مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الخامسة ، الطعن رقم 13839 لسنة 55 القضائية (عليا)
فبراير 24, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة السابعة ، الطعنان رقما 23150 و25633 لسنة 54 القضائية (عليا)
فبراير 24, 2021

الدائرة السابعة ، الطعن رقم 10323 لسنة 56 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 24 من نوفمبر سنة 2013

الطعن رقم 10323 لسنة 56 القضائية (عليا)

(الدائرة السابعة)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبو زيد شلال

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ طارق محمد لطيف عبد العزيز، ومحمد محمد مجاهد راشد، ومحمد علي محمود هاشم، وحسن محمود سعداوي محمد

نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

(أ) دعوى– طلبات في الدعوى- تكييفها- حدود سلطة المحكمة في تكييف الطلبات- للخصوم تحديد وصياغة طلباتهم بما يرونه محققًا لمصلحتهم، واختيار السند القانوني الأرجح للقضاء لهم موضوعيًّا بها، إلا أن تحديد هذه الطلبات وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية مرده إلى المحكمة- إذا كان للمحكمة ألا تتقيد بظاهر العبارات والألفاظ، فإن عليها الوقوف عند حقيقة الطلبات، فلا تملك وهي بصدد تحديد طلبات الخصوم وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية أن تحوِّرها أو تغيِّرها بما يؤدي إلى اختلافها إلى مركزٍ قانوني أو حق لم يقصدوه، أو يتجاوز حدود ذلك، أو أن تُحِلَّ إرادتها محل إرادة الخصوم في الدعوى بتعديل طلباتهم بإضافة ما لم يطلبوا الحكم به- يخضع الحكم المطعون فيه بما يتضمنه من تكييف الدعوى لرقابة محكمة الطعن([1])(تطبيق): لا يجوز للمحكمة تكييف طلب المدعي بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تكليفه باعتباره طعنًا على تخطيه في التعيين؛ إذ إن هناك فرقا بين التكليف، والتعيين، ففي حالة الطعن على قرار رفض التكليف أو الامتناع عنه يستند المدعي إلى أحقيته في التكليف دون أن يقارن بين مؤهلاته ومؤهلات غيره، وذلك على خلاف الأمر في حالة الطعن على قرار التخطي في التعيين.

(ب) جامعات– معاونو أعضاء هيئة التدريس- التعيين في وظيفة معيد- رسمَ المشرِّع للتعيين في وظيفة المعيد طريقين: (أحدهما) أصلي، وهو الإعلان، و(ثانيهما) استثنائي، وهو التكليف، وحدَّد لكلِّ طريقٍ أحكامَه وشروطَه- لا يجوز استصحاب الأحكام الخاصة بالتعيين بطريق الإعلان لتطبيقها في التعيين بطريق التكليف.

– المواد أرقام (72) و(133) و(135) و(136) و(137) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، المعدَّل بموجب القانون رقم 142 لسنة 1994.

(ج) جامعات– معاونو أعضاء هيئة التدريس- التعيين في وظيفة معيد- التعيين بطريق الإعلان- ضوابطه- تغيا المشرع من التعيين عن طريق الإعلان كفالة المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الخريجين، كإطارٍ لا يجوز تجاوزه، وحدَّد الشروط التي تكفل هذه الغاية- أجاز المشرع لمجلس الجامعة أن يُضمِّن الإعلان عن شغل وظائف المعيدين شروطًا أخرى بالإضافة إلى الشروط المبينة في القانون، على أن تكون من جنسها، وأن تكون متصفة بالعمومية والتجريد، غير منطوية على تمييز منهي عنه، أو إخلال بالمساواة، أو بتكافؤ الفرص- لا يجوز أن يتضمن الإعلان قصر التعيين على خريجي كلية معينة، أو سَنَة محددة؛ لما في ذلك من خروج عن قصد المشرع([2]).

– المادتان رقما (136) و(141) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972.

(د) جامعات– معاونو أعضاء هيئة التدريس- التعيين في وظيفة معيد- التعيين بطريق التكليف- التكليف هو الطريق الاستثنائي للتعيين في هذه الوظيفة، وقد أجازه المشرع بشروطٍ أربعة: (أولها) أن يكون المكلف متخرجًا في الكلية نفسها، و(ثانيها) أن يكون من خريجي السنتين السابقتين مباشرة على سنة التعيين، و(ثالثها) أن يكون حاصلا على جيد جدًّا في التقدير العام، و(رابعها) أن يكون حاصلا في مادة التخصص على تقدير جيد جدًّا- لا يجوز لجهة الإدارة أن تضيف شروطا أخرى إلى الشروط المبينة في القانون للتكليف في وظائف المعيدين- شروط التكليف وضوابطه أوردها المشرع حصرًا دون أن يجيز الإضافة إليها، وهذا على خلاف ما أجازه بالنسبة للتعيين في تلك الوظائف بطريق الإعلان- ترتيبا على ذلك: لا يجوز إضافة شرط (عدم تجاوز سن محددة) أو (عدم مضي مدة معينة على التخرج) إلى شروط التكليف في وظائف المعيدين([3]).

– المواد أرقام (136) و(137) و(138) و(141) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، المعدَّل بموجب القانونين رقمي 54 لسنة 1973 و142 لسنة 1994.

(هـ) جامعات– معاونو أعضاء هيئة التدريس- التعيين في وظيفة معيد- التعيين بطريق التكليف- شروطه- شرط أن يكون من خريجي الكلية في السنتين الأخيرتين (أي السابقتين مباشرة على سنة التعيين)- إعمال أحكام وشروط التكليف لا يتأتى إلا بترتيب خريجي هاتين السنتين المستوفين للشروط في قائمةٍ واحدة، تُستهَل بالحاصلين على أعلى الدرجات في التقدير العام وتقدير مادة التخصص- بالنسبة للتكليف في الأقسام العلاجية (الإكلينيكية) بكليات الطب: يكون الترشيح من بين خريجي السنتين الأخيرتين بعد إضافة مدة التدريب العملي المتطلبة قانونًا.

– المادتان رقما (137) و(138) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، المعدَّل بموجب القانون رقم 142 لسنة 1994.

(و) مسئولية– مسئولية الإدارة عن أعمالها- مناط مسئولية الإدارة عن قراراتها أو أعمالها المادية هو وجود خطأ في جانبها، وأن يصيب ذوي الشأن ضرر من جراء القرار أو العمل المادي، وأن تقوم علاقة سببية بين الخطأ والضرر- الضرر نوعان: ضرر مادي، ويقصد به الإخلال بمصلحةٍ للمضرور ذات قيمة مالية، ويجب أن يكون محقق الوقوع، وضرر أدبي يصيب مصلحةً غير مالية للمضرور، مثل المساس بشعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه- إثبات الضرر هو مسئولية مَنْ يتمسك به، إعمالا للقاعدة العامة القاضية بأن “البينة على من ادعى”.

– المادة رقم (163) من القانون المدني.

(ز) مسئولية– مسئولية الإدارة عن أعمالها- تقدير التعويض- التعويض عن قرار التخطي في التعيين أو التكليف لا يلزم أن يكون مساويًا للمرتب الذي فات المضرور؛ لأن الأجر مقابل العمل- يُقدَّر التعويض حسب ظروف الحال، وما فات المضرور من المزايا المادية والأدبية وفرص الترقي، أخذا في الاعتبار طول مدة التقاضي.

الإجراءات

بتاريخ 18/2/2010 أودع السيد الأستاذ المستشار/ رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرَ طعنٍ، قُيِّدَ برقم 10323 لسنة 56ق. عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بطنطا (الدائرة الثالثة) بجلسة 21/12/2009 في الطعن الاستئنافي رقم 685 لسنة 14 ق. س، في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بطنطا بجلسة 14/7/2007 في الدعوى رقم 730 لسنة 30ق، فيما قضى به بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا، والقضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع: (أولا) بإلغاء القرار السلبي لرئيس جامعة طنطا بالامتناع عن تعيين المدعي في وظيفة معيد بقسم الجراحة العامة، مع ما يترتب على ذلك من آثار. (ثانيًا) بإلزام جهة الإدارة بأن تؤدي للمدعي تعويضًا عما لحقه من أضرار مادية وأدبية من جراء القرار الطعين التعويض الذي تقدره المحكمة، وإلزام الجامعة المصروفات عن درجتي التقاضي.

وقد أعلن تقرير الطعن على النحو المقرر قانونًا.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم -بعد إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المقرر قانونًا- “بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، الصادر في الطعن الاستئنافي رقم 685 لسنة 14 ق.س. بجلسة 21/12/2009، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار الإداري رقم 1335 لسنة 2001 الصادر بتاريخ 13/9/2001 فيما تضمنه من تكليف الطبيب محمد… لشغل وظيفة معيد بقسم الجراحة العامة بكلية الطب- جامعة طنطا إلغاءً مجردًا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الطاعن والمطعون ضده المصروفات مناصفة عن جميع درجات التقاضي”.

وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قررت إحالته إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 21/4/2013، وتدوول نظره بالجلسات، وبجلسة 9/6/2013 قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة للجلسة المذكورة لتعديل التشكيل وإصدار الحكم بجلسة 24/11/2013، وبهذه الجلسة صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية.

وحيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 8/11/2001 أقام: محمود… الدعوى رقم 730 لسنة 30ق أمام المحكمة الإدارية بطنطا، طلب في ختام صحيفتها الحكم له بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي لجامعة طنطا بالامتناع عن تعيينه معيدًا بقسم الجراحة العامة بجامعة طنطا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تسلمه العمل فورًا، وتنفيذ الحكم بمسودته، والقضاء له بالتعويض العادل الذي تقدره المحكمة جبرًا لما لحق به من أضرار مادية وأدبية.

وذكر المدعي شرحًا لدعواه أنه حصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة طنطا بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف، وبتاريخ 9/8/2001 صدر قرار مجلس قسم الجراحة العامة بتكليفه معيدًا بالقسم، كما وافق على ذلك مجلس كلية الطب بتاريخ 15/8/2001 إلا أن الجامعة رفضت التعيين بحجة مرور أكثر من خمس سنوات على تخرجه، وتظلم من القرار ولم يتلق ردًّا على تظلمه، ونعى المدعى على هذا القرار مخالفته للدستور والقانون وكونه معيبًا في سببه.

………………………………………………..

وبجلسة 14/7/2007 قضت المحكمة الإدارية بطنطا، بقبول الدعوى شكلا، ورفضها موضوعًا، وألزمت المدعي المصروفات.

وشيدت المحكمة قضاءها على أساس أن المدعي على وفق التكييف الحقيقي لطلباته، يستهدف الحكم له بإلغاء قرار رئيس الجامعة رقم 1335 لسنة 2001 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة معيد بقسم الجراحة العامة بكلية الطب جامعة طنطا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، والقضاء له بالتعويض الذي يجبر ما لحق به من أضرار مادية وأدبية على النحو الذي تقدره المحكمة، وعقدت المحكمة مقارنةً بين المدعي والمطعون على تعيينه على وفق التكييف الذي انتهت إليه، وأوضحت أن المطعون على تعيينه محمد… حاصل على البكالوريوس عام 1996 وبمجموع أعلى، إذ حصل على مجموع 3760 درجة، ومن مواليد 27/1/1973، وحاصل على درجة أعلى في مادة التخصص، إذ حصل عليها بمجموع 411، في حين أن المدعي حاصل عليه عام 1995 بمجموع أقل (3746,44 درجة)، وأقل في درجة مادة التخصص (375,07 درجة)، ومن مواليد 13/7/1971، ومن ثم يكون المدعي دون المطعون على تعيينه في معايير الأفضلية، وأن ما استند إليه المدعي من موافقة مجلس القسم والكلية على تعيينه مجرد إجراءات تمهيدية لا تكسبه مركزًا قانونيًّا، وبذلك أيضًا ينتفي ركن الخطأ الموجب للتعويض في جانب الجامعة.

………………………………………………..

وإذ لم يصادف الحكم قبولا لدى المدعي، فقد أقام الطعن الاستئنافي رقم 685 لسنة 14ق. س أمام محكمة القضاء الإداري بطنطا (الدائرة الثالثة) طالبًا الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس جامعة طنطا رقم 1335 لسنة 2001 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة معيد بقسم الجراحة العامة بكلية الطب جامعة طنطا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تسلمه العمل فورًا، وتنفيذا الحكم بمسودته، وأحقيته في التعويض جبرًا لما لحق به من أضرار مادية وأدبية من جراء القرار الطعين.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن الاستئنافي ارتأت في ختامه الحكم: بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا، وإلزام الطاعن المصروفات.

………………………………………………..

وبجلسة 21/12/2009 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها- بعد أن قامت بتكييف طلبات المستأنِف بأنها “تخطيه في وظيفة معيد” واستعرضت أحكام المادتين (135) و(136) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، المعدَّل بالقانون رقم 142 لسنة 1992، أنه عند تطبيق القواعد الواردة في هاتين المادتين يكون المطعون على تعيينه أولى في التعيين، باعتبار أنه الأعلى في درجة التقدير في البكالوريوس (3760 درجة)، بينما الطاعن (3746,44 درجة)، والأعلى في درجة مادة التخصص، ومن ثم فإن المطعون على تعيينه هو الأعلى في مجموع درجات هذين التقديرين، ويكون هو الأحق بالتعيين بوظيفة معيد، وخلصت المحكمة إلى أن القرار المطعون فيه قد قام على سببه الصحيح، ولانتفاء الخطأ تنتفي موجبات الحكم بالتعويض، وقضت بالحكم المشار إليه محل الطعن الماثل.

………………………………………………..

وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله؛ على سندٍ من أن المحكمة أخطأت في تكييف طلبات المدعي بتكييفها على أنه تخطٍّ في التكليف، في حين أنه يطعن على قرار الامتناع عن تكليفه، خاصةً أنه استوفى شروط التكليف مثل زميله الذي تم تكليفه، وأنه تم استثناء زميله من شرطي السن ومضي خمس سنوات على التخرج، ولم يتم ذلك معه بتكليفه مثل زميله، رغم اتحادهما في المركز القانوني، وبالتالي يكون عدم تعيينه في وظيفة معيد بقسم الجراحة العامة بكلية الطب جامعة طنطا قد جاء مخالفًا للقانون، وأن القرار رتب أضرارا لحقت به.

وخلص السيد الأستاذ المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار رئيس جامعة طنطا رقم 1335 لسنة 2001 فيما تضمنه من عدم تعيين المدعي معيدًا بقسم الجراحة العامة بكلية الطب جامعة طنطا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جامعة طنطا المصروفات.

………………………………………………..

– وحيث إن المستقر في قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان للخصوم تحديد طلباتهم بالعبارات التي يصوغونها على وفق ما يرونه محققًا لمصلحتهم، ويختارون لهذه الطلبات السند القانوني الذي يرونه أرجح في القضاء بها موضوعيًّا، فإن تحديد هذه الطلبات وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية مرده إلى المحكمة، إذ عليها أن تتعمق فيما يُحدَّد في المنازعة الإدارية من طلباتٍ وأسانيد قانونية؛ لتصل إلى التكييف الصحيح لحقيقة هذه الطلبات، وتنزل عليها صحيح أحكام القانون، غير مقيدة بما ورد بها من عبارات أو ألفاظ لا تتحقق من خلال معناها الظاهر حقيقة نوايا مقدميها وغاياتهم من المنازعات الإدارية ومقاصدهم منها، وإذا كان للمحكمة ألا تتقيد بظاهر الألفاظ، فإن عليها الوقوف عند حقيقة الطلبات، فلا تملك تحويرها أو تغييرها بما يؤدي إلى اختلاف الطلبات إلى مركزٍ قانوني أو حق لم يقصدوه، أو تتجاوز حدود ذلك، فلا يجوز لها أن تحور تلك الطلبات بما يخرجها عن المقصود من وراء إبدائها، أو تحل إرادتها محل إرادة الخصوم في الدعوى، فتقوم بتعديل طلباتهم بإضافة ما لم يطلبوا الحكم به، ولهذا فإن تكييف محكمة أول درجة للدعوى يخضع لرقابة محكمة الطعن التي يكون لها أن تزن التكييف الوارد في الحكم المطعون فيه بميزان القانون.

وحيث إنه تطبيقًا لهذه المبادئ المحدِّدة لسلطة المحكمة في تكييف طلبات الخصوم نطاقا وضوابط، فإن المدعي طلبَ في ختام صحيفة دعواه أمام محكمة أول درجة -وهي المحكمة الإدارية بطنطا- إلغاءَ القرار السلبي لجامعة طنطا “بالامتناع عن تعيينه” معيدًا بقسم الجراحة العامة بكلية الطب بطنطا، مُبينًا ما اتخذه مجلس قسم الجراحة العامة من قرار “بتكليفه” معيدًا بالقسم، وما اتخذه مجلس كلية الطب من موافقة على هذا القرار، ومُوضِّحًا أن الجامعة “رفضت التعيين”، قاصدًا التكليف، فما كان يجوز للمحكمة -وكانت هذه طلباته في ضوء ما ساقه من وقائع- أن تحورها لتكون “تخطيه في التعيين”؛ لاختلاف “الامتناع” عن التكليف أو رفض التكليف عن “التخطي في التعيين”، إذ يستند المدعي إلى أحقيته في التكليف بمعزل عن غيره، سواء كان ما وقع من الجامعة “امتناعًا أم رفضًا” لهذا التكليف، أما بصدد “التخطي” فإن المدعي يضع نفسه في مقارنة مع غيره، لا بمعزل عنه، ويرى نفسه الأفضل في مؤهلات التكليف، بما يجعله حقًّا له يَفْضُل غيره فيه، فالأحقية في الطعن على الامتناع أو الرفض تتعلق بما يراه المدعي حقًّا له لا يُقارِن مؤهلاته بما لدى غيره من المؤهلات، ولا يُنافِس الآخرين فيما تقرر لهم من حقوق أو مراكز قانونية، ولا يتزاحم معهم فيها، في حين أنه في “التخطي” يقوم على مقارنة مؤهلاته بما لدى غيره من المؤهلات، وأنه عند التنافس يرى أن مؤهلاته تسبق في ترتيبها مؤهلات غيره، وأن التزاحم مع الآخرين محسومٌ لمصلحته بحسب ترتيبه لشغل المركز القانوني المطلوب شغله أو الحق الذي يجري تقريره، ومن ثم فلم يكن جائزًا للمحكمة وهي بصدد تكييف طلبات المدعي أن تحورها من “أحقيته في التكليف”، سواء كان ما وقع من الجامعة امتناعًا أم رفضًا، إلى ما تصورته خطأ طعنًا على “تخطي” في التعيين؛ إذ لم ترد في صحيفة دعواه أمام المحكمة الإدارية أية مقارنة منه لمؤهلاته بما لدى زميله المكلَّف، بل قصد بطلباته إلغاء القرار السلبي “بالامتناع عن تكليفه”.

وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غيرَ هذا المذهب، واعتبر -استنادًا إلى تكييفٍ خاطئ لطلبات المدعي- أنها تنصب على “تخطيه في وظيفة معيد”، دون بيانٍ لِما إذا كان تعيينًا أم تكليفًا، رغم الاختلاف في الأحكام القانونية لكل منهما، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد تنكب وجهَ الصواب، وخرج على حدود التكييف القانوني المقرر للطلبات، الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه.

– وحيث إن المادة (72) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 تنص على أنه: “مع مراعاة أحكام المادتين (68) و(71) يجري الإعلان عن الوظائف الشاغرة في هيئة التدريس مرتين في السنة، ولمجلس الجامعة بناءً على طلب مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص أن يضمن الإعلان فيما عدا وظائف الأساتذة اشتراط شروط معينة وذلك بالإضافة إلى الشروط العامة المبينة في القانون…”.

وتنص المادة (133) من القانون ذاته على أن: “يُعيَّن المعيدون والمدرسون المساعدون بقرارٍ من رئيس الجامعة بناءً على طلب مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص، ويكون التعيين من تاريخ صدور هذا القرار”.

وتنص المادة (135) المستبدلة بموجب القانون رقم 54 لسنة 1973 على أن: “يُشترَط فِيمَنْ يُعيَّن معيدًا أو مدرسًا مساعدًا أن يكون محمود السيرة حسن السمعة”.

وتنص المادة (136) على أن: “يكون تعيين المعيدين بناءً على إعلان عن الوظائف الشاغرة. ومع مراعاة حكم المادة السابقة، يُشترَطُ فِيمَنْ يُعيَّن معيدًا ما يأتي: (1) أن يكون حاصلا على تقدير جيد جدًّا على الأقل في التقدير العام في الدرجة الجامعية الأولى. (2) أن يكون حاصلا على تقدير جيد على الأقل في مادة التخصص أو ما يقوم مقامها…

وفي جميع الأحوال تُجرَى المفاضلة بين المتقدمين على أساس تفضيل الأعلى في التقدير العام، وعند التساوي في هذا التقدير يُفضل الأعلى في مجموع الدرجات…”.

وتنص المادة (137) المستبدلة بالقانون رقم 142 لسنة 1994 على أنه: “مع مراعاة حكم المادتين (132 و135) من هذا القانون، يجوز أن يُعيَّن المعيدون عن طريق التكليف من بين خريجي الكلية في السنتين الأخيرتين الحاصلين على تقدير جيد جدًّا على الأقل في كلٍّ من التقدير العام في الدرجة الجامعية الأولى، وفي تقدير مادة التخصص أو ما يقوم مقامها، وتُعطَى الأفضلية لِمَنْ هو أعلى في التقدير العام، وعند التساوي في التقدير العام تُعطَى الأفضلية لِمَنْ هو أعلى في مجموع الدرجات، مع مراعاة ضوابط المفاضلة المقررة في المادة (136) من هذا القانون”.

وتنص المادة (138) على أن: “في تطبيق حكم المادتين السابقتين، إذا لم تكن مادة التخصص في مواد الامتحان في مرحلة الدرجة الجامعية الأولى، فيقوم مقامها الحصول على دبلوم خاصة في فرع التخصص. وإذا لم توجد هذه الدبلوم، فيقوم مقامها التمرين العملي مدة لا تقل عن سنتين في كليةٍ جامعية أو معهد جامعي أو مستشفى جامعي، وبشرط الحصول على تقدير جيد جدًّا على الأقل عن العمل خلال هذه المدة.

ويُشترَطُ في جميع الأحوال بالنسبة لوظائف المعيدين في الأقسام العلاجية (الإكلينيكية) في كليات الطب أن يكون المرشح قد أمضى سنتين على الأقل في تدريبٍ عملي بأحد المستشفيات الجامعية في فرع تخصصه”.

وتنص المادة (141) على أن: “يسري على الإعلان عن وظائف المعيدين والمدرسين المساعدين حكمُ الفقرة الأولى من المادة (72) الخاصة بالإعلان عن وظائف أعضاء هيئة التدريس”.

وحيث إن المستفاد مما تقدم على وفق المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة وإفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع أن المشرِّع رسمَ للتعيين في وظيفة المعيد طريقين، أحدهما أصلي وهو الإعلان، والثاني استثنائي وهو التكليف، وحدَّد لكلِّ طريقٍ أحكامَه، فأما عن التعيين عن طريق الإعلان وهو الأصل، فقد تغيا منه المشرع كفالة المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الخريجين، كإطارٍ لا يجوز تجاوزه، وحدَّد الشروط التي تكفل هذه الغاية، وهي شروطٌ قوامها وجوهرها التفوق العلمي بين محمودي السيرة وحسني السمعة، لا أفضلية فيها للمتخرجين في كلية بذاتها ولا في سنة محددة، فالكلُّ فيها سواءٌ تجري المفاضلة بينهم على وفق قواعد محدَّدة لا مجال فيها للاجتهاد.

وبعد أن فصَّل المشرِّع شروط وقواعد التعيين في وظيفة معيد (على النحو المتقدم)، أحالَ في كيفية الإعلان إلى الفقرة الأولى من المادة (72) من القانون، التي أجازت لمجلس الجامعة أن يضمن الإعلان عن شغل وظائف هيئة التدريس شروطًا أخرى بالإضافة إلى الشروط المبينة في القانون، وهذه الشروط يتعين أن تكون من جنس الشروط التي أجملها القانون، بأن تكون متصفةً بالعمومية والتجريد، لا أن تكون شروطًا منطوية على تمييزٍ منهي عنه، أو إخلالٍ بالمساواة أو بتكافؤ الفرص المكفولين بنص الدستور للمواطنين جميعًا عند شغل الوظائف العامة، وعلى ذلك فلا يجوز أن يتضمن الإعلان قصر التعيين على خريجي كلية معينة أو سنة محدَّدة؛ لِما في ذلك من خروج على قصد المشرع.

وأما عن التكليف وهو الطريق الاستثنائي في التعيين، فقد أجازه المشرع -خروجًا على القواعد المتقدمة- بشروطٍ أربعة، أولها: أن يكون المكلف متخرجًا في الكلية ذاتها، فلا يكلف من خارجها. وثانيها: أن يكون من خريجي السنتين السابقتين مباشرة على سنة التعيين، فلا يعين من تخرج قبل ذلك. وثالثها: أن يكون حاصلا على جيد جدًّا في التقدير العام، فلا يكلف الحاصل على جيد، بعكس التعيين عن طريق الإعلان حيث يجوز تعيين الحاصل على جيد إذا لم يتقدم من هو حاصل على جيد جدًّا. ورابعها: أن يكون حاصلا في مادة التخصص على تقدير جيد جدًّا. وإعمال هذه الأحكام لا يتأتى إلا بترتيب خريجي السنتين الأخيرتين المستوفين للشروط في قائمةٍ واحدة، تُستهَل بالحاصلين على أعلى درجات تقدير عام وتقدير مادة التخصص.

وإذا كان التكليف كطريق استثنائي في التعيين قد قصره المشرع على خريجي السنتين الأخيرتين، فإن المادة (138) المبينة آنفًا قد اشترطت بالإضافة إلى ذلك أن يكون المرشح لوظيفة معيد في الأقسام العلاجية “الإكلينيكية” في كليات الطب قد أمضى سنتين على الأقل في تدريب عملي بأحد المستشفيات الجامعية بفرع تخصصه، وهو ما يتعين أخذه في الحسبان عند التكليف في هذه الأقسام.

وإذا كان المشرع قد اعتبر أن شغل وظائف المعيدين عن طريق “الإعلان” هو الأصل، ونظمه بموجب أحكام المواد (72) و(134) و(136)، بأن أجازت المادة (72) وضع شروط إضافية، وحددت المادة (136) معايير المفاضلة العلمية، وأحالت المادة (141) إلى سلطة الجامعة في وضع الشروط الإضافية، فإن هذه السلطة التي تقررت لمجلس الجامعة في تعيين المعيدين بموجب الإحالة يقتصر نطاق تطبيقها على شغل وظائف المعيدين عن طريق “الإعلان”، بما يجب معه على الجامعة التي تضعها أن تقف في تطبيقها على المتقدمين لشغل هذه الوظائف عن طريق “الإعلان”.

وإذ رسم المشرع طريقًا استثنائيًّا لشغل وظائف المعيدين وهو “التكليف” بالمادة (137) التي اشتملت على شروطه وضوابطه، وخلت من أية إحالة صريحة أو ضمنية إلى أي من المادتين اللتين أجازتا وضع الشروط الإضافية، وهما المادتان (72) و(141) من قانون تنظيم الجامعات، فلا يجوز للجامعة أن تستخدم سلطة الإضافة إلى الشروط التي تقررت لها في مجال “الإعلان” -وهو الأصل- في غير ما تقررت فيه وهو “التكليف” الطريق الاستثنائي؛ لأن المشرِّعَ لم يخوِّلها هذه السلطة في خصوص التكليف، إذ لو أراد المشرِّعُ أن يكون لمجلس الجامعة سلطة وضع الشروط الإضافية في خصوص التكليف لما أعوزه النص على ذلك صراحةً، بل أراد أن يبقيه طريقًا استئنائيًّا في شروطه وضوابطه، لذا أوردها دون أن يجيز الإضافة إليها.

وإذا وضعت الجامعة شروطًا إضافية في مجال “الإعلان”؛ بحسبانه الأصل لشغل وظائف المعيدين تطبيقًا لأحكام المواد (72) و(136) و(141)، فلا يجوز لها أن توسِّع -خلافًا لأحكام المادة (137)- نطاقَ تطبيقها ليشمل الاستثناء وهو “التكليف”؛ لاستقلال كل من الطريقين في الأحكام المنظمة له، فإن خرجت على هذه الأحكام، وتجاوزت حدود سلطتها في غير ما تقررت له “الإعلان”، وأعملتها في “التكليف”، كان تصرفها مخالفا للقانون.

وحيث إنه لسلامة تطبيق أحكام القانون، ومن خلال القرارات التي صدرت عن مجلس جامعة طنطا لشغل وظائف المعيدين، فإنه يتعين الوقوف على حقيقة ما صدر عنها من شروط إضافية ونطاق تطبيقها.

وحيث إنه على وفق ما ورد بأوراق الطعن التي قدمتها الجامعة بجلسة 9/6/2013، فإن مجلس جامعة طنطا كان قد قرَّر “بجلسته المنعقدة بتاريخ 20/1/1988 والممتدة إلى 27/1/1988” أنه يُشترَطُ لشغل وظيفة معيد بالأقسام الإكلينيكية بكلية الطب أن يكون المتقدم لشغل الوظيفة حاصلا على درجة البكالوريوس في خلال الخمس السنوات السابقة لتاريخ الإعلان، كما قرر مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة في 25/12/1988 الممتدة إلى 31/12/1988 ما يأتي: “ألا يزيد سن المتقدم لشغل الوظيفة عن 30 سنة”، كما قرر مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة في 21/12/1991 الموافقة على تكليف أو تعيين المعيدين بالأقسام العلاجية بكلية الطب البشري وطب الأسنان بشرط قضاء سنتين ونصف على الأقل كطبيب مقيم بالكلية، على ألا يتسلموا العمل إلا بعد انتهاء فترة طبيب مقيم “ثلاث سنوات”.

ومن ثم فإن ما صدر عن مجلس الجامعة من وضع شرط السن (ألا يزيد السن على 30سنة)، وشرط المدة (ألا يكون قد مضى على التخرج خمس سنوات) ليكون تطبيقهما مُقتصرًا على شغل وظائف المعيدين عن طريق “الإعلان” الطريقة الأصلية، ولا ينطبقان على “التكليف” (الطريقة الاستثنائية في شغل وظائف المعيدين)، وكانت موافقة مجلس الجامعة بجلسة 21/12/1991 فيما يخصُّ شرط قضاء سنتين ونصف على الأقل في وظيفة (طبيب مقيم) تشمل كلا من الطريقين (تكليف أو تعيين)، بما يفيد أن مجلس جامعة طنطا كان فيما قرَّره من قواعد مُدرِكًا لحدود سلطته القانونية، مُستخدمًا إياها في نطاقها الصحيح قانونًا.

يُؤكِّدُ أن هذين الشرطين يقتصران على طريقة “الإعلان” لا “التكليف”، أن ما استشهد به المدعي وهو القرار الصادر عن جامعة طنطا بتعيين الطبيب/محمد… في وظيفة معيد بقسم الأشعة العلاجية، والذي استثناه من شرطي السن والمدة، كان واضحًا في أن التعيين بناءً على إعلانٍ لا تكليف من الكلية لأحد خريجيها؛ إذ ورد بديباجة هذا القرار “وظيفة معيد (المُعلَن عنها) بتاريخ 25/5/1996، وبناء على موافقة مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة بتاريخ 26/6/1996 على استثنائه من شرط التخرج بمضي أكثر من خمس سنوات على التخرج، وكذا من شرط السن لتجاوزه أكثر من ثلاثين عامًا، وذلك (للتعيين) في هذه الوظيفة”.

يُضاف إلى ما تقدم أنه ورد بفتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع (ملف رقم 86/6/356 بجلسة 6/2/2008) “أن المكتب الفني للجامعة ارتأى عدم أحقية الطبيب/… لشغل وظيفة معيد بالقسم وترشيح الطبيب/…، وذلك استنادًا إلى أن شرط الخمس السنوات قد تم إلغاؤه بقرار مجلس الجامعة بجلسة 29/4/2004، كما أن هذا الشرط ينطبق على حالة شغل وظيفة معيد عن طريق الإعلان فقط دون التكليف”.

ولما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الطبيب (محمود…) وهو من مواليد 13/7/1971، قد حصل على درجة بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة طنطا دور نوفمبر 1995، والتي اعتمدها مجلس الجامعة في 24/2/1996، بتقدير جيد جدًّا مع مرتبة الشرف، وحصل في مادة التخصص (الجراحة العامة) على تقدير جيد جدًّا، وأن الطبيب (محمد…) قد حصل على درجة بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة طنطا دور نوفمبر 1996 والتي اعتمدها مجلس الجامعة في 26/2/1997، بتقدير جيد جدًّا مع مرتبة الشرف، وحصل في مادة التخصص (الجراحة العامة) على تقدير جيد جدًّا، وكان قسم الجراحة العامة بكلية الطب- جامعة طنطا، وهو من الأقسام العلاجية (الإكلينيكية) في تطبيق المادة (138) من قانون تنظيم الجامعات، في عام 2001 قد اختار طريق التكليف لشغل وظيفة معيد به، وكان خريجو عام 1995 ومنهم الطبيب (محمود…) قد اعتُمدت نتيجتهم في 24/2/1996، وأنهوا سنة الامتياز عام 1997، فإنه تطبيقًا لِما قرره مجلس جامعة طنطا بجلسته المنعقدة بتاريخ 21/12/1996 أن يكون المكلف بوظيفة معيد قد قضى سنتين ونصف على الأقل، وألا يتسلم العمل إلا بعد انتهاء فترة ثلاث سنوات طبيب مقيم، فإن المدة التي يجب أن يقضيها المدعي قبل اتخاذ إجراءات تكليفه (وهي سنتان ونصف) تنتهي في غضون شهر سبتمبر 1999، وإذا امتدت لتكتمل مدة السنوات الثلاث طبيب مقيم، فإنها تنتهي في غضون شهر إبريل عام 2000.

ويكون خريجو عام 1996 قد أنهوا سنة الامتياز وفترة طبيب مقيم في غضون شهر إبريل عام 2001، ومن ثم يعد هؤلاء الخريجون من خريجي السنتين الأخيرتين في مفهوم المادة (138) المبينة سالفًا، وإذ قرَّر قسمُ الجراحة العامة بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/8/2001 بالبند السادس عشر أحقية الطبيب (محمد…) والطبيب (محمود…) والطبيب (…) في وظيفة معيد بقسم الجراحة العامة، وأبلغ رئيسُ القسم هذا القرار فيما يخص الطبيب (محمود…) إلى عميد الكلية مع بيان بموافقة مجلس القسم على استثنائه من شرط الخمس السنوات خاصةً مع حاجة القسم له، كما وافق على ذلك مجلسُ الكلية بجلسة 15/8/2001 مع رفع الأمر إلى مجلس الجامعة للنظر في إمكانية استثنائه من شرط السن وشرط المدة.

وحيث إن الشرطين الإضافيين اللذين قررهما مجلس جامعة طنطا يقتصر نطاق تطبيقهما على وفق صحيح ما قرَّره على شغل وظائف المعيدين عن طريق “الإعلان”، وينحسر تطبيقهما عن شغلها بطريق “التكليف”، على وفق ما ورد بأوراق الطعن من منطوق القرارات الصادرة عنه، وما صدر عنه من قراراتٍ فردية بغض النظر عن مشروعيتها، وما ورد بطلب الفتوى رقم 86/6/356 بجلسة 6/2/2008، ومن ثم فلم يكن جائزًا لقسم الجراحة العامة أن يقوم بتطبيق الشروط المقررة لشغل وظيفة معيد بناء على طريقة “الإعلان” على طريقةٍ مغايرة في أحكامها والسلطات المقررة للجامعة فيها وهي “التكليف”، ثم يطلب الاستثناء منهما، في حين أنه لا يجوز تطبيقهما أصلا، وهو الخطأ الذي وقع فيه مجلس كلية الطب أيضًا.

وحيث إن التكليف لوظيفة معيد بقسم الجراحة العامة، وهو من الأقسام العلاجية “الإكلينيكية”، يكون من بين خريجي السنتين الأخيرتين، وهما على وفق ما استخلصته المحكمة من تاريخ اعتماد الكلية لنتيجة البكالوريوس في العامين 1995 و1996 يكونان هما عامي 2000 و2001، ويتعين أن يكون الترشيح من بين خريجي هذين العامين؛ باعتبارهما السنتين الأخيرتين بالنسبة لخريجي الكلية، والذي أنهوا التدريب العملي عامي 2000 و2001، وهو ما لم تجحده الجامعة، بل تذرعت بعدم توفر شرطي السن والمدة، فإن قرار رئيس الجامعة رقم 1335 لسنة 2001 الذي اقتصر على زميل المدعي في موافقة مجلس قسم الجراحة العامة وموافقة مجلس الكلية، ولم يشمل المدعي بالتكليف في وظيفة معيد بقسم الجراحة العامة بكلية الطب- جامعة طنطا، رغم استيفائه لشروط التكليف على النحو المقرَّر قانونًا، على وفق ما ورد بموافقة مجلس قسم الجراحة العامة بتاريخ 4/8/2001 ومجلس كلية الطب بتاريخ 15/8/2001، وقد استند إلى شرطين لا محل لتطبيقهما على تكليفه، على وفق ما أوضحته المحكمة تفصيلا وتأصيلا، فإن هذا القرار يكون مخالفًا لأحكام المادة (137) من قانون تنظيم الجامعات فيما تضمنه من الامتناع عن تكليف الطبيب (محمود…) بوظيفة معيد بقسم الجراحة العامة بكلية الطب- جامعة طنطا.

وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بغير هذه الوجهة من النظر، فإنه يكون قد خالف صحيح أحكام القانون، مما تقضي المحكمة معه بإلغائه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من الامتناع تكليف الطبيب (محمود…) بوظيفة معيد بقسم الجراحة العامة بكلية الطب جامعة طنطا، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

………………………………………………..

وحيث إنه عن طلب التعويض فإن المادة (163) من القانون المدني تنص على أن: “كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”.

وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن مناط مسئولية الإدارة عن قراراتها أو أعمالها المادية هو وجود خطأ في جانبها، وأن يصيب ذوي الشأن ضرر من جراء القرار أو العمل المادي، وأن تقوم علاقة سببية بين الخطأ والضرر، بحيث يتأكد أنه لولا الخطأ المنسوب للإدارة ما كان الضرر قد حدث على النحو الذي حدث به، وأن الضرر ينقسم إلى نوعين، ضرر مادي وهو الإخلال بمصلحة للمضرور ذات قيمة مالية، وأن يكون هذا الضرر محقق الوقوع، والضرر الأدبي بأن يصيب الضرر مصلحة غير مالية للمضرور، مثل المساس بشعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه، وأن إثبات الضرر هو مسئولية مَنْ يتمسك به، إذ عليه أن يقدم ما يثبت إصابته بأضرار مباشرة من جراء خطأ الإدارة وحجم هذا الضرر، إعمالا للقاعدة العامة أن البينة على من ادعى، مادام أنه ليست هناك مستندات تحجبها جهة الإدارة تخص الدعوى.

وحيث إن الجامعة امتنعت عن تكليف المدعي استنادًا إلى سببين لا محل لتطبيقهما على تكليفه؛ لكونهما يتعلقان بالتعيين عن طريق الإعلان، وبالمخالفة لأحكام المادة (137) في ضوء أحكام المادة (136) من قانون تنظيم الجامعات المشار إليه على نحو ما سلف بيانه، ومن ثم فإن القرار رقم 1335 لسنة 2001 غيرُ مشروع فيما تضمنه من عدم تكليفه بوظيفة معيد؛ لمخالفة السبب الذي قام عليه هذا القرار لأحكام القانون، وهو ما يُشكِّل ركنَ الخطأ الموجب لمسئولية جهة الإدارة بالتعويض.

وحيث إن الأصل على وفق ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن الأجر مقابل العمل، ولأن الطبيب المذكور لم يقم بأداء أعمال وظيفة معيد، ومن ثم فلا يلزم أن يكون التعويض في جميع الحالات مساويًا للمرتب الذي فاته، وإنما يتم تقدير التعويض حسب ظروف الحال والملابسات التي أحاطت الموضوع.

وحيث إن عدم تعيين الطبيب المذكور قد أصابه بضررٍ مادي تمثل في تفويت فرصة حصوله على الرواتب والمكافآت والبدلات والعلاوات المقررة للمعيدين، كما حرم المذكور من المزايا الأدبية لهذه الوظيفة، ومنها فرصة الترقي في سلك هيئة تدريس كلية الطب، وما ينتج عنها أيضًا من عوائد مادية، فضلا عن الآلام النفسية التي عانى منها من جراء عدم تعيينه، مما أوقع في نفسه آلامًا وشعورًا بالمرارة، وذلك كله بسبب خطأ الجامعة، وهو ما تقوم معه أركان مسئوليتها بالتعويض عن هذا الخطأ، وإذ لم يأخذ الحكم الطعين بهذه الوجهة من النظرـ، فإنه يكون متعينًا إلغاء هذا الحكم فيما تضمنه من رفض طلب التعويض، والقضاء مجددًا بأحقية المدعي في التعويض الذي تقدِّره المحكمة في ضوء طول مدة التقاضي وحرمانه من المزايا المادية والأدبية لوظيفة معيد وما يستتبع ذلك من فرص الترقي في وظائف هيئة التدريس بالجامعة بمبلغ خمسين ألف جنيه تعويضًا عما لحق به من جراء القرار الطعين من أضرار مادية وأدبية.

وحيث إن يخسر دعواه يلزم مصروفاتها عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء قرار رئيس جامعة طنطا رقم 1335 لسنة 2001 فيما تضمنه من عدم تعيين الطبيب (محمود…) معيدًا بقسم الجراحة العامة بكلية الطب، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجامعة المدعى عليها تعويضه بمبلغ خمسين ألف جنيه عَمَّا لحقه من أضرار مادية وأدبية من جراء القرار الطعين، وألزمت الجامعة المصروفات عن درجتي التقاضي.

([1]) يراجع ما قررته دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 6/6/2015 في دعوى البطلان المقيدة برقـم 25533 لسنة 60 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 110/ج، ص1298)، حيث قررت أن التكييف هــــــو وصف الوقــــائع وإبـــــرازها كعنصر أو شــــــرط أو قيد للقاعدة القانونية واجبة التطبيق، وأن التكييف مهمة تقتضي جهدا في بحث طيات وقائع الدعوى، كما تقتضي فهم القانون والشروط اللازمة لإعمال نصوصه المختلفة، وقد أوجب المشرع أن تشتمل عريضة الدعوى التي تقدم إلى قلم كتاب المحكمة على موضوع الطلب وأسانيده، ورتب على إغفال هذا الإجراء بطلان العريضة، والحكمة التي تغياها المشرع من ذلك هي تمكين المحكمة من الإلمام بمضمون الدعوى ومرماها، وإتاحة الفرصة للمدعى عليه لأن يُكوِّن فكرة وافية عن المطلوب منه. وأكدت أن العبرة في تحديد طلبات المدعي هي بما يطلب الحكم به، فهو الذي يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء، والمحكمة ملزمة في قضائها بهذه الطلبات وما ارتكزت عليه من سبب قانوني، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أثناء سير الخصومة، وأنه ولئن كان من حق المحكمة أن تعطي طلبات المدعي التكييف القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابســـاته، إلا أنه ينبغي عليها ألا تصل في هذا التكييف إلى حد تعديل طلبـــــاته، سواء بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحة، أو بتحوير تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصده ونيته الحقيقية من وراء إبدائها، فإذا رأت المحكمة أن الوقائع التي يستند إليها المدعي لا تستجيب للحكم له بطلبه، فإنها تقضي برفضه، وأنه إذا كيفت المحكمة الدعـــــــوى على خلاف ما أقيمت به فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، وورَدَ حكمها على غير محل، ووقع باطلا بطلانا مطلقا.

([2]) انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة إلى عدم مشروعية تضمين الإعلان عن شغل وظائف أعضاء هيئة التدريس والوظائف المعاونة بالجامعات شرطا بقصر التقدم لشغلها على خريجى الجامعات الحكومية، وبينت الجمعية أن هذا الشرط ينطوى على تمييز بين من تتوفر فيهم الشروط اللازمة لشغل الوظائف المعلن عنها، ومن ثمَّ يُخِلُّ بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، ويُفضي إلى إهدار الأثر القانوني المترتب على معادلة الدرجات العلمية والشهادات التى تمنحها الجامعات والمعاهد غير الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الجامعات بالدرجات العلمية والشهادات التى تمنحها الجامعات الخاضعة لأحكامه. (فتواها رقم 509 بتاريخ 9/3/2017 بجلسة 8/2/2017، ملف رقم 86/4/1868).

([3]) في شأن شرط السن في التعيين في وظائف أعضاء هيئات التدريس ومعاونيهم بالجامعات ونظرائهم، اختلفت أحكام المحكمة الإدارية العليا على اتجاهين:

(الاتجاه الأول) ذهبت فيه الدائرة السابعة في حكمها الصادر بجلسة 27/12/2009 في الطعن رقم 9224 لسنة 54 القضائية عليا (غير منشور) إلى مشروعية وضع حد أقصى للسن بالنسبة لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات ومعاونيهم، وبينت أن القواعد التنظيمية العامة التى تضعها جهة الإدارة يتعين أن تكون متسمة بطابع العمومية والتجريد، وتكون بمثابة اللائحة أو القاعدة القانونية الواجبة التطبيق في حدود ما صدرت بشأنه، وتلتزم جهة الإدارة بمراعاتها عند التطبيق على الحالات الفردية ما لم يصدر تعديل أو إلغاء لها بالأداة نفسها، وانتهت إلى أن قرار مجلس الجامعة بالموافقة على ما قرره مجلس العمداء بالجامعة بشأن ما يشترط فيمن يعين عضوا بهيئة التدريس من الجامعة أو من خارجها (ومن بين هذه الشروط شرط السن عند التعيين) تعد ضوابطَ وشروطا مشروعة للتعيين في وظائف هيئة التدريس بكليات الجامعة، ولا تشكل مخالفة لأحكام القانون، مادام أن هذه الضوابط والشروط قد أملتها دواعي المصلحة العامة لتعيين أفضل العناصر في وظائف هيئة التدريس بالجامعة، فضلا عن كونها تتسم بالعمومية والتجريد. وانتهت المحكمة إلى مشروعية تحديد سن الأربعين كحد أقصى فيمن يتقدم لشغل وظيفة (مدرس) بالجامعة.

(الاتجاه الثاني) انتهت الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3089 لسنة 58 القضائية (عليا) بجلسة 14/6/2015 (قيد النشر بجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في السنة 60 مكتب فني) إلى أن قرار رئيس الجامعة بشأن تطبيق شروط وقواعد المفاضلة الخاصة بتعيين (المدرسين) من الخارج، الذي فَرَض حدا أقصى لسن المتقدِّمين لشغل وظائف هيئة التدريس بالجامعات المخاطَبَة بأحكام قانون تنظيم الجامعات، بألا يزيد على أربعين عاما في تاريخ الإعلان، قد أفرد تنظيما خاصا للمُفاضلة بينهم، يخل بالركائز التي تقوم عليها الشريعة العامة للتوظُّف، ويمايز على غير أسس موضوعية بينهم وبين أقرانهم في الوظائف العامة المخاطَبَة بأحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة، فيكون متبنيا تمييزا تحكميا مخلا بمبدأ المساواة أمام القانون الذي ردَّدته الدساتير المصرية المتعاقبة، كافلة تطبيقه باعتباره أساس العدل والحرية، وهو ما يغدو معه هذا القرار صادرا بالمخالفة لأحكام القانون فيما يتعلَّق بتحديد حد أقصى للسن في شغل وظائف أعضاء هيئة التدريس بالجامعات.

وبينت المحكمة أن الأصل في التعيين في وظائف هيئة التدريس بالجامعات أن يكون من خلال الاشتراطات الأساسية العامة التي انتهجها المشرِّع في قانون تنظيم الجامعات، والتي يُقتَفَى وجودها من طبيعة الكادر الخاص لتلك الوظائف وما يتطلبه من آفاق علمية وبحثية وتعليمية، وهو ما ينضح به وصف كل وظيفة منها وتصنيفها وترتيبها وتحديد واجباتها ومسئولياتها اللازم توفرها فيمن يشغلها وتقييم أدائها؛ لذا فإن مبدأ إجازة المشرِّع في قانون تنظيم الجامعات لمجلس الجامعة المختص إضافة شروط أخرى إلى الشروط العامة المبينة في هذا القانون حال الإعلان عن الوظائف الشاغرة في هيئة التدريس -دون وظائف الأساتذة-، وبناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص، هو مبدأ استثنائي يجب أن تُفسَّر معه طبيعة هذه الشروط الإضافية على نحو مُستَلهَم من نسيج الشروط العامة التي أنزلها ابتداء في القانون، وامتدادا لها، فلا يجب أن تخرج هذه الشروط الجديدة عن جوهر الكادر الخاص لتلك الوظائف وما يتطلبه من تفوُّق علمي وبحثي، وأن تدور في فلك أحكام المنظومة التشريعية المصرية مجتمعة بأهدافها وغاياتها، وبما لا يخالف القانون ومبادئ الشريعة العامة في وظائف الخدمة المدنية؛ باعتبارها المَرجعية العامة لقوانين التوظُّف في المَنظومة التشريعية المصرية فيما لم يرد بشأنه نص خاص، والمكمِّلة لما سكتت عنه قوانين التوظُّف الخاصة في شروط تعيين المخاطبين بأحكامها؛ إذ لو كانت إرادة المشرع تتجه نحو وضع ضوابط مُغايرة لمعايير المفاضلة في التعيين في وظائف هيئة التدريس عن تلك الواردة في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، لكان نص عليها في قانون تنظيم الجامعات، خاصة أن اشتراطات التعيين في وظيفة (معيد) التي نص عليها المشرع في القانون نفسه لم تتضمن أدنى معايير مختلفة للمُفاضلة بين المتقدِّمين، أَمَا وقد سكت هذا التشريع الخاص عن ذلك، فإن الأجدى قانونا اللجوء إلى الضوابط التي أنزلتها الشريعة العامة في الوظائف المدنية، وإذا فقدت هذه الشروط الإضافية الموضوعة من قِبل الجهة الإدارية متطلبات وظائف هيئة التدريس وتعدَّتها إلى الشروط الوظيفية العامة، فإنه يتعيَّن العودة في هذا المقام إلى الضوابط والمعايير التي أنزلها قانون نظام العاملين المَدنيين بالدولة لكونه الشريعة العامة في وظائف الخدمة المدنية، وإلا أضحى قرار الجهة الإدارية مخالفا للقانون، مُستحِقا للإلغاء.

هذا وقد قررت الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 19/2/2017 إحالة الطعن رقم 33166 لسنة 59 القضائية (عليا) إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة، لترجح أيا من الاتجاهين فيما يخص اشتراط حد أقصى للسن في الإعلان عن شغل وظائف هيئات التدريس بالجامعات ومعاونيهم، وبجلسة الأول من يوليو سنة 2017 قضت هذه الدائرة بمشروعية تحديد الجامعة عند الإعلان عن وظائف أعضاء هيئة التدريس والوظائف المعاونة بكليات الجامعة حدا أقصى لسن المتقدم لشغل تلك الوظائف, عدا وظيفة (أستاذ)، مبينة أن الإعلان كطريق من طرق شغل هذه الوظائف يجب أن يكفل تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص, والمنافسة العادلة بين المستوفين لشروط شغلها, وهو ما يتعين معه أن تكون الغاية من الشروط التي تضيفها جهة الإدارة هي تحقيق المصلحة العامة, وكفالة حسن سير العمل في المرفق الذي تقوم عليه, وأن تكون هذه الشروط متصفة بالعمومية والتجريد, ومتفقة وما تمليه الوظيفة المعلن عنها, ومحققة مصلحتها, وألا تجافي طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها، وبينت أن مشروعية تضمين الإعلان عن الحاجة إلى شغل وظائف أعضاء هيئة التدريس والوظائف المعاونة (عدا وظيفة أستاذ) شرطا بالحد الأقصى لسن المتقدم لشغل أي من هذه الوظائف، يتوقف على مضمون هذا الشرط، إذ يجب أن يكون هذا التحديد على وفق قواعد موضوعية منضبطة, من خلال اختيار سن متوازن كحد أقصى يراعى في تحديده بالنسبة لأدنى الوظائف (وظيفة معيد) السن المعتاد للحصول على المؤهل اللازم لشغل الوظيفة, في ضوء الظروف الواقعية من سنوات الدراسة، مراعيا ما عساه يعترض الطالب العادي من عقبات تؤخر حصوله على المؤهل, ويراعى في تحديده أيضا أنه يجوز قانونا شغل هذه الوظيفة بطريق التكليف من بين خريجي آخر سنتين دراسيتين, مما يقتضي أخذ السن المعتاد لمن عساه يكلف بذلك في الاعتبار، أما بالنسبة للوظائف الأعلى بدءا من (مدرس مساعد) وما يعلوها, فيراعى في ذلك السن المدة المعتادة للحصول على التأهيل العلمي, واستيفاء الشروط اللازمة لشغل الوظيفة الأعلى بحسب السير العادي للأمور، وأوضحت الدائرة أن من القواعد الموضوعية بالنسبة إلى جميع الوظائف المشار إليها أن يؤخذ بعين الاعتبار إتاحة السبيل لمن يقع عليه الاختيار لقضاء فترة معقولة للعمل بالجامعة تسمح له باكتساب الخبرات التراكمية التي تتكون لشاغلي تلك الوظائف على مدار سنوات عملهم, وأن يؤخذ كذلك بعين الاعتبار أن أعضاء هيئة التدريس سوف يتناوبون فيما بينهم في شغل المناصب الإدارية بالأقسام والكليات, وهو ما يقتضي تجنب التفاوت العمري المبالغ فيه بين شاغلي الوظيفة الواحدة من هذه الوظائف.

أما الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فقد كان لها اتجاهان كذلك فيما يتعلق بشرط السن في تعيين أعضاء هيئات التدريس ومعاونيهم بالجامعات:

(الاتجاه الأول) ذهبت الجمعية في فتواها رقم 178 بتاريخ 14/5/2011 بجلسة 19/1/2011، ملف رقم 86/3/1101، إلى أنه وإن أجاز المشرع لمجلس الجامعة بناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد وبعد أخذ رأي مجلس القسم المختص، أن يُضَمِّن الإعلان بالنسبة لوظائف المدرسين والأساتذة المساعدين اشتراط شروط معينة وخاصة تتطلبها طبيعة الوظيفة، بالإضافة إلى الشروط العامة المبينة في قانون تنظيم  الجامعات، فإنه يشترط أن يكون مسلك الجامعة خاليا من إساءة استعمال السلطة، أو التمييز بين   أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، وانتهت الجمعية إلى عدم مشروعية اشتراط حد أقصى لعمر المتقدم لشغل وظيفة (مدرس) هو 45 سنة؛ لأن هذا ينطوي على تمييز منهي عنه بين المؤهلين لشغل هذه الوظيفة، ولأن هذا الشرط يفتقد للأسس الموضوعية، وغير مستمد من طبيعة أو احتياجات الوظيفة المعلن عنها.

(الاتجاه الثاني) ذهبت الجمعية في فتواها رقم 509 بتاريخ 9/3/2017 بجلسة 8/2/2017، ملف رقم 86/4/1868، إلى أن الإعلان كطريق من طرق شغل وظائف أعضاء هيئات التدريس ومعاونيهم يكفل تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، وضمان المنافسة العادلة بين المستوفين لشروط شغل الوظائف المعلن عنها كإطار عام لا يجوز تجاوزه، وهو ما يتعين معه أن تكون الغاية من الشروط التى تُضيفها جهة الإدارة عند الإعلان عن حاجتها لشغل تلك الوظائف –على وفق السلطة التقديرية المخوَّلة لها قانونا فى هذا الشأن– هي تحقيق المصلحة العامة، وكفالة حسن سير العمل فى المرفق الذى تقوم عليه، وأن تكون هذه الشروط متصفة بالعمومية والتجريد، لا أن تكون شروطًا منطوية على تمييز منهي عنه، أو إخلال بالمساواة، أو بتكافؤ الفرص، وهي الأمور المكفولة بنص الدستور للمواطنين جميعًا عند التنافس على شغل الوظائف العامة بوصفها حقا لهم، كما يلزم أن تكون تلك الشروط متفقة وما تمليه الوظيفة المعلن عنها ومحققة مصلحتها، فضلا عن عدم مخالفتها أحكام الدستور والقانون، وألا تجافي طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها، وإلا استحالت عسفًا بالسلطة المخولة، وانحرافًا بها فى هذا الشأن. ولاحظت الجمعية أن مشروعية تضمين الإعلان عن الحاجة إلى شغل وظائفِ أعضاء هيئة التدريس -عدا وظيفة أستاذ- وكذا الوظائفِ المعاونة، شرطًا بالحد الأقصى لسن المتقدم لشغل أي من هذه الوظائف، والذي يمتنع حال تجاوزه التقدم للمنافسة على شغلها، يتوقف على مضمون هذا الشرط، إذ يتعين ألا يكون تحديد هذه السن تحكميا، فيجري النزول به نزولا غير مبرر، على نحو يفوت الفرصة على المستوفين لشروط شغل الوظيفة المعلن عنها بحسب المجرى العادي للأمور، وهو ما يشكل إهدارًا لمبدأ تكافؤ الفرص، وإخلالا بالحق في تولي الوظائف العامة، بل يجب أن يكون هذا التحديد على وفق قواعد موضوعية منضبطة، غايتها فتح الباب -قدر الإمكان- للراغبين في شغل الوظيفة من المستوفين للشروط المقررة لشغلها للتزاحم على الفوز بها، من خلال اختيار سن متوازن كحد أقصى يراعى في تحديده بالنسبة إلى أدنى الوظائف (وهي في الحالة  المعروضة وظيفة معيد) السنُّ المعتادة للحصول على المؤهل اللازم لشغل الوظيفة، فى ضوء الظروف الواقعية، من سنوات الدراسة، مراعيا فى ذلك ما عساه يعترض الطالب العادي من عقبات تؤخر حصوله على هذا المؤهل، على وفق السير المعتاد للأمور، ويراعى فى تحديده أيضًا بالنسبة لهذه الوظيفة أنه يجوز قانونًا شغلها بطريق التكليف من بين خريجي آخر سنتين دراسيتين مما يقتضي أخذ السن المعتاد لمن عساه يكلف بذلك في الاعتبار؛ بغية تجنب التفاوت غير المنطقي بين شاغلي هذه الوظيفة في السن، أما بالنسبة للوظائف الأعلى، بدءًا من مدرس مساعد وما يعلوها، فيراعى في ذلك: السنُّ التي يتم تحديدها فى ضوء ما سبق بيانه، والمدة المعتادة للحصول على التأهيل العلمي، واستيفاء الشروط اللازمة لشغل الوظيفة الأعلى، بحسب السير العادي للأمور، كما أن من تلك القواعد الموضوعية بالنسبة إلى جميع الوظائف المشار إليها أن يؤخذ بعين الاعتبار إتاحة السبيل لمن يقع عليه الاختيار لقضاء فترة معقولة بالعمل بالجامعة تسمح له باكتساب الخبرات التراكمية التى تتكون لشاغلي تلك الوظائف على مدار سنوات عملهم، حتى يمكن الاستفادة من هذه الخبرات؛ باعتبار أن الملكات والخبرات في مجال البحث العلمى والتدريس تتكون وتتراكم على مر السنين عامًا بعد عام، وهو ما اتجهت إليه إرادة المشرع في قانون تنظيم الجامعات بما قرره من أن الأصل بالنسبة للتعيين في وظائف أعضاء هيئة التدريس أن يكون من شاغلي الوظيفة التي تسبقها في الكلية نفسها، أو المعهد، والاستثناء هو شغلها عن طريق الإعلان، وأن يؤخذ كذلك بعين الاعتبار أن أعضاء هيئة التدريس في الكلية أو المعهد سوف يتناوبون فيما بينهم فى شغل المناصب الإدارية بالأقسام والكليات، وهو ما يقتضي تجنب التفاوت العمري المبالغ فيه بين شاغلي الوظيفة الواحدة من هذه الوظائف؛ إذ الأصل على وفق المعتاد أن يكون الأكبر سنا هو الأعلى وظيفةً، أو الأقدم فيها.

– وفيما يتعلق بشرط السن بالنسبة للتعيين في أدنى الوظائف القضائية ذهبت المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 31/8/2015 في الطعن رقم 26623 لسنة 59 القضائية (عليا) إلى أن تحديد سن الثلاثين كحد أقصى للمتقدم لشغل وظيفة (مندوب مساعد) بهيئة قضايا الدولة يأخذ في الاعتبار تاريخ التخرج، وما يمضيه الطالب من سنوات دراسية في مراحل التعليم المختلفة، واختلاف سنوات الدراسة بين كليات الحقوق والشريعة والقانون، وما قد يعتري الطالب من عوارض طبقا لمألوف العادة والمجرى العادي للأمور، دون التفات إلى الحالات الشاذة التي لا تصلح معيارا أو أساسا يقاس عليه.

وراجع حكمها الصادر بجلسة 28/6/2014 في الطعن رقم 25318 لسنة 59 القضائية (عليا)، حيث بينت المحكمة أنه باستعراض نص المادة (73) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 يبين أنه وإن اشترط حدا أدنى لسن من يعين في وظيفة (مندوب مساعد) إلا أنه خلا من وضع حد أقصى لسن التعيين في هذه الوظيفة، إذ إن وضع حد أقصى للسن -تعميما- ينطوى على حرمان لصاحب الشأن من الانضمام إلى نقابة أو وظيفة عامة، وإذا كان هناك جهات تتطلب سنا أو تكوينا معينا لأعضائها منذ بداية التعيين، فإن تنظيم ذلك لا ينبغي أن يتخذ -تحكما من طرق تحديد شرط السن- مدخلا لمصادرة حق العمل في تلك الوظائف. وإنه ولئن ساغ لجهة الإدارة في ضوء هذا التوجه أن تضع من الضوابط ومن الشروط ما تراه مناسبا لشغل الوظائف الخالية بها، بحسبانها القوامة على المرافق العامة، ومن بين هذه الضوابط: الحد الأقصى لسن التعيين بهذه الوظائف، إلا أن مناط قبول هذه الشروط ألا تخالف الدستور والقانون، وألا تجافي طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها، وألا تهدر أو تمس الأصول المقررة من مساواة للمراكز القانونية والتمكين لتكافؤ الفرص بينها، وإلا استحالت تعسفا بالسلطة، وانحرافا بالرخصة الموسدة لها في هذا الشأن، وتطبيقا لذلك فإن جهة الإدارة إذا اشترطت سنا معينة لتعيين خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون في وظيفة (مندوب مساعد) فإنها في مجال تحديد هذه السن يجب أن تراعي المدة المعقولة لتخرج الطالب العادي، بما عسى أن يعتري أو يعترض مساره التعليمي خلال سني دراسته طبقا لمألوف العادة من عوارض أو عوائق، كالتحاقه بالدراسة بعد تجاوز سن الإلزام ولو بأشهر، ذلك أنه إذا لم يكمل سن الإلزام (ست سنوات) ولو بأيام حال تقدمه لأول مرة قد لا يقبل في المرحلة الابتدائية إذا لم تسعفه فسحة الكثافة طبقا لقانون التعليم، فإذا ما التحق في العام الدراسي التالي تكون سنه قد قاربت السبع سنوات، بل إن نظام التعليم بالأزهر يقبل فيه التلميذ بالسنة الأولى بالمعاهد الابتدائية حتى سن تسع سنوات طبقا لحكم المادة (49) من اللائحة التنفيذية لقانون إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، كما أنه قد يعرِض للطالب موجبٌ لتأجيل الامتحانات أو الإعادة  لها خلال مراحل دراسته لمرض أو نحوه من الأعذار الجائزة قانونا مما يزيد من عمره عند التخرج، هذا فضلا عن أن هناك اختلافا في سنوات الدراسة بين التعليم العام والتعليم الأزهري، ومن ثم فإذا ما غضت جهة الإدارة الطرف عن هذه العوارض أو الظروف أو الملابسات حال إعمال سلطتها في وضع الحد الأقصى لسن التعيين، جاء هذا التحديد مجافيا طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها مجافاةً تُلحق قرارَها محظورَ التجاوزِ في استخدام السلطة، وضربا للصفح عن حدودها المقررة، بعد إذ نأت بجانبها من مألوف العادة أو المجرى العادي للأمور في هذا الشأن.

وانتهت المحكمة إلى أنه لما كان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قد اشترطت لقبول التقدم لوظيفة (مندوب مساعد) من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون والشرطة دفعة 2012 الحاصلين على تقدير (جيد) على الأقل ألا تجاوز سن المتقدم 25 سنة كحد أقصى، في حين أنه بمراجعة متأنية لسن الطالب ومدة دراسته خلال المراحل الدراسية في ضوء الأحكام المتقدمة فإنها (أي السن) لن تقل عند التخرج عادة عن 22 سنة بالنسبة للتعليم العام، و23 سنة بالنسبة للتعليم الأزهري، هذا بخلاف ما قد يستتبعه من زيادة لقاء ما يتعرض له الطالب على النحو المتقدم طبقا لمألوف العادة بحيث تزيد في كل من نوعي التعليم مددا قد تصل إلى سنة أو سنوات، ومن ثم فإن جهة الإدارة إذ أعلنت في العام التالي (أي سنة 2013) لتخرج الطلب (سنة 2012) أي بعد انقضاء زهاء العام على التخرج عن قبول التقدم لتلك الوظيفة، مشترطة ألا تزيد السن على 25 سنة، غافلة عن الظروف والعوارض المتقدم ذكرها، فإن هذا التحديد يضحى مجافيا طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها وواقعها، مما يصمه بمخالفة القانون. فضلا عن أن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة ومن واقع إعلاناتها عن شغل وظيفة (مندوب مساعد) للأعوام 2009 و2010 و2011 و2012 قد تذبذبت وتقلبت في شرط السن ترددا بين 25 و27 و28 سنة، دون ثبات على معيار أو ضابط واحد، بل إنها بعد تحديدها شرط السن بخمسة وعشرين عاما كحد أقصى، عادت بالنسبة لخريجي سنة 2013 وفي الإعلان رقم 1 لسنة 2014 واشترطت ألا تزيد سن المتقدم على 27 سنة، بما ينحل تمييزا تحكميا وإهدارا لمبدأ مساواة ذوي المراكز القانونية المتماثلة من حيث كونهم خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون من حملة شهادة الليسانس، حيث تبسط جهة الإدارة لإحدى الدفعات في السن حتى تبلغ 28 عاما، وتقبض في الشروط نفسها بالنسبة لدفعة أخرى حتى  تهبط به إلى خمسة وعشرين عاما، موصدة دون هذه الدفعة بابا أوْسَعته لسابقتِها أو لاحقتِها، ومن ثم تمنح وتمنع فرصة التقدم للوظيفة لسبب السن دون ضابط أو معيار من واقع أو منطق أو عدل، بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص المصون دستوريا. يضاف إلى ما تقدم أن جهة الإدارة في تقريرها الحد الأقصى لشرط السن المطعون فيه تبدو كمن يسلك في هذا الشأن دربا مغايرا لذلك الذي سلكته إجماعا الهيئات القضائية الأخرى، إذ تفصح الإعلانات الصادرة عن كل من النيابة العامة وهيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة عن أن الحد الأقصى لسن المرشح ثلاثون سنة، فإذا ما انفردت الجهة الإدارية المطعون ضدها (مجلس الدولة) دون غيرها من الهيئات القضائية بتحديد سن المرشح على النحو المتقدم (25 سنة) دون سند من منطق أو قانون، فإن قرارها المطعون فيه يكون قد أدركه وجه آخر من أوجه الإخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص. وفوق ما تقدم جميعه فإن ذلك التحديد يلامس حد الإهدار لحق العمل بحسبانه أحد الأصول التي ما انفكت الدساتير المتعاقبة تقررها وتكفلها، وهو ما يذر القرار المطعون فيه مخالفا القانون مستوجب الإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام جهة الإدارة تسليم الطاعن ملف الترشيح اللازم للتقدم لشغل وظيفة مندوب مساعد طبقا للإعلان، وقبول أوراقه، واستكمال إجراءات تعيينه.

 – وفيما يتعلق بالتعيين في الوظائف الحرفية انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في فتواها رقم 150 بجلسة 17/1/1990 بتاريخ 30/1/1990، ملف رقم 86/6/403، إلى أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978) قد خول الوحدات المخاطبة بأحكامه وضع الاشتراطات اللازم توفرها فيمن يشغل الوظائف الواردة بجداولها، وبما يتفق وطبيعة أعمال تلك الوظائف، ومن المسلم به أن أعمال وظائف المجموعة الحرفية تتميز بطبيعة خاصة وتتطلب فيمن يشغلها درجة معينة من التيقظ والتبصر حفاظا على سلامته، كما تتطلب أيضا قدرة بدنية معينة على الاضطلاع بها، فإذا قدرت الجهة الإدارية أن من تتوفر فيه هذه المواصفات والمقومات ينبغي ألا تزيد سنه عند التعيين على 40 سنة، وألا تقل عن 20 سنة، وكانت هذه السن بحديها الأدنى والأقصى تتفق وطبيعة أعمال تلك الوظائف على النحو المبين سالفا،كما تقع في نطاق الحدود المقررة قانونا، إذ حدد  القانون المذكور الحد الأدنى لسن التعيين بستة عشر عاما، وحدد سن إنهاء الخدمة بسن الستين، ولما لم يكن في هذا الشرط ما ينافي أحكام ذلك القانون أو يخالف القواعد المتعلقة بالنظام العام، فمن ثم يعد شرطا مشروعا، مادام أن جهة الإدارة قد تغيت به وجه المصلحة العامة، وقد جاء في صورة عامة مجردة. ولا يغير من ذلك القول بأن هذا الشرط ينطوي على إهدار لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في شغل الوظائف العامة؛ ذلك أن الإخلال بمبدأ المساواة لا يقع إلا في حالة التمييز بين المواطنين المتحدين في الظروف والمراكز القانونية بسبب النوع أو الجنس أو اللون أو العقيدة، وهو ما لم يتحقق في الحالة المعروضة، والأمر كذلك بالنسبة لتكافؤ الفرص؛ إذ إنه لا حظر على التقدم لشغل الوظائف العامة لكل من تتوفر فيه الشروط المتطلبة لشغلها، فالجميع متساوون في شغل تلك الوظائف على وفق الشروط المقررة.     

– وفيما يتعلق بالمهن الحرة: يراجع ما قررته المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 38 لسنة 17 القضائية (دستورية) بجلسة 18/5/1996، في دعوى تدور حول تقدم أحد خريجي كلية الحقوق بطلب لقيده بجدول المحامين تحت التمرين، وقد رفض هذا الطلب استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة (21) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 التى تشترط للقيد بهذا الجدول ألا يجاوز سن الطالب خمسين عاما وقت تقديم طلب القيد، حيث انتهت المحكمة إلى القضاء بعدم دستورية هذه الفقرة، وأكدت في حكمها أن ما نص عليه الدستور من اعتبار العمل حقا، مؤداه ألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضا لفحواه، وأن يكون فوق هذا اختيارا حرا، والطريق إليه محددا على وفق شروط موضوعية مناطها ما يكون لازما لإنجازه، متوخيا دوما تطوير أنماط الحياة وتشكيلها فى اتجاه التقدم، معززا ببرامج رائدة تزيد من خبرة العامل وتنميها، وتكفل خلق مناخ ملائم، يكون العمل فى إطاره إسهاما وطنيا وواجبا.        

وبينت أن الشروط التي يتطلبها المشرع لمزاولة حرفة أو مهنة بذاتها لا يجوز تقريرها بعيدا عن متطلبات ممارستها، بل يتعين أن ترتبط عقلا بها، وأن يكون فرضها لازما لأداء المهمام التى تقوم عليها، كامنا فيها، ملتئما مع طبيعتها، منبئا عن صدق اتصالها بأوضاعها، وإلا كان تقرير هذه الشروط انحرافا عن مضمونها الحق، والتواء بمقاصدها، وإرهاقا لبيئة العمل ذاتها، وما ينبغى أن يهيمن عليها من القيم التى تعلو العمل ولا تخل بطبيعة الشروط التى يقتضيها، وبوجه خاص كلما دل تطبيقها على مناهضتها لتكافؤ الفرص أو تمييزها فى التعامل دون مقتض بين المتزاحمين على العمل، أو إنكارها لحقهم فى الأمن، اجتماعيا أو اقتصاديا، أو إضرارها بالظروف الأفضل لضمان حريتهم وكرامتهم، أو عدوانها على الحق فى تدريبهم مهنيا. وإن ما قد ينص عليه المشرع من حرمان الأشخاص الذين جاوزوا سنا حددها من الالتحاق ببعض الأعمال لا يستقيم على إطلاق؛ ذلك أن من بين هذه الأعمال ما يتصل ببعض المهن الحرة التي تقتضى ممارستها جهدا عقليا صرفا من القائمين عليها، ولا شأن لها بمظاهر القصور فى قدراتهم البدنية وما يتصل بها عاطفيا وجسمانيا من تغيير يؤثر سلبا وعملا فى إمكاناتهم، فلا يكون شرط السن عندئذ مقبولا إلا إذا كان مبررا بطبيعة الأعمال التى يعهد إلى العامل بها ونطاق واجباتها ومسئولياتها، ليتحدد على ضوئها ما  إذا كان هذا الشرط فاعلا مؤئرا فيها أم منافيا لها وغريبا عنها، بما مؤداه أن الأصل هو ألا يكون شرط السن معتبرا، فإذا كان لازما لبعض الأعمال لزوما حتميا كان ذلك استثناء من هذا الأصل، يتعين أن يفسر في أضيق الحدود، وإلا صار حق العمل -وغيره من المزايا التى يرتبط بها كالحقوق التأمينية- ركاما، وَلَغَدَا شرط السن ذريعة لنقض الحق فى العمل، وهو حق لا يتقرر إيثارا، ولا يُمنح تفضلا على ما تنص عليه المادة 13 من دستور 1971، وما جرى به قضاء هذه المحكمة.

وأبانت المحكمة أنه ولئن جاز القول بأن تقدم العمر يحمل فى ثناياه مخاطر صحية لا يستهان بها ولا يمكن التنبؤ بزمن طروئها ولا بحدتها ومتاعبها ومضاعفاتها، إلا أن المهن الحرة التى تقتضي مزاولتها جهدا عقليا يتعين أن يكون النفاذ إليها متاحا لمن يطرقون أبوابها، لا يتقيدون فى ذلك بغير الشروط الموضوعية التي تؤهل لممارستها، والتى ينافيها شرط السن باعتباره مصادما لها دخيلا عليها، وهو ما يعني أن الشروط التى يتطلبها المشرع للقيد فى الجداول التى تنظم الاشتغال بالمهن الحرة (ومن بينها شرط السن) يتعين لإقرار مشروعيتها أن يقوم الدليل على اتصالها بطبيعة هذه المهن ذاتها، وما يكون لازما عقلا لممارستها مرتبطا بجوهر خصائصها، ولقد صار أمرا مقضيا أن الأمم على اختلافها تفقد كثيرا من مصادر الثروة اللازمة لتقدمها إذا أعيق عمالها -بناء على سنهم- عن النفاذ إلى الأعمال التى لا زالوا قادرين على النهوض بها، والتى يتكافأون فى إنجازها أو يمتازون فى أدائها عمن يمارسونها فعلا، ليفقد المبعدون عنها فرص عملهم، وليكون التمييز بين هؤلاء وهؤلاء مصادما للدستور، وهو ما يفيد أن شرط السن فى نطاق الأعمال الحرة كثيرا ما يكون مؤشرا واهيا في الدلالة على القدرة على ممارستها.

Comments are closed.

xnxxbf