مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
أساس قرار الترخيص بشغل الوحدات السكنية التابعة للحكومة و الهيئات العامة هو العلاقة الوظيفية
أبريل 13, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الحادية عشرة – الطعن رقم 13398 لسنة 55 القضائية (عليا)
أبريل 15, 2021

المباديء العامة التي يقوم عليها نظام القضاء

المباديء العامة التي يقوم عليها نظام القضاء

هناك مجموعة من المباديء و الأسس الهامة ، لابد من توافرها لأي نظام قضائي عادل ، و ذلك لأن هذه المباديء و الأسس تعدسياج يحمي العدالة ، و ضمانات هامة لحسن سير القضاء ، و لأهمية هذه المباديء تهتم بها الأمم و من ثم فقد تنص علي بعض منها في دساتيرها ، و تورد بعضها في القوانين الخاصة بالهيئة القضائية ، بل قد تتكرر القواعد المقررة لها في أكثر من موضع 

1- استقلال القضاء.

2- مجانية القضاء.

3- تعدد القضاة و القاضي الفرد.

4- المساواة أمام القضاء.

5- علانية الجلسات.

6- حصول الإجراءات في مواجهة الخصوم.

7- حرية الدفاع و المناقشة.

8- التقاضي علي درجتين.

1- استقلال القضاء

مفهوم استقلال القضاء:

وظيفة القضاء الفصل في الخصومات بين الناس، و النهوض بهذه الوظيفة علي أكمل وجه يستلزم أن يكون القاضي بمنأي عن كل تأثير أو تدخل يؤدي إلي ميل ميزان العدالة في يده ، و لذلك كان مبدأ استقلال القضاء من أهم المباديء التي يقوم علي أي نظام قضائي عادل.

و يقصد باستقلال القضاء أن يكون في مأمن من تدخل غير رجاله فيه ، فلا يجوز للسلطتين التشريعية والتنفيذية التدخل في القضاء ، أو التأثير عليه ، كما لا يجوز للقضاء أيضاً أن يتدخل في مهام السلطتين التشريعية و التنفيذية .

و علي هذا يمتنع علي السلطة التشريعية أن تتصدي للفصل في الخصومات بين الناس ، أو أن تصدر تشريعاً يهدف إلي تحديد وجه الفصل في نزاع معين معروض أمام القضاء ، أو تعديل حكم أصدره القضاء في نزاع بعينه أو إيقاف تنفيذ حكم معين ، كما يمتنع علي السلطة التنفيذية أن تصدر إلي القضاء أية توجيهات أو أمر فيما يتعلق بوظيفة القضاء ، بل و عليها المعاونة في تنفيذ الأحكام القضائية ، و لو باستعمال القوة عند اللزوم.

كما يعني استقلال القضاء أيضاً أن يكون رجاله أنفسهم آمنين علي مقومات حياتهم يعيشون في مأمن من كيد رجال الإدارة أو الأفراد لهم .

استقلال القضاء المصري:

اهتمت الدساتير المتتالية في مصر بهذا المبدأ ، و لا تجد دستوراً منها أغفل النص عليه ، بل و تكاد تكونالعبارة واحدة منذ دستور 1923 حتي 1971 ، و قد أورد الأخير هذا النص في مادته 166 حيث قال :”القضاة مستقلون لا سلطان عليهم لغير القانون ، و لا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة “.

كما نص علي ذلك أيضاً الدستور الحالي لعام 2012 المعدل في مادته (186) : “القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون”.

و علي ذلك فالسلطة القضائية في مصر مستقلة عن السلطتين التشريعية و التنفيذية ، و ينبني علي ذلك أن المشرع “المقنن” لا يملك سلطة الفصل في الخصومات ، و لا أن يصدر قانونا يبين فيه وجه الفصل في نزاع معين ، كما لا يملك تعديل حكم أصدره القضاء ، و أيضاً لا تملك السلطة التنفيذية سلطة الفصل في الخصومات ، و لا أن تصدر إلي القضاة أية توجيهات أو أوامر فيما يتعلق بوظيفة القضاء ، كما لا تملك الاعتراض علي تنفيذ حكم أصدره القضاء.

و من ناحية أخري : تلتزم السلطة القضائية بتطبيق القوانين التي يصدرها المشرع ، و لا تستطيع أن تنشيء قواعد قانونية لها صفة التشريع ، و أيضاً يمتنع علي السلطة القضائية أن تتدخل في شئون الإدارة أو في أعمال السلطة التنفيذية .

و حماية للقضاة و ضمانا لاستقلالهم جعل المشرع التدخل في القضاء لصالح أحد الخصوم أو للأضرار به جريمة يعاقب عليها بالحبس أو الغرامة سواء كان التدخل بأمر أو طلب أو رجاء أو توصية ، و من ثم فليس لأي فرد أن يملي علي قاض ما يحكم به في أية قضية من القضايا ، و لو كان هذا الفرد رئيس المحكمة التابع لها القاضي ، أو رئيس هيئة قضائية ، و لو كانت أعلي من المحكمة التابع لها القاضي، أو حتي وزير العدل نفسه باعتباره عضو الوزارة المسئول عن القضاء.

و مع هذا فاستقلال القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية ليس استقلالا كاملاً ، فالسلطة التشريعية تسن القوانين و تطبقها السلطة القضائية و تملك الأخيرة الامتناع عن تطبيق قانون يخالف الدستور ، و السلطة التنفيذية تعين القضاة و ترقيهم و تنقلهم ، كما أنها تسهم في تنفيذ الأحكام تحت إشراف قاض التنفيذ.

استقلال القضاء في التنظيم القضائي الاسلامي:

منذ أن فضل الخليفة عمر بن الخطاب القضاء عن الولاية ، و خصص لبعض الولايات قضاة ، اصبح القضاة مستقلين عن السلطة التنفيذية ، و أصبحت وظيفة الفصل في الخصومات من اختصاص القضاة ، و ظل القضاة في الاسلام مستقلين عن كل مؤثر ، سواء كان من رجال السلطة التنفيذية أم من غيرهم من ذي النفوذ أو الأقارب .

2- مجانية القضاء

المقصود بمبدأ مجانية القضاء:

يقصد بمجانية القضاء أن القضاة لا يتناولون أجراً من الخصوم مقابل الفصل في منازعاتهم ، و إنما يؤدون مهمتهم لقاء مرتبات تدفعها لهم الدولة ، شأنهم في ذلك شأن سائر العاملين بالدولة.

مجانية القضاء في مصر :

لا يتقاضي القضاة في مصر أجوراً علي قضائهم من الخصوم ، و إنما يحصلون علي رواتهم من خزانة الدولة ، و تحصل الخزانة رسوماً من المتقاضين مقابل التجائهم إلي المحاكم ، و يدفع المدعي هذه الرسوم في البداية ، و إذا كسب الدعوي حكم بالمصروفات علي خصمه فيستردها منه ، أما إذا خسر المدعي دعواه فإنه يتحمل الرسوم وحده.

و نادي بعض الفقهاء بتقرير مبدأ مجانية القضاء بكل معني الكلمة تمكيناً للأشخاص من الحصول علي الحماية القانونية ، لأنه لا ينبغي أن تكون الأعباء المالية سبباً في نكوص الدولة عن القيام بأخص وظائفها.

و أيا ما كان الحال ، فقد قصد بإلزام المدعين بدفع رسوم ، هو التقليل من الخصومات الكيدية.

و أما الفقير الذي لا يملك مصاريف المطالية بحقه ، فقد قرر المشرع إعفاءه من الرسوم القضائية و حتي لا ينتهز الفقراء منحه الاعفاء ، و يكثروا من الدعاوي بحق و بدونه، اشترط القانون للاعفاء من الرسوم إلي جانب ثبوت عجزه عن الدفع ، احتمال كسب الدعوي.

مجانية القضاء في التنظيم القضائي الاسلامي:

القضاء في الاسلام قضاء مجاني بكل معني الكلمة ، فالقاضي لا يأخذ أجراً من المتقاضين لقاء الفصل بينهم ، و إنما يحصل علي راتبه من بيت مال المسلمين ، فهم من عمال المسلمين ، و أجل عمالهم ، و هو قائم بمصالحهم ، فعليهم رزقه ، و من يعاونه في أداء مهمته.

بل يري فقهاء المسلمين ، أن يفرض للقاضي من الراتب ما يجعله يحيا حياة كريمة ، تليق و هذا المنصب الجلي و المكان الجلي ، فيفرض له ما يكفيه ، و يوسع عليه ، حتي لا يتطلع إلي أموال الخصوم أو غيرهم.

و لا يتحمل الخصوم أية نفقات في ظل القضاء الاسلامي ، فكل ما يحتاج إليه القاضي للنهوض بمهمته من أدوات كتابية أو غيرها ، فهي أو ثمنها من بيت مال المسلمين لكونها لازمة للقيام بمصالحهم.

3- تعدد القضاة و القاضي الفرد

المقصود بمبدأ تعدد القضاة و القاضي الفرد:

يقصد بتعدد القضاة أن تنظر الخصومة أمام محكمة مشكلة من عدد فردي من القضاة ، يدرسونها و يحققونها و يفصلون فيها.

و أما نظام القاضي الفرد فيقصد به أن تنظر الخصومة أمام محكمة مشكلة من قاض واحد ، يقوم بمفرده بدراستها و تحقيقها و الفصل فيها.

 لكل من النظامين – تعدد القضاة أو القاضي الفرد – مزاياه التي تعتبر بالتالي عيوباً في النظام الآخر.

مزايا نظام تعدد القضاة:

1- نظام تعدد القضاة ، يمثل ضمانة من ضمانات العدالة ، ذلك أن هذا النظام يعطي لدراسة الموضوع دراسة متأنية و من وجهات نظر متعددة ، تمكن من ادراك جميع جوانبه ، و بالتالي يصدر الحكم بعد البحث و التمحيص أقرب ما يكون إلي الصواب ، بينما في نظام القاضي الفرد لا يدرس الموضوع إلا من وجهة نظر قاض واحد ، و قد تغيب عنه بعض جوانبه.

2- تعدد القضاة ينفي احتمال التحيز ، و ذلك لأنه إذا أمكن تصور تحيز القاضي لشخص ما ،فلا يتصور تحيز مجموعة من القاة للشخص ذاته ، و كذلك إذا مال أحد القضاة لخصم ، فإن بقية الهيئة ستكون ضده في الرأي، فضلا عن أن مراقبة زملائه تمنعه من ذلك.

بخلاف القاضي الفرد فلن يختلف معه أحد الرأي ، و يمنعه من تحيزه مراقبة احد – إذا تصورنا أمكان التحيز.

3- تعدد القضاة يسهم في تحقيق استقلال القضاء ، ذلك أن الحكم يصدر باسم الهيئة و ينسب إليها مجتمعة ، فلا يعرف ما إذا كان قاض معين مؤيداً للحكم أو معارضاً له مما يجعل القاضي لا يتأثر بالمؤثرات الخارجية ، و من ثم يكون في أمان و حرية في ابداء رأيه.

بخلاف نظام القاضي الفرد ، فالحكم فيه ينسب معين ، مما يجعله هدفاً لضغط عليه و ارهابه ، و قد يتأثر بالمؤثرات الخارجية و يخاف منها ، فيهتز ميزان العدالة في يده.

مزايا نظام القاضي الفرد:

 1- نظام القضي الفرد يشعر القاضي بمكانته و مسئوليته ، فهو الذي يصدر الحكم ، و يتحمل مسئوليته ، و ينسب إليه ، مما يدعوه إلي الاجتهاد في بحث الموضوع ، و التروي في إصدار الحكم.

بخلاف الحال في نظام تعدد القضاة حيث ينسب الحكم إلي هيئة لا إلي فرد ، مما يدعو كل واحد منهم إلي الاعتماد علي غيره.

2- نظام القاضي الفرد يقلل من تكاليف القضاء و يحقق سرعة الفصل في المنازعات ، ذلك أن هذا النظام يمكن من توزيع القضاة ، و نهوض كل واحد منهم بعدد معقول من القضايا.

بخلاف تعدد القضاة حيث لا يمكن توزيعهم ، و إنما يجتمعون في مكان واحد ، و ينهضون جميعاً بعدد محدود من القضايا ، مما يؤدي إلي تراكم القضايا و تأخير الفصل فيها ، و إطالة مدة التقاضي.

تعدد القضاة و القاضي الفرد في القانون المصري:

لكل من النظامين القاضي الفرد و تعدد القضاة مزاياه و عيوبه ، و لذلك حاول المشرع المصري الاستفادة من مزايا النظامين مع العمل علي تفادي العيوب ، و من ثم فقد أخذ بنظام تعدد القضاة – كقاعدة – فالمحاكم الابتدائية ، و محاكم الاستئناف ، و محكمة النقض ، حيث تتكون دوائرها جميعاً من عدد فردي من القضاة ، و إلي جانب هذا جمع المشرع مجموعة من الدعاوي يمكن زصفها بالهينة أو اليسيرة ، لكونها ضئيلة القيمة ، أو عديمة التعقيد أو لا تحتاج إلي خبرة قانونية عميقة أو لا يمس الحكم فيها أصل الحق ، و جعل هذه الدعاوي من اختصاص محكمة مكونة من قاض واحد.و بذلك يتمكن المشرع المصري من الاستفادة بمزايا النظامين ، فالقضايا الهينة أو اليسيرة التي تحتاج إلي سرعة ينظرها قاض فرد ، أما القضايا الكبيرة الخطيرة المعقدة فهي تحتاج إلي خبرة قانونية عميقة ، و هي جديرة بأن تنظر أمام محكمة مشكلة من عدد من القضاة.

تعدد القضاة و القاضي الفرد في النظام القضائي الاسلامي:

تحدث الفقهاء المسلمون في نظامي تعدد القضاة و القاضي الفرد ، و اتفقوا علي أنه يجوز لولي الأمر أن يعين شخصاً واحدا في بلد واحد يتولي مهمة الفصل بين الناس في الخصومات و هو نظام القاضي الفرد.

ثم اختلفوا في جواز تعيين عدد من القضاة يتولون مجتمعين مهمة الفصل بين الناس في الخصومات.

و الراجح جواز تعدد القضاة – لاسيما في عصرنا الحاضر .   

4- المساواة أمام القضاء

المقصود بمبدأ المساواة أمام القضاء:

يقصد بمبدأ المساواة أمام القضاء المساواة التامة بين جميع الأشخاص في حماية حقوقهم المشروعة ، و اعطاء كل انسان الحق في اللجوء إلي القضاء لحماية حقه و دفع ما يقع عليه من اعتداء ، و يكون هذا الحق مقرراً لجميع المواطنين علي السواء وطنيين و أجانب ، بل و يكون مقرراً لجميع الناس ، لا فرق في ذلك بين غني و فقير ، أو كبير و صغير ، أو أمير و خفير ، فلا تمييز بين الناس في حق اللجوء إلي القضاء بسبب الجنس أو الدين أو اللون أو اللغة فالكل أمام القضاء سواء.

المساواة أمام القضاء المصري:

تنص المادة (68) من دستور 1971 علي أن “التقاضي حق مصون و مكفول للناس كافة ، و لكل مواطن حق الالتجاء إلي قاضيه الطبيعي ، و تكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين و سرعة الفصل في القضايا ، و يحظر النص في القوانين علي تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء”.

و علي ذلك يثبت لجميع الأشخاص علي السواء الحق في الحماية القانونية ، لا فرق في استعمال هذا الحق بين شخص و أخر مهما تفاوتت منازلهم ، و لا يختلف اختصاص المحاكم إلا بسبب قيمة الدعوي أو نوع النزاع دون النظر لأشخاص المتقاضين.

المساواة أمام القضاء في النظام القضائي الاسلامي:

لا يوجد نظام قضائي في العالم اهتم بمبدأ المساواة بمثل ما اهتم به النظام القضائي الاسلامي ، فقد جعل هذا النظام حق اللجوء إلي القضاء ، حقاً مكفولاً للجميع ، بل و أوجب علي القاضي مراعاة هذا المبدأ في كل شيء لحظه و لفظه و دخول الخصوم عليه.

و من الثابت أن لجميع الأشخاص الحق في رفع دعاويهم أمام القضاء ، و يجب علي القاضي أن يسمع الدعوي من أي مدع علي أي انسان ، و لا يجوز للقاضي أن يمنع أحدا من اللجوء إلي القضاء حماية لحق له اعتدي عليه ، سواء كان المدعي عليه غنياً أو فقيراً ، جليلاً أو حقيراً .  

5- علانية الجلسات

المقصود بمبدأ علانية الجلسات:

يقصد بمبدأ علانية الجلسات أن يتم تحقيق الدعاوي و المرافعة في جلسات مفتوحة للجمهور ، يكون لكل شخص الحق في حضورها ، و أن ينطق بالأحكام بصوت مسموع في جلسة علنية ، و أن يسمح بنشر ما يحدث في الجلسات من مناقشة، و أن يسمح بنشر الأحكام التي تصدر.

و هذه العلانية تضمن حق الجمهور في الاطلاع علي ما يدور داخل المحاكم و تمكنهم من مراقبة أعمالها ، و تبعث في نفوس المتقاضين الطمأنينة إلي عدالة القضاء ، و تحث القضاة علي الاهتمام و العناية بأعمالهم.

و كذلك أن علانية الجلسات تطلع الجمهور علي مدي اهتمام القضاة بأعمالهم و عنايتهم بها ، و نزاهتهم في أحكامهم ، مما يزيد احترام الجمهور للقضاة ، و يبعث علي الثقة فيهم.

علانية الجلسات في القضاء المصري :

اهتم المشرع المصري بمبدأ علانية الجلسات اهتماما واضحاً ، فنص في المادة (169) من دستور 1971 علي أن “جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب ، و في جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”.

كما نص علي ذات المبدأ دستور 2012 المعدل في مادته (187) علي أن : “جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية”.

و كذلك نصت المادة 18 من قانون السلطة القضائية علي أن “تكون جلسات المحاكم علنية إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية مراعاة للآداب أو محافظة علي النظام العام و يكون النطق بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية …”.

و أيضاً نص المشرع علي ذات المبدأ في قانون المرافعات.

و مع ذلك فقد يترتب علي العلانية ضرر يلحق بالنظام العام أو الآداب يفوق مزايا العلانية ، و لذلك أجيز للمحاكم أن تأمر بجعل الجلسة سرية ، للمحافظة علي النظام العام أو الآداب ، و أكثر ما تأمر فيه المحاكم بجعل الجلسة سرية هي المحاكمات الجنائية علي جرائم الاعتداء علي العرض و ما شابهها ، و جرائم الاعتداء علي نظام الحكم في البلاد ، أو علي النظم الأساسية للهية الاجتماعية.

و يتبع سرية الجلسة تحريم نشر ما يجري في الدعاوي التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية.

  و سواء كانت الجلسة علنية أو سرية يجب أن يكون النطق بالحكم في جلسة علنية ، و ينبني علي ذلك جواز نشر الحكم ، حتي و لو امتنع نشر المرافعة.

و علي ذلك فالأصل في القضاء المصري هو علانية الجلسات ، و جعلها سرية هو الاستثناء ، و ينبغي المحافظة علي مبدأ علانية الجلسات فهو من أكبر ضمانات العدالة.

و للمحكمة أن تجعل الجلسة سرية من تلقاء نفسها أو بناء علي طلب أحد الخصوم و لها في ذلك سلطة تقديرية .

و لا يترتب بطلان إذا توافرت دواعي للنظام العام أو حسن سير الآداب تقتضي جعل الجلسة سرية و مع ذلك نظرت الدعوي في جلسة علنية.

علانية الجلسات في النظام القضائي الاسلامي:

علانية الجلسات من المبادئ الأساسية المستقرة في التنظيم القضائي الاسلامي ، فالأصل أن تكون جلسات القضاء علنية ، حتي يعلم الناس بالخصومات و يشتهر أمرها فيتدخل فيها من يجد أنه له بها علاقة.

و من هنا فقد كان رسول ﷺ  في المسجد لفصل الخصومات ، و كذلك فعل الصحابة من بعده، حتي يكون من حق كل فرد الدخول ، و لا يستطيع أحد أن يمنعه حتي و لو كان مشركا.

6- حصول الإجراءات في مواجهة الخصوم

المقصود بمبدأ حصول الإجراءات في مواجهة الخصوم:

يقصد بحصول الإجراءات في مواجهة الخصوم ، أن كل إجراء من إجراءات الخصومة يتخذه أحد الخصوم يجب أن يكون في مواجهة الطرف الآخر في الخصومة ، و يجب اخبار كل خصم بما يجريه الخصم الآخر ، حتي يتمكن من الرد علي خصمه حماية لمصلحته.

و يعطي هذا المبدأ للخصم فرصة للرد علي كل طلب يوجه إليه أن كان لديه رد ، كما يكفل حقه في مناقشة الخصم في دفاعه ، و من ثم فلا يؤخذ علي غرة و هو أمام القضاء.

حصول الإجراءات في مواجهة الخصوم في القضاء المصري:

مبدأ حصول الإجراءات في مواجهة الخصوم ، من المبادئ الأساسية في النظام القضائي المصري ، و لذلك يوجب القانون إعلان المدعي عليه بالطلبات الموجهة إليه ، ومنع المدعي من إبداء طلبات جديدة ، أو تعديل الطلبات الواردة في صحيفة الدعوي في الجلسات التي يتخلف فيها خصمه ، و كذلك منع المدعي عليه من ابداء طلبات في غيبة المدعي ، و يوجب القانون تمكين كل خصم من الاطلاع علي الأوراق التي يقدمها خصمه تأييداً لدعواه.

كما يوجب القانون علي القاضي أن يمتنع بعد إقفال باب المرافعة عن سماع أي أقوال من أحد طرفي الخصومة في غيبة الطرف الآخر ، و من قبول أية ورقة لم يطلع عليها خصمه.

غير أن هذا المبدأ لا يمنع المحكمة من السير في اجراءات نظر الدعوي بالرغم من غياب المدعي عليه ، متي ثبت علمه بالدعوي بوصول الاعلان الصحيح إليه .

و استثناء من هذا المبدأ يجيز القانون اتخاذ اجراءات في غير مواجهة الخصوم كاستصدار أمر علي عريضة أو أمر أداء.

حصول الاجراءات في مواجهة الخصوم في التنظيم القضائي الاسلامي:

الأصل في الفقة الاسلامي أن يتخذ الإجراء في مواجهة الخصم ، و لا يجوز للقاضي أن يسير في اجراءات نظر الدعوي مع غيبة أحد الخصوم عن مجلس القضاء ، مع حضوره في البلد و عدم علمه بالدعوي ، و يمتنع علي القاضي أن يستمع بينة في غيبة الخصم ، و لا يجوز له أن يصدر حكمه بناء علي هذه البينة ، لأن ذلك نوع من القضاء علي الغائب و هو لا يجوز ، بل لا يجوز للقاضي أن يقرأ كتاب قاض آخر يتضمن شهادة علي مدعي عليه إلا بحضوره ، لأن ذلك بمنزلة أداء الشهادة فلابد من حضوره.

هذا هو الأصل و لكن إذا متنع المدعي عليه من الحضور أمام القضاء تعنتاً و لدداً في الخصومة جاز للقاضي النظر فيها ، حتي و إن ظل المدعي عليه غائباً.

7- حرية الدفاع و المناقشة

يقصد بمبدأ حرية الدفاع و المناقشة:

اعطاء كل خصم فرصة كافية لابداء وجهه نظره أمام القضاء ، فيما قدمه هو ، أو قدمه خصمه من ادعاءات.

و يعد هذا المبدأ ضمانة هامة من ضمانات العدالة ، ذلك أن القاضي إذا تأني في إصدار حكمه ، حتي يسمع كل كلام الخصوم ، فهو أحري أن يتبين له وجه القضاء.

و هذا المبدأ – حرية الدفاع و المناقشة – أوسع و أشمل من مبدأ حصول الإجراءات في مواجهة الخصوم و يكمله ، فالأخير يتطلب حضور المدعي عليه أو نائبه ، ليكون علي علم بما يتخذ ضده من أجراءات ، بينما الأول – حرية الدفاع و المناقشة – يتطلب اعطاء الخصوم بعد حضوره ، فرصة لابداء وجهة نظره و أسانيدها.

حرية الدفاع و المناقشة أمام القضاء المصري:

تنص المادة 69 من دستور 1971 علي أن “حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول ، و يكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلي القضاء و الدفاع عن حقوقهم”.

و تنص المادة 102 مرافعات علي أنه “يجب الاستماع إلي أقوال الخصوم حال المرافعة ، و لا تجوز مقاطعتهم، إلا إذا خرجوا عن موضوع الدعوي ، أو مقتيات الدفاع فيها ، و يكون المدعي عليه آخر من يتكلم”.

و علي ذلك يجب علي القاضي أن يستمع إلي أقوال الخصوم خلال المرافعة ، و لا يقاطعهم أثناء ابداء طلباتهم أو دفوعهم ، إلا إذا خرجوا علي موضوع الدعوي ، أو تجاوزوا حدود الدفاع المقررة ، او وجه بعضهم لبعض سباً أو طعن بعضهم في حق شخص أجنبي عن الدعوي.

و ينبني علي ذلك وجوب امهال الخصوم للحصول علي أوراق أو مستندات تكون منتجة في الدعوي ، إذا طلب أحدهم ذلك.

و يقتصر حق الخصم في الدفاع و المناقشة علي اعطائه الفرصة للكلام و اظهار وجهة نظره و أدلته ، فإن امتنع عن الكلام أو قصر في تقديم أدلته ، استمرت المحكمة في نظر الدعوي و الحكم بما تنتهي إليه.

حرية الدفاع و المناقشة في النظام القضائي الاسلامي:

مبدأ حرية الدفاع و المناقشة بمعناه المتقدم من المبدائ الأساسية الهامة في النظام القضائي الاسلامي فلكل خصم من الخصوم حق ابداء وجهة نظره أمام القضاء ، و الادلاء بأدلته و أسانيده ، سواء كانت تثبت ما اتجه إليه أو تنتفي مرازعم خصمه ، و لا يجوز للقاضي أن يحكم قبل سماع ما يريد أن يقوله كل خصم.

و يجب علي القاضي أن يمهل الخصم لاحضار بينته ، إذا ادعي أن معه بينة و لكنها غير حاضرة ، و طلب امهاله لاحضارها.

و يقتصر حق الخصم في الدفاع و المناقشة علي إتاحة الفرصة له ليتكلم ، و يبدي وجهة نظره و أدلته ، فإن هو أصر علي عدم الكلام ، او قصر في إبداء أدلته ، أو كان خصمه ألحن بحجته ، قضي القاضي وفقاً لما انتهي إليه.

و الهدف من امهال الخصم لاحضاؤ البينة هو احضارها ، فإن اساء خصم استعمال حقه في ذلك ، و استعمله للتسويف و المماطلة ، كيدا لخصمه ، كان للقاضي أن يفوت عليه غرضه و يحكم عليه .

و لا يجوز للقاضي أن يمنع خصماً من الكلام ما دام كلامه في الموضوع أما إذا خرج عنه أو أساء للخصم أو للقاضي أو لغيرهم فإن القاضي يمنعه و يزجره. 

8- التقاضي علي درجتين

المقصود بمبدأ التقاضي علي درجتين:

يقصد بمدأ – التقاضي علي درجتين أو حق الاستئناف- أن كل نزاع يعرض أمام محكمة أول درجة ، و بعد الفصل فيه ، يمكن عرضه من جديد علي محكمة أعلي (محكمة الدرجة الثانية) لإعادة نظره و الفصل فيه ، و تعرف المحكمة الأولي بمحكمة أول درحة و الثانية بمحكمة الدرجة الثانية أو المحكمة الاستئنافية.

بخلاف مبدأ “التقاضي علي درجة واحدة ” حيث لا يمكن عرض النزاع مرة ثانية بعد الفصل فيه ، و يقتصر عرضه علي محكمة واحدة.

و لكل من النظامين مزاياه التي تعد بالتالي عيوباً في النظام الآخر.

مزايا التقاضي علي درجتين:

لنظام التقاضي علي درجتين مزايا متعددة أهمها ما يلي :

أولاً: نظام التقاضي علي درجتين يعطي فرصة لتدارك ما قد تقع فيه محكمة الدرجة الأولي من أخطاء أو ما يشوب أحكامها من عيوب . لاسيما و أن النصوص كثيراً ما تكون غير قطعية الدلالة علي المطلوب ، و من ثم تختلف فيها الأفهام، و القاضي معرض للوقوع في الخطأ ، و لذلك وجب الاحتياط من مثل هذا الخطأ . بتقرير التقاضي علي درجتين ، حيث تتكون محكمة الدرجة الثانية من قضاة أكثر عدداً ، و أوفر خبرة من قضاة محكمة الدرجة الأولي.

ثانياً: هذا النظام يبحث قضاة محاكم الدرجة الأولي علي الاهتمام بدراسة الموضوع ، و تدقيق الأسباب ، و التأني في إصدار الأحكام ، لأن القاضي حين يعلم أن حكمه يمكن أن يعادفيه النظر ، و أن تناقش حيثياته و منطوقه يهتم بدراسة الموضوع ، و بدقق الأسباب ، و يتأني في الحكم.

و ثالثاً: نظام التقاضي علي درجتين يعطي الخصم فرصة لتعديل مسار دفاعه إذا تبين له أن خصمه كان ألحن بحجته منه ، و لتكملة ما فاته من نقص في الدفاع أمام محكمة الدرجة الأولي.

رابعاً : هذا النظام يبعث علي الثقة في القضاء و الرضا بقراره أياً ما كان، ذلك أنه إذا تحسب الخصم عدد القضاة الذين نظروا قضيته ، سيجدهم يتراوحون بين أربعة إلي ستة قضاة و هذا يبعث الثقة في القضاء ، حيث لا يعقل أن يتواطأ هذا العدد ضده ، و في الدرجتين ، و فضلاص عن ذلك فهذا العدد يجعله راضياً بالحكم حتي و لو كان ضده .

مزايا التقاضي علي درجة واحدة:

أولاً : نظام التقاضي علي درجة واحدة يؤدي إلي سرعة الفصل في المنازعات و تقصير مدة الخصومة ، و توفير النفقات ، و ذلك لأن النزاع سينتهي بصدور الحكم من المحكمة و لن تكون هناك فرصة لتجديده مرة ثانيةأمام محكمة أخري ، مما يؤدي إلي سرعة إنهاء المنازعات ، و تقصير مدة الخصومة ، و توفير النفقات.

ثانياً: هذا النظام يبعث الثقة في نفوس الناس في أحكام المحاكم ، ذلك أن عرض النزاع علي محكمة ثانية من شأنه أن يزعزع ثقة الناس في الحكم الأول لاسيما إذا اختلفت آراء القضاة و اتجاهاتهم.

ثالثاً: قصر التقاضي علي درجة واحدة ، يجعل المتقاضي في وضع متكافيء من يقدر منهم علي نفقات درجات المحاكم المتعددة و من لا يقدر ، حيث لا يسمح بعرض النزاع مرة ثانية أمام محكمة أعلي لا يتمكن من الوصول إليها إلا من يقدر علي نفقاتها.

التقاضي علي درجتين في نظام القضاء المصري:

تعرض المنازعات في مصر علي درجتين للتقاضي ، حيث ترفع الدعوي إلي محكمة تفصل فيها أول مرة ، ثم يكون للخصم المقضي عليه حق الطعن في الحكم بالاستئناف إلي محكمة أعلي ، يطرح عليها النزاع لتحكم فيه من جديد.

و إذا كان القانون المصري قد أخذ بنظام التقاضي علي درجتين – كقاعدة – إلا أن هناك حالات رجح فيها المشرع بعض الاعتبارات العملية علي مقتضي العدل المطلق، و مستلزمات حسن القضاء ، و استثناها من قاعدة التاضي علي درجتين ، من ذلك الدعاوي ضئيلة القيمة ، و التي لا تزيد قيمتها عن مبلغ معين ، لا تحتمل نفقات العرض علي درجتين ، و كذلك الحالات التي يجيز المشرع فيها للخصوم الالتجاء إلي محكمة الدرجة الثانية رأسا ، دون أن يكون قد سبق عرض النزاع علي محكمة الدرجة الأولي ، و مثال ذلك : طلب رد قضاة المحكمة الابتدائية الذي يعرض علي محكمة الاستئناف ، و كذلك الأجور و الفوائد و المرتبات و سائر الملحقات التي تستحق بعد تقديم الطلبات الختامية أمام محكمة الدرجة الأولي ، و ما يزيد من التعويضات بعد هذه الطلبات ، يجوز إضافتها للطلب الأصلي أمام محكمة الدرجة الثانية أثناء نظر الاستئناف ، و بذلك تكون هذه الطلبات قد اقتصر نظره علي محكمة الدرجة الثانية.

قصر التقاضي علي درجتين:

إذا كان التقاضي علي درجتين له مزايا متعددة توجب الأخذ به ، إلا أنه ينبغي أن يقتصر التقاضي علي هاتين الدرجتين ، فلا يستأنف حكم محكمة الاستئناف أمام محكمة أعلي فلو أطلق حق الطعن في الأحكام ، لأدي ذلك إلي تأبيد الخصومات و تخليدها ، و لستنفاذ أموال التقاضين في مصاريف التقاضي ، و زعزعة المراكز القانونية و عدم استقرارها.

و قصر التقاضي علي درجتين لا يتنافي مع جواز الطعن بالتماس إعادة النظر و الطعن بالنقض ، و ذلك لأن التماس إعادة النظر يرفع أمام المحكمة التي أصدرت الحكم ، و لأن الطعن بالنقض لا يطرح النزاع أمام محكمة النقض ثم أن الطعن بهذين الطريقين لا يجوز إلا لأسباب معينة ، و في حالات محددة و لذلك وصفا بأنهما طرق الطعن غير العادية.      

Comments are closed.

xnxxbf