاتهم من موازنة الدولة ، وما إذا كان سعر الصرف وقت الاستحقاق أم  وقت الوفاء أو الأداء ؟ ثانيهما : بيان مدى ولاية المحاكم ، على اختلاف درجاتها ، فى التعقيب على التوصيات التى تصدر عن لجان التوفيق فى المنازعات المنشأة طبقاً لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 متى ذيلت التوصية بالصيغة التنفيذية ، وبات لها قوة السند التنفيذي .

        ومن حيث إنه بشأن المسألة القانونية الأولى والمتعلقة بتحديد سعر صرف الدولار الذى يتخذ أساساً لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين بالخارج ممن يتقاضون مستحقاتهم من موازنة الدولة:  فإن مردّ هذا النزاع أن المشرع منح بعض المزايا المالية للعاملين بالخارج من أعضاء البعثات الدبلوماسية بالخارج ومن فى حكمهم ، ومن يعاملون معاملتهم ، وهذه المزايا المالية تتمثل فى صرف رواتبهم وملحقاتها بالعملة الأجنبية بفئة الخارج ، ويتم معادلة مستحقاتهم وفقاً للمادة (5) من القواعد التنظيمية الخاصة بصرف المستحقات المالية لأعضاء السلك الدبلوماسي وغيرهم من العاملين الملحقين للعمل بالبعثات الدبلوماسية بالخارج على أساس أن الجنيه المصرى الواحد يعادل 5٫00676 دولارً ، وقد تغير سعر صرف الدولار الأمريكى مقابل الجنيه المصرى تغييراً ملحوظاً خلال العقدين الأخيرين ، وذلك لصالح العملة الأجنبية – الدولار الأمريكى – وهو ما نتج عنه ، فى بعض الحالات ، كما فى النزاع الماثل ، تغير سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى وقت الاستحقاق عنه وقت الوفاء .

وقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا فى هذا الشأن العديد من الأحكام خلصت فيها إلى أن سعر صرف الدولار الذى يتخذ أساساً لحساب هذه المستحقات يتحدد بسعر الصرف وقت الوفاء أو الأداء – الطعن رقم 42458 لسنة 57 ق. عليا جلسة 18/2/2014 مجموعة السنة 60 القضائية – الجزء الأول – صفحة121وما بعدها، والطعن رقم 9854 لسنة 50 ق.عليا – جلسة 29/4/2007 .

        غير أنه رؤى العدول عن المبدأ السابق ، واعتبار سعر صرف الدولار وقت الاستحقاق هو الذى يتعين اتخاذه أساساً لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين بالخارج ممن يتقاضون مستحقاتهم المالية من موازنة الدولة ؛ بحسبان الاتجاه السائد لأحكام المحكمة الإدارية العليا فى هذا الشأن ، المخالف لذلك ، يترتب عليه إثراء العامل بدون سبب على حساب جهة عمله ، واتخاذ العامل من مستحقاته قبل جهة عمله وعاءً ادخارياً ، واستحقاقه لفائدة عن المبالغ المستحقة له ، بالمخالفة للقانون ولما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا ، وهو الأمر الذى يستنهض ولاية دائرة توحيد المبادئ طبقاً لنص المادة (54) مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 .

        ومن حيث إن القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 ينص فى المادة (134) على أنه :

” إذا كان محل الالتزام نقوداً ، التزم المدين بقدر عددها المذكور فى العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو لانخفاضها وقت الوفاء أى أثر ” .

وفى المادة (198) على أن ” الالتزامات التى تنشأ مباشرةً عن القانون وحده تسرى عليها النصوص القانونية التى أنشأتها ” .

فالأصل أن المدين ملتزم بالوفاء بقدر عدد النقود المحدد بالعقــد دون أن يكــــون لارتفاع قيمتهـــــــا أو انخفاضها وقت الوفاء أى أثر ، فالعبرة فى هذا الصدد هو بالمقدار المحدد بالعقد، دون أن يكون لتقلبات السوق ارتفاعاً أو انخفاضاً أى أثر، وفى الوقت ذاته فإن كل التزام يكون مصدره مباشرة القانون ، يتكفل القانون بتعيين مضمونه وتحديد مداه فالالتزامات المقررة بنص القانون تنشأ استقلالاً عن إرادة ذوى الشأن ، وينفرد القانون وحده بتحديد هذه الالتزامات ومضمونها ومداها ، ولا سبيل إلى الفكاك منها إلى ما يخالفها .

        ومن حيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى على أنه ولئن كانت قواعد القانون المدنى وضعت أصلاً لتحكم روابط القانون الخاص ، إلا أن القضاء الإدارى له أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع روابط القانون العام ، وله أن يطورها بما يتفق مع طبيعتها ، إلا إذا وجد نص تشريعى ينظم مسألة معينة ، فعندئذ يجب الالتزام بهذا النص .

        ومن حيث إن علاقة الموظف بالدولة علاقة تنظيمية لائحية ، تحكمها القوانين واللوائح، وقد عُنيّ القانون – بمعناه الواسع – بتحديد الحقوق المالية للموظف تحديداً دقيقاً منضبطاً ، من راتب ، وبدلات ، وعلاوات ، وحوافز ومكافآت ، وغير ذلك من الحقوق المالية ، فأصبح استحقاق العامل لحقوقه المالية التزاماً مقرراً على جهة الإدارة ، مصدره القانون ، الذى انفرد وحده بتحديد هذه الحقوق ومضمونها ومداها ، وباتت النصوص القانونية التى أنشأتها هى وحدها – ودون سواها – واجبة السريان فى هذا الشأن ، وأثراً لذلك يتعين الوفاء بحق الموظف المالى – أياً كان مسماه – بالمقدار الذى حدده القانون ، وفى التاريخ المحدد لذلك ، ولا يجوز البتة لجهة الإدارة أن تنحرف عن ذلك إلى ما سواه ، ولا للعامل أن ينال أكثر     مما هو مقدر له ، ولا يجوز تبنى تفسيراً أو سن قاعدة من شأنها مخالفة ذلك ، لما فى ذلك من خرق واضح بيّن للقانون .

وفى ضوء ذلك يتعين اتخاذ سعر صرف الدولار وقت الاستحقاق أساساً لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين خارج جمهورية مصر العربية ممن يتقاضون مستحقاتهم من موازنة الدولة ، ودون اعتبار لتاريخ الوفاء بها . وسند ذلك أن المستحقات المالية للفئة المذكورة ، محددة قانوناً ، مقداراً وزمناً ، وفى الأصل بالجنيه المصرى ، ومعادلة هذه المستحقات وصرفها بالعملة الأجنبية لا يمس مقدارها ، ولا يبدل زمن استحقاقها ومن ثم لزم صرفها بالعملة الأجنبية وفق سعر صرف الدولار – بحسبان القواعد السارية تقضى بذلك – وقت الاستحقاق .

آية ذلك أمور عدة أولها : أن اعتماد سعر صرف الدولار وقت الوفاء بالحق أساساً لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين بالخارج ممن يتقاضون مستحقاتهم من موازنة الدولة ، يترتب عليه – فى ظل الزيادة المضطردة لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى فى العقود الثلاثة الأخيرة – إثراء العامل بلا سبب على حساب جهة عمله واتخاذه من هذه المستحقات وعاءً ادخارياً ، بالمخالفة للقانون ، ويمثل فى الوقت ذاته استحقاقه لفائدة قانونية   – غير منضبطة – لمستحقاته قبل جهة عمله ، خلافاً لما هو مستقر عليه من أنه لا وجه لتطبيق الفوائد القانونية فى علاقة الحكومة بموظفيها ، بحسبانها علاقة قانونية تحكمها القوانين واللــــوائح . ثانيها : أن اتخاذ سعر صرف الدولار وقت الوفاء أساساً لحساب المستحقات المالية المنوه عنها يقيم تمايزاً غير مبرر بين فئات العاملين بالخارج المستحقين لمبالغ مالية محددة فى تاريخ محدد ، فيتقاضاها بعضهم على أساس سعر الصرف وقت الاستحقاق ، ويتقاضاها البعض الآخر على أساس سعر الصرف وقت الوفاء وهو تمييز لا يستند إلى قاعدة قانونية موضوعية تبرره . ثالثها : أن موازنة الدولة – وهى فى الأصل سنوية وتشمل الأجور والمرتبات والمهايا – إنما تعد وتقر على أساس استحقاق العامل لراتبه وملحقاته بالقدر المحدد قانوناً ، ومن شأن مخالفة ذلك واتخاذ سعر صرف الدولار وقت الوفاء بالحق أساساً لحساب المستحقات المالية للعاملين بالخارج تعريض الموازنة للاضطرابات والمفاجئات . رابعها : أن الأحكام القضائية كاشفة عن الحق غير منشئة له ، ويتعين أثراً لذلك الوقوف بالحق بحدوده عند نشأته وليس عند اقتضائه . خامسها : أن اتخاذ سعر صرف الدولار وقت الاستحقاق أساساً لحساب المستحقات المالية مدار النزاع يقيم ضابطاً موضوعياً منضبطاً فى هذا الصدد ، ولا يؤثر على موازنة الدولة ولا يعرضها للاضطراب وعدم الاستقرار . سادسها : أن تراخى جهة الإدارة فى صرف المستحقات المالية مدار النزاع ، لا يغير من أوصافها مقداراً وعدداً ، ولا يقيم سنداً لصرفها على أسس أخرى تغير من أوصافها وإنما قد يمثل سنداً للمطالبة بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية إذا ما تكاملت أركانها .

        وفى ضوء ما تقدم يتعين القضاء بالعدول عن الاتجاه السائد للمحكمة الإدارية العليا فى هذا الشأن ، واتخاذ سعر صرف الدولار وقت الاستحقاق أساساً لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين خارج جمهورية مصر العربية ممن يتقاضون مستحقاتهم المالية من موازنة الدولة .

وبشأن المسألة القانونية الثانية ، والخاصة بمدى ولاية محاكم مجلس الدولة – على اختلاف درجاتها – فى التعقيب على التوصيات التى تصدرها لجان التوفيق فى بعض المنازعات المنشآة طبقاً للقانون رقم 7 لسنة 2000 ، متى ذيلت بالصيغة التنفيذية وبات لها قوة السند التنفيذى ، فإن أحكام المحكمة الإدارية قد تباينت فى هذا الشأن ، فثمة أحكام قضت بأن توصية اللجنة متى وافق عليها طرفاها واعتمدتها السلطة المختصة ، وأثبتت اللجنة ذلك فى محضر يوقع من الطرفين ويلحق بمحضرها ، تكون لها قوة السند التنفيذى ، ويتعين تنفيذ مقتضاها دون مناقشة ، إعمالاً للشرعية وسيادة القانون ، اللذان تخضع لهما جميع سلطات الدولة (الطعن رقم 29825 لسنة 57 ق. عليا جلسة 25/7/2013) وثمة أحكام أخرى قضت بأن توصية لجان التوفيق في المنازعات وإن ذيلت بالصيغة التنفيذية وبات لها قوة السند التنفيذي ، لا تكتسب حصانة أمام القضاء ، إذا ما طرح النزاع أمامه ، ويحق له ألا يعتد بها إذا خالفت القانون ، بحسبان أن الاتفاق المخالف للقواعد الآمرة يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً، ولا ينتج أى أثر، وتقضى به المحكمة من تلقاء نفسها، وليس لها أية حجية أمامها، فلها أن تلغيها أو تعدلها أو تهملها إذا رأت أنها مخالفة للقانون. (الطعن رقم 26871 لسنة 57 ق. عليا – جلسة 19/2/2017)، وهو الأمر الذى يستنهض ولاية دائرة توحيد المبادئ لإزالة هذا التباين ، وترجيح الاتجاه الذى يوافق وجه الحق والقانون.

          ومن حيث إن قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 ينص فى المادة (280) على أنه: “لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء .

    والسندات التنفيذية هي الأحكام والأوامر والمحررات الموثقة ومحاضر الصلح التى تصدق عليها المحاكم أو مجالس الصلح والأوراق الأخرى التى يعطيها القانون هذه الصفة .

    ولا يجوز التنفيذ فى غير الأحوال المستثناة بنص فى القانون إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ التالية: ” على الجهة التى يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك”.

          وينص قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 في المادة (101) على أن :” الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية ، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قائم بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً.

وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها”.

وينص قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 في المادة (52) على أن:” تسرى في شأن جميع الأحكام، القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حُجة على الكافة”.

 وفى المادة (54) على أن “الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون صورتها التنفيذية مشمولة بالصيغة الآتية:

“على الوزراء ورؤساء المصالح المختصين تنفيذ هذا الحكم وإجراء مقتضاه.”

أما الأحكام الأخرى فتكون صورتها التنفيذية مشمولة بالصيغة الآتية:

“على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه، متى طلب منها، وعلى السلطات المختصة أن تُعين على إجرائه، ولو باستعمال القوة، متى طلب إليها ذلك”.

وينص القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق فى بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها، في المادة الأولى على أن :” ينشأ فى كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر، للتوفيق فى المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها ،        أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة”.

وفى المادة الرابعة على أنه: “عدا ……………….. تتولى اللجان المنصوص عليها فى المادة الأولى من هذا القانون التوفيق بين أطراف المنازعات التي تخضع لأحكامه.

ويكون اللجوء إلى هذه اللجان بغير رسوم.”

وفى المادة التاسعة قبل تعديلها بالقانون رقم 6 لسنة 2017 على أن: “تصدر اللجنة توصيتها فى المنازعة ، مع إشارة موجزة لأسبابها تثبت بمحضرها ، وذلك فى ميعاد لا يجاوز ستين يومأ من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها وتعرض التوصية – خلال سبعة أيام من تاريخ صدورها – على السلطة المختصة والطرف الآخر فى النزاع ، فإذا اعتمدتها السلطة المختصة وقبلها الطرف الآخر كتابة خلال الخمسة عشر يومأ التالية لحصول العرض قررت اللجنة إثبات ما تم الاتفاق عليه فى محضر يوقع من الطرفين ويلحق بمحضرها وتكون له قوة السند التنفيذى ، ويبلغ إلى السلطة المختصة لتنفيذه .

   وقد عدلت المادة التاسعة بالقانون رقم 6 لسنة 2017 بحيث بات متعيناً على اللجنة أن تصدر توصيتها في المنازعة في ميعاد لا يجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها.

   وفى المادة العاشرة مكرراً المضافة بالقانون رقم 6 لسنة 2017 على أنه:

استثناء من أحكام المادتين التاسعة والعاشرة من هذا القانون، تكون قرارات اللجنة واجبة النفاذ في مواجهة الجهة الإدارية متى كانت قيمة المنازعة لا تجاوز أربعين ألف جنيه، أو تعلقت المنازعة بالمستحقات المالية للعاملين لدى أي من الجهات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون أيا كانت قيمتها.

    ويجوز الطعن في القرارات المشار إليها في الفقرة السابقة أمام المحكمة المختصة،          ولا يترتب على الطعن وقف تنفيذها إلا إذ أمرت المحكمة بذلك”.

          ومن حيث إن فكرة السند التنفيذي تقوم على ركيزة أساسية قوامها عدم جواز إجراء التنفيذ الجبرى لاقتضاء الحقوق ما لم يوجد بيد الدائن سنداً من السندات التنفيذية التي أوردها القانون حصراً، وذلك بهدف التوفيق بين اعتبارين متناقضين، أولهما: مصلحة الدائن في تنفيذ سريع وفورى لحقه دون عنت، وهذه المصلحة تتطلب ألا يهتم الموظف القائم بالتنفيذ بأى اعتراضات يبديها المدين ثانيهما : اعتبارات العدالة التي تقتضى عدم السماح بالتنفيذ           إلا لصاحب الحق الموضوعى ، وعدم منع المدين من المنازعة في التنفيذ قبل بدئه ، إن كان لهذه المنازعة مبرر، لأن التنفيذ يؤدى إلى آثار وخيمة بالنسبة له تصل إلى حد نزع ماله،      لذا استلزم القانون ضرورة وجود السند التنفيذي كأساس للتنفيذ ، بحيث يدل هذا السند على وجود الحق الموضوعى ، ولكن ليس معنى ذلك أن السند التنفيذي يضمن يقيناً مطلقاً ونهائياً وجود الحق ، فقد يتضح عدم وجود الحق رغم توافر السند ، ومن ثم يلغى هذا السند فيما بعد.

          وثمة قواعد أساسية تتعلق بالسند التنفيذي، أولها: أن السندات التنفيذية قد وردت في القانون على سبيل الحصر، فلا سبيل إلى الإضافة إليها، ويبطل الاتفاق الذى يبرمه ذوو الشأن بإضفاء الصفة التنفيذية على محرر لم يعتبره القانون سنداً تنفيذياً. ثانيها: أنه لا يجوز التنفيذ بغير سند تنفيذى، فهو ضرورى للتنفيذ. ثالثها: أن السند التنفيذي كاف لإجراء التنفيذ ، ومعنى ذلك أن السند التنفيذي الذى تتوافر فيه الشروط القانونية يكفى لبدء إجراءات التنفيذ والاستمرار فيه حتى النهاية ، ما لم تثر منازعة في التنفيذ.

أما حجية الشئ المحكوم فيه ،أو حجية الأمر المقضى ،فهى مقررة للأحكام القطعية ، وتثبت لمنطوق الحكم وأسبابه الجوهرية المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً لا يقبل التجزئة ،ومفاد هذه الحجية أن الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ، بحيث لا تجوز المجادلة فيها ،ولا إعادة طرح النزاع من جديد ،ففكرة حجية الأحكام تقوم أساساً على وجوب احترام عمل القاضى ،وحسم النزاع ومنع تأبيده ،وتجنب تعارض الأحكام .

  وثمة شروط لقيام حجية الأمر المقضى ،قسم منها يتعلق بالحكم ،وهو أن يكون حكماً قضائياً،وأن يكون حكماً قطعياً ،وأن تكون الحجية في منطوق الحكم لا في أسبابه ،إلا إذا ارتبطت هذه الأسباب ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق بحيث لا يقوم المنطوق بدون هذه الأسباب .

   وقسم آخر يتعلق بالحق المدعى به ،فيشترط أن يكون هناك اتحاد في الخصوم ،واتحاد في المحل ،واتحاد في السبب .فإذا تكاملت هذه الشروط اكتسب الحكم حجية تمنع المجادلة فيــــه ، أو إعادة طرح النزاع الذى حسمه من جديد .

   ومن حيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلساتها المنعقدة بتاريخ 14/12/2003 في القضية رقم 195 لسنة 23 قضائية ” دستورية ” بأن لجان التوفيق في بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها ، المنشأة بالقانون رقم 7 لسنة 2000 يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى ،ولا تتقيد بقواعد قانونية محددة سلفاً ، كما أن ما يصدر عنها توصية مرهون نفاذها بقبول طرفى النزاع لها ،ومن ثم لا تتمتع هذه اللجان بالحيدة والكفاية والاستقلال اللازمين للفصل في النزاع المعروض عليها ،ولا تؤكد التوصيات الصادرة عنها في الأنزعة المعروضة عليها الحقيقة القانونية ،أو تبلور مضمونها في مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها ،فهى ليست أعمالاً قضائية تتمتع بالحجية لتفرض نفسها على كل من ألزمه المشرع باللجوء إليها ،إذ يتوقف قبولها على إرادة طرفى النزاع …ومن ثم فإن اللجان المشار إليها لا تُعد جهة قضائية أو هيئة ذات اختصاص قضائى .

   ومن حيث إن توصية لجان التوفيق في بعض المنازعات المنشأة بالقانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه ،قبل تعديله بالقانون رقم 6 لسنة 2017 لم يكن لها قوة السند التنفيذى إلا إذا وافق عليها طرفا النزاع ،واعتمدتها السلطة المختصة ،وقررت اللجنة إثبات ما تم الاتفاق عليه في محضر يوقع من الطرفين ويلحق بمحضرها . ثم صدر القانون رقم 6 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه ،وباتت قرارات لجان التوفيق واجبة النفاذ في حق الجهة الإدارية متى كانت قيمة المنازعة لا تجاوز أربعين ألف جنيه ،أو تعلقت المنازعة بالمستحقات المالية للعاملين لدى أى من الجهات المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 2000 ،أياً كانت قيمتها ،دون حاجة إلى قبول طرفى النزاع لقرار اللجنة ،          أو اعتماد السلطة المختصة له مجيزاً في الوقت ذاته الطعن على قرارات اللجنة أمام المحكمة المختصة .

واتساقاً مع ما تقدم خلصت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع إلى أن مناط إعداد لجنة التوفيق في بعض المنازعات للمحضر الذى يوقعه الطرفان ويلحق بمحضر جلستها وتكون له قوة السند التنفيذى أن تكون ثمة توصية صادرة عن اللجنة مستجمعة أركانها وشرائط صحتها ويأتى في مقدمتها أن تكون اللجنة مشكلة تشكيلاً صحيحاً وفقاً لأحكام القانون وأن تعتمد السلطة المختصة بالجهة الإدارية توصية اللجنة وأن يقبلها الطرف الآخر كتابة بإرادة حرة وعليه فإذا ما افتقدت ركناً من الأركان لم يكن ثمة محل لإعداد اللجنة المحضر سالف الذكر الذى يلحق بمحضر جلساتها وانعدم وجه الحديث عن قوة السند التنفيذى آنفة الذكر .

 وفى مقام تحديد المنوط به عن الجهة الإدارية اعتماد تلك التوصية فإن المشرع في القانون رقم 7 لسنة 2000 أسندها إلى السلطة المختصة وحدها فلم يجز لغيرها ذلك كما لم يجز لها التفويض فيه لكون هذا الاختصاص بالاعتماد من قبيل الاختصاص المحجوز قصراً لهذه السلطة بحسبانها هى الأقدر على تقدير اعتماد توصية اللجنة الأمر الذى يفصح بجلاء عنه أن اشتراط المشرع اعتماد التوصية من السلطة المختصة وعدم جواز تفويض غيرها يعد من الأحكام الجوهرية التى يتعين الالتزام بها فإذا لم يتم اعتمادها من السلطة المختصة أو تم اعتمادها من سلطة مفوضة في غير ذلك يجعلها هى والعدم سواء مما يمتنع معه إضفاء قوة السند التنفيذى على المحضر المشار إليه الذى يلحق بمحضر جلسة اللجنة حتى ولو ذيل بالصيغة التنفيذية وتظل محض توصية في طورها الأول لا يترتب عليها أثر قانونى ولا تنشئ التزاماً في حق الجهة الإدارية المختصة أو غيرها ولا تكسب حقاً لطالب التوصية يتمسك به .

(ملف رقم 86/3/1187 جلسة 10/1/2018 )

          ومن حيث إن توصية لجان التوفيق في بعض المنازعات أو قرارها ،وإن حاز قوة السند التنفيذى ،إذا توافرت شرائط ذلك ،إلا أنه ينتفى عنها صفة الحكم القضائى ،وأثراً لذلك لاتتمتع توصياتها أو قراراتها بأية حجية ، ولذوى الشأن أن يلوذوا إلى القضاء لطرح النزاع الذى صدر قرار اللجنة أو توصياتها بشأنه ، وللمحكمة المختصة الولاية الكاملة في فحص هذا النزاع والفصل فيه دون أن يمثل قرار اللجنة أو توصيتها قيداً عليها أو حجة تحول المجادلة فيما صدرت بشأن التوصية ،بحسبان الحجية المانعة من ذلك لا تكون إلا للأحكام القضائية القطعية،وتوصيات لجان التوفيق في المنازعات أو قراراتها ليست كذلك .

 أية ذلك عدة أمور أولها : أن المشرع أضفى على توصية اللجان المشار إليها أو قراراتها قوة السند التنفيذى ،بالشروط المنوه عنها سلفاً ،ولم يضف عليها البتة صفة الحكم القضائى الذى يحوز وحده حجية الأمر المقضى ،ولا يجوز الخلط بين الأمرين ،فليس كل سند تنفيذى حكماً قضائياً حائزاً لقوة الأمر المقضى ،ولكن كل حكم قضائى حائز لقوة الأمر المقضى يمثل سنداً تنفيذياً ،والحكم القضائى ذاته قد يحوز قوة السند التنفيذى ويصلح محلاً للطعن أمام محكمة أعلى والتى لها أن تلغيه ويُلغى تبعاً لذلك هذا السند . ثانيهما: أن المشرع في القانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه لم يحظر البتة على ذوى الشأن الطعن أمام المحكمة المختصة على           ما تصدره لجان التوفيق في بعض المنازعات المنشأة طبقاً له من توصيات ، ثم صدر القانون رقم 6 لسنة 2017 وأجاز – في افصاح جهير – الطعن على قرارات اللجان المشار إليها .

ثالثها: أن منع المحاكم من التعقيب على توصيات أو قرارات اللجان المشار إليها يضفى على هذه القرارات أو التوصيات صفة الأحكام القضائية الباتة ،خلافاً لما قضت به المحكمة الدستورية العليا بقضائها سالف البيان .رابعها : أن روابط القانون العام تحكمها قواعد آمرة ،   لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها ،أو الفكاك منها فإذا ما أهدرت توصية اللجنة أو قرارها هذه القواعد الآمرة ،ونازع طرفا التوصية فيها ، فلا فكاك من التعقيب على التوصية ، وإنزال حكم القانون على النزاع .

    وفى ضوء ما تقدم يتعين ترجيح الاتجاه الذى يقضى بأن توصية لجان التوفيق في بعض المنازعات أو قرارها ،وإن ذُيل بالصيغة التنفيذية وبات له قوة السند التنفيذى، لا يكتسب حصانة أمام القضاء إذا ما طرح عليه النزاع ، فله ألا يعتد بهذه التوصية أو يبطلها إذا قدر مخالفتها للقانون .

” فلهــــــــــــذه الأسبـــــــــاب”

***************

حكمت المحكمة :- أولاً : بالعدول عن الاتجاه السائد في أحكام المحكمة الإدارية العليا واعتبار سعر صرف الدولار وقت الاستحقاق أساساً لحساب جميع المستحقات المالية للعاملين خارج جمهورية مصر العربية ممن يتقاضون مستحقاتهم المالية من موازنة الدولة .

ثانياً : بترجيح الاتجاه الذى يقضى بأن توصية لجان التوفيق في بعض المنازعات أو قرارها ، وإن ذُيل بالصيغة التنفيذية وبات له قوة السند التنفيذى ، لا يكتسب حصانة أمام القضاء إذا        ما طرح عليه النزاع ،على النحو المبين بالأسباب ،وأمرت بإحالة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه على ضوء ذلك .

Comments are closed.

xnxxbf