مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الأولى – الطعن رقم 11520 لسنة 58 القضائية (عليا)
مايو 29, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الثالثة – الطعن رقم 5221 لسنة 55 القضائية (عليا)
مايو 30, 2021

الدائرة الرابعة – الطعون أرقام 48967 و 5221 و 54130 لسنة 60 القضائية (عليا) و61839 لسنة 61 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 25 من يوليو سنة 2015

الطعون أرقام 48967 و 5221 و 54130 لسنة 60 القضائية (عليا)

و61839 لسنة 61 القضائية (عليا)([1])

(الدائرة الرابعة)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي وعبد الفتاح السيد أحمد عبد العال الكاشف وسعيد عبد الستار محمد سليمان وهشام السيد سليمان عزب.

                                       نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

(أ) موظف– تأديب- مناط الرجوع إلى قانون المرافعات في شأن الإجراءات التأديبية- تطبق أحكام قانون المرافعات على إجراءات الدعاوى التأديبية فيما لم يرد به نص في قانون مجلس الدولة، وذلك إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي- لا يرجع إلى أحكام قانون المرافعات إلا لتفسير ما غمض من أحكام في قانون مجلس الدولة، أو لسد نقص فيه، أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه، وبالقدر الذي لا يتعارض مع الدعوى التأديبية والأوضاع الخاصة بها([2]).

– المادة (3) من القرار بقانون رقم (47) لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة.

(ب) النظام العام– مفهومه– هو مجموع المصالح الأساسية للجماعة، أو هو مجموع الأسس والدعامات التي يقوم عليها بناء الجماعة وكيانها، بحيث لا يتصور بقاء هذا الكيان سليما دون استقراره عليها.

(ج) دعوى– ترك الخصومة- لا يجوز الترك إذا تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام- الحقوق المتعلقة بالنظام العام ينبغي ألا يُجعل مصيرها متروكا لإرادة الأفراد- القواعد الآمرة المتعلقة بالحقوق التي تنص عليها الدساتير هي قواعد متعلقة بالنظام العام.

– المواد (141) و(143) و(238) و(239) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

(د) حقوق وحريات– حق الإضراب- الإضراب السلمي حق دستوري، يُتطلب لاستعماله ضرورة توفر شروط معينة يجب أن يحددها القانون الذي ينظمه، وهو من ثم يتعلق بالنظام العام- استعمال هذا الحق أو التنازل عنه لا يمكن أن يترك لإرادة الأفراد، فلا يجوز ترك الخصومة في المنازعة المتصلة به.

(هـ) دعوى– الاستئناف الفرعي- أجاز المشرع في قانون المرافعات للمستأنف عليه إلى ما قبل إقفال باب المرافعة أن يرفع استئنافا مقابلا بالإجراءات المعتادة، أو بمذكرة مشتملة على أسباب استئنافه- إذا رفع هذا الاستئناف بعد مضي ميعاد الطعن اعتبر استئنافا فرعيا يتبع الاستئناف الأصلي- ما يجوز الطعن عليه بالطعن الأصلي يجوز الطعن عليه بالطعن الفرعي- إعمال هذا الحكم يستقيم مع النظام التأديبي وينسجم مع طبيعته وأهدافه.

– المادة (237) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

(و) دعوى– الاستئناف الفرعي- متى رفع الطعن الفرعي صحيحا، فإنه ينقل النزاع إلى محكمة الطعن لتصبح لها سلطة الفصل فيه من كل وجوهه- لا يلزم للحكم في الطعن الأصلي والطعن الفرعي بحكم واحد صدور قرار بضمهما؛ لأن الطعن الفرعي لا ينشئ خصومة مستقلة عن الخصومة في الطعن الأصلي.

– المادة (237) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

(ز) دعوى– الطعن في الأحكام- مبدأ “لا يضار الطاعن بطعنه”- محل هذا المبدأ أن يكون الطعن مقاما من الطاعن وحده، أما إذا كان المطعون ضده قد طعن كذلك على الحكم، فإن هذا المبدأ لا يصح إعماله، ويكون لمحكمة الطعن أن تؤيد الحكم أو تلغيه أو تعدله- الطعن المقابل يترتب عليه نقل موضوع الدعوى برمتها إلى محكمة الطعن، واتصال هذه المحكمة بالدعوى يخولها النظر فيها من جميع نواحيها والحكم فيها طبقا لما تراه في حدود القانون([3]).

(ح) حقوق وحريات الحقوق والحريات الفردية- ممارستها- تنظيم الحقوق والحريات الفردية هو السبيل الوحيد إلى ممارستها، باعتباره أصلا قانونيا يرد على الحقوق والحريات التي لا تعرف الإباحة المطلقة- لا حرية مع الإطلاق في فهمها، أو الاضطراب في استخدامها.

(ط) حقوق وحريات– حق الإضراب- مدى مشروعيته بالنسبة للمخاطبين بأحكام قانون العمل- الإضراب سلاح فعال يمكن للعمال شهره في مواجهة أرباب الأعمال، ويمكن أن يفتح توازنا بين أصحاب الأعمال والطبقة العاملة- منح المشرع العمال حق الإضراب السلمي، على أن يكون إعلانه وتنظيمه من خلال منظماتهم النقابية دفاعا عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية في الحدود وطبقا للضوابط والإجراءات المقررة قانونا، إلا أنه حظر الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين.

– المواد (192) و(193) و(194) و(195) من قانون العمل، الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003.

(ي) مرفق عام– مبدأ “استمرار المرافق العامة”- يجب على عمال المرافق العامة وعلى الدولة أن يعملوا على ضمان سير المرافق العامة بشكل دائم ومنظم- الموظف بقبوله للوظيفة العامة يكون قد أخضع نفسه لكل الالتزامات المترتبة على ذلك المبدأ- يجب أن تؤدي المرافق العامة خدماتها على نحو يُمكن الجمهور منها، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بضمان سيرها بانتظام واطراد- الحاجات الجماعية التي تنشأ المرافق العامة لإشباعها بشكل كاف، لا تعتبر أنها قد أُشبعت، وأن المرفق العام حقق رسالته التي أنشئ من أجلها إذا تم هذا الإشباع بشكل وقتي أو على فترات متقطعة.

(ك) حقوق وحريات– حق الإضراب- مدى مشروعية إضراب الموظف العام عن عمله- يتعين التمييز بين إضراب العمال الذين يحكمهم قانون العمل، والإضراب الذي يقوم به الموظف العام([4])– لا يُقبل من العاملين في المرافق العامة الادعاء بأن لهم الحق في الإضراب أسوة بالعمال في المشروعات الخاصة- لا يكفي لمباشرة الحق في الإضراب أن يُنص عليه في اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وقعت عليها مصر، دون أن يصدر قانون يضع القيود والضوابط التي تبين كيفية استعماله- توقيع مصر عليها كان مشروطا بمطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذه الشريعة لا تجيز الإضراب إذا كان القصد منه الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها لا تتناسب مع ما يصيب المصلحة العامة ومصلحة المواطنين من ضرر- الاتفاقية المذكورة لم تلغ كذلك نصوص قانون العقوبات التي تتعارض معها([5])– الإضراب الذي يقصده المشرع الدستوري وجعله حقا هو الإضراب السلمي، وهو التوقف فقط عن العمل، ومن ثم فإنه يحظر على العاملين المشاركين في الإضراب حمل أية أسلحة أو ذخائر أو أدوات تعرض الأفراد أو الممتلكات للضرر أو الخطر، كما يحظر عليهم الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه، أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر، أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم، أو التأثير في سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات، أو تعريضها للخطر([6]).

– المادة الثانية من دستور 2014.

– المادة (8) من اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

(ل) قانون– العلاقة بين القانون الدولي العام والقانون الداخلي- القانون الدولي العام منفصل عن القانون العام الداخلي- لكل قانون مصادره الخاصة به والمجال الذي يطبق فيه، والجزاء المقرر في حالة انتهاك قواعده- إذا تعارضت أحكام القانون الدولي مع قواعد القانون الداخلي؛ فإن هذا القانون يكون هو الواجب التطبيق، دون القانون الدولي.

(م) قانون– الإلغاء الضمني- الإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد النص القديم والنص الحديث على محل واحد يستحيل إعمالهما معا، ففي هذه الحالة يفهم ضمنيا أن التشريع الجديد أَلغى ضمنا التشريع القديم.

(ن) موظف– تأديب- مبدأ “لا جريمة إلا بقانون”- المقصود به- هذه القاعدة لا تطبق على الجريمة التأديبية، فليس من اللازم أن تصدر السلطة التشريعية أو جهات الإدارة قواعد تؤثم مسبقا بعض الأفعال حتى يعاقب الموظف- عدم وجود نص مانع أو مؤثم لفعل معين، لا يعني بالضرورة أن هذا الفعل مباح للموظف على نسق قانون العقوبات- لا تطبق قاعدة مفهوم المخالفة أو التفسير الضيق المقرر في قانون العقوبات في المجال التأديبي- إذا جرَّم المشرع بعض الأفعال على الموظفين فهو إنما يريد أن يسترعي انتباه الموظفين إلى خطورة الأفعال المؤثمة، على أن يترك ما لم يذكره للقاعدة العامة.

(س) موظف– تأديب- مبدأ “لا عقوبة بلا نص”- إذا كانت السلطة التأديبية تترخص في تقدير العقوبة، فإنها مُلزمة بأن توقع عقوبة قد حددها المشرع من قبل، فلا تستطيع أن تستبدل بها غيرها مهما كانت الدوافع.

(ع) موظف– تأديب- المخالفات التأديبية- القيد والوصف- تحديد الأعمال الممنوعة على الموظفين متروك لتقدير الجهات التأديبية، سواء أكانت جهات رئاسية أم جهات قضائية تحت رقابة المحكمة الإدارية العليا- تلتزم السلطات التأديبية في ذلك بضوابط الوظيفة العامة، على أن ترُدَّ الفعل المكون للذنب الإداري إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها- ليس لسلطة التأديب أن تتقيد بضوابط قانون العقوبات، فإن هي سارت على السَّنن المتبع في هذا القانون، واستعارت للفعل وصفا جنائيا واردا في قانون العقوبات، وعنيت بتحديد أركان الفعل على نحو ما حدده القانون المذكور للوصف الذي استعارته، كان الجزاء المقضي به معيبا؛ لأنه بني على خطأ في الإسناد القانوني.

(ف) موظف– تأديب- المسئولية التأديبية- مهما كانت حرية السلطة التأديبية في تحديد عناصر الجريمة التأديبية، فإنها ملزمة بأن تستند في تقديرها إلى وقائع محددة ذات طابع سلبي أو إيجابي ارتكبها الموظف وثبتت قبله- المسئولية التأديبية مسئولية شخصية، شأنها في ذلك شأن المسئولية الجنائية- يتعين لإدانة العامل ومجازاته إداريا في حالة شيوع التهمة بينه وبين غيره، أن يثبت أنه قد وقع منه فعل إيجابي أو سلبي محدد يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية.

(ص) موظف– تأديب- المخالفات التأديبية- الإضراب غير السلمي لا يعد إضرابا، والعامل المضرب عن العمل إذا حمل أداة من الأدوات التي تعرض الأفراد أو المنشآت أو الممتلكات للضرر أو الخطر لا يعد مضربا، بل مرتكبا لعمل غير مشروع يستوجب المؤاخذة.

(ق) موظف– تأديب- سلطة القاضي التأديبي في تحريك الإجراءات- القاضي التأديبي شأنه شأن القاضي الجنائي لا يقف من النيابة والمتهم موقفا سلبيا، بل له كامل الحرية في أن يحرك الإجراءات، سواء على صعيد الأدلة أو غيرها لكي يصل إلى كبد الحقيقة- له أن يعيد التحقيق من جديد ليتوصل إلى الاقتناع، سواء عن طريق استجواب المتهم أو سماع رؤسائه أو الشهود، سواء كان ذلك بناءً على طلب المتهم أو من تلقاء نفسه إذا أحس بالحاجة إلى ذلك.

(ر) موظف– تأديب- حرية المحكمة التأديبية في استمداد اقتناعها من أي دليل تقبله وتطمئن إليه- لا معقب عليها في هذا الشأن، مادام هذا الاقتناع قائما على أصول موجودة، وغير منتزع من أصول لا تنتجه، وفيما عدا ما استلزمه القانون من وسائل خاصة في الإثبات- لا تصح مطالبة القاضي بالأخذ بدليل معين أو عدم الأخذ بدليل آخر- يجوز إثبات الفعل المؤثم بكل الطرق القانونية بما فيها شهادة الشهود- المحكمة غير مطالبة بالأدلة المباشرة، بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة، متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.

(ش) موظف– تأديب- حرية المحكمة التأديبية في استمداد اقتناعها من أي دليل تقبله وتطمئن إليه- لا يجوز للقاضي التأديبي أن يُكون اقتناعه من عنصر مستمد من إجراء باطل قانونا- لا يكفي لسلامة الحكم أن يكون الدليل صادقا، متى كان وليد إجراء غير مشروع- يرتب قانون الإجراءات الجنائية جزاء البطلان في حالة عدم مراعاة القانون فيما يتعلق بأي إجراء جوهري- يصح في الدعاوى التأديبية الاستناد إلى الصور الفوتغرافية التي التقطت على مسمع ومرأى من المتهمين لمشاهد جرت علنا في محل ارتكاب المخالفة متى اطمأن القاضي إليها- ليس في هذه الصور أي اعتداء على الحرمات، ولا على حياة المواطنين الخاصة.

(ت) موظف– تأديب- الوقف الاحتياطي عن العمل- هو مجرد إجراء مؤقت يستهدف مصلحة التحقيق، وأبرز مجالات هذه الحكمة أن يكون الموظف صاحب سلطة، أو نفوذ من شأنه التأثير في سير التحقيق عن طريق إرهاب الموظفين الآخرين الذي قد يستشهد بهم أو يحقق معهم، أو عن طريق إخفاء الوثائق والمستندات أو توجيه التحقيق وجهة مضللة- الوقف الاحتياطي يتشابه مع الوقف كعقوبة، لكن لكل منهما نظامه القانوني الخاص، وأغراضه التي يستهدفها- الوقف الاحتياطي بطبيعته لا يمكن أن يختلط أو يعاصر الوقف كعقوبة- قرار الوقف الاحتياطي لا يعد عقوبة تمنع من مجازاة العامل عن المخالفة الثابتة في حقه.

 – المادة (83) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978 (الملغى لاحقا بموجب القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية).

الإجراءات

في يوم الخميس الموافق 13/7/2014 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض، بصفته وكيلا عن السادة:… و… و…و… ، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 48967 لسنة 60ق.عليا في حكم المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها الصادر بجلسة 31/5/2014 في الدعوى التأديبية رقم 319 لسنة 55ق، القاضي بمجازاتهم بعقوبة الوقف عن العمل لمدة ستة أشهر، مع صرف نصف الأجر.

وبتاريخ 24/7/2014 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض، بصفته وكيلا عن ذات الطاعنين، تقرير طعن قيد برقم 5221 لسنة 60ق. عليا في ذات الحكم المطعون عليه.

وفي يوم 27/7/2014 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض، بصفته وكيلا عن الطاعنين تقرير طعن قيد برقم 54130 لسنة 60ق. عليا، في ذات الحكم المطعون عليه.

وفي يوم الأربعاء الموافق 13/5/2015 أودع السيد المستشار/… بصفته نائبا عن السيد الأستاذ المستشار/ رئيس هيئة النيابة الإدارية، قلم كتاب المحكمة تقرير طعن فرعي في الطعون أرقام 48967 و5221 و54130 لسنة 60ق. عليا.

وطلب الطاعنون في الطعون الثلاث الأولى القضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون عليه، وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم، والقضاء مجددا ببراءتهم مما أسند إليهم.

وطلبت النيابة الإدارية قبول الطعن الفرعي شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بمعاقبة المطعون ضدهم بإحدى العقوبات المناسبة.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه الحكم:

(أصليــــا) بعدم قبول الطعنين رقمي 48967 و54130 لسنة 60ق. عليا شكلا لرفعهما من غير ذي صفة.

(احتياطيا) قبول الطعون شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بمجازاتهم بالجزاء المناسب لما ثبت في حقهم.

وتحدد لنظر الطعون جلسة 27/6/2015، وفيها حضر الطاعنون ومعهم محام، وقرروا التنازل عن الطعون المقامة منهم، وطلب الحاضر عن النيابة الإدارية حجز الطعون للحكم، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 25/7/2015، وفيها أصدرت الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, والمداولة قانونا.

حيث إن موضوع الطعون الماثلة يخلص -حسبما يبين من عيون الأوراق- فيما أبلغ به السيد المستشار/… نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري هيئة النيابة الإدارية بمذكرته المؤرخة فى 4/5/2013، بأنه أثناء عقده جلسة خاصة بالقاعة رقم (5) بمقر مجلس الدولة يوم الثلاثاء الموافق 30/4/2013 لنظر الدعويين الخاصتين بانتخابات المهن الموسيقية المقرر إجراؤها يوم الجمعة 3/5/2013، وبعد الانتهاء من نظرهما والبدء في المداولة- وقبل الانتهاء منها- فوجئ بطرقات عنيفة بعصا على باب حجرة المداولة المؤدي إلى الممر الخاص بالسادة القضاة، ومحاولة بعض العاملين بالمجلس اقتحام غرفة المداولة، ومنع المحكمة من الاستمرار في عملها بهتافات تتعالى، مضمونها أنهم لن يسمحوا للمحكمة بالاستمرار في العمل، فأمر بفتح الباب- بعد أن بدأ الطرق بالأيدي على النافذة الزجاجية لغرفة المداولة في محاولة لتحطيمها  وفصل التيار الكهربائي عنها-  فشاهد أحدهم يمسك عصا بيده، فتحدث مع أحد من المتجمهرين في محاولة لاثنائهم عما يقومون به، ولاستكمال المداولة، فتم إعادة التيار الكهربائي، وحين أشار إليهم بأن ما يطالبون به ليس للمحكمة صلة به، وأنه أمر يدخل في اختصاص إدارة المجلس، فكان ردهم هو فصل التيار الكهربائي عن غرفة المداولة للمرة الثانية، وذلك من خلال مفاتيح الكهرباء الموجودة بالممر الذي يقفون فيه، وأضاف سيادته بأنه انصرف هو والسادة أعضاء المحكمة حتى لا يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك، ودون استكمال المداولة، وأضاف سيادته بأن جريدة اليوم السابع قامت بتصوير فيديو لهذه الوقائع ووضعته على موقعها بصورة واضحة يمكن من خلالها التعرف على جميع من شارك في هذه الوقائع، وأرفق سيادته بمذكرته سالفة البيان قرصا مدمجا متضمنا المشاهد التي قامت جريدة اليوم السابع بتصويرها.

وتناولت النيابة الإدارية الواقعة بالتحقيق في القضية رقم 114 لسنة 2013 رئاسة الهيئة، وبتفريغ الأسطوانة المدمجة المرفقة بمذكرة السيد الأستاذ المستشار/… تبين للنيابة أنها تحتوي على مقاطع فيديو تظهر الموظفين الموجودين أمام غرفة المداولة، وأظهرت مقاطع الفيديو قيام أحد الموظفين الموجودين أمام غرفة المداولة بالطرق على باب القاعة بعصا، وقيام بعض الموجودين بالهتاف ببعض العبارات مفادها المطالبة بحقوقهم، كما أظهرت مقاطع أخرى قيام اثنين من العاملين بقطع التيار الكهربائي، وخروج أحد المستشارين للتحدث مع الموظفين المتجمهرين، وباستفسار النيابة الإدارية من رئاسة مجلس الدولة عن الموظفين الذين ظهرت صورهم بمقاطع الفيديو، أخطرت إدارة شئون العاملين بمجلس الدولة بكتابها المؤرخ فى 29/5/2014 بأن الموظفين الأربعة الذين ظهرت صورهم بمقاطع الفيديو محل التحقيق والمشار إليهم بالأسهم هم:…و…و…و… من العاملين بالمجلس.

وبسؤال الأول وبمواجهته من قيامه بفصل التيار الكهربائي عن غرفة المداولة مما عطل الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري عن عملها على النحو الموضح بالأسطوانة المدمجة، قرر أنه قام بإنزال أحد مفاتيح الكهرباء بطريق الخطأ، ولكن الكهرباء لم تنقطع عن الغرفة لأن هذا المفتاح ليس له علاقة بقطع التيار الكهربائي.

وبسؤال:… ومواجهته بما هو منسوب إليه من قيامه بفصل التيار الكهربائي عن غرفة المداولة للمرة الثانية على النحو الموضح بالأسطوانة المدمجة، قرر بأنه كان ضمن من قاموا بوقفة احتجاجية للمطالبة بحقوقهم، وأنه قام بإنزال مفاتيح الكهرباء بالخطأ بدلا من رفعها، ثم قام بعد ذلك برفعها وأعاد التيار الكهربائي للقاعة.

وبسؤال:… قرر أنه كان واقفا مع بعض زملائه للمطالبة بحقوقهم المالية أمام لوحة مفاتيح الكهرباء لمنع الموظفين من الوصول إليها، ولم يكن يعلم أن التيار الكهربائي كان مفصولا عن قاعة المحكمة.

وبسؤال:… عن قيامه بالطرق بالعصا على باب غرفة المداولة الخاصة بالدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري أثناء انعقادها مما عطل عملها ومداولتها، قرر أنه لم يكن يعلم بوجود أحد داخل غرفة المداولة، وأن هناك إشاعة متداولة مفادها احتجاز بعض الموظفين بهذه القاعة.

وانتهت النيابة الإدارية إلى قيد الواقعة مخالفة إدارية بالمواد (76/3) و(78/أ) و(80) و(82) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، والمادة (14) من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية وتعديلاته، والمادتين (15/أولا) و(19/1) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، ضد:

1- … الناسخ بإدارة النسخ بمجلس الدولة، بالدرجة الثالثة.

2- … الموظف بجدول عام محكمة القضاء الإداري، بالدرجة الرابعة.

3- … سكرتير الدائرة (12) بمحكمة القضاء الإداري، بالدرجة الرابعة.

4- … الموظف بالجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، بالدرجة الثانية.

لأنهم بتاريخ 30/4/2013 بوصفهم السابق، وبمقر مجلس الدولة، سلكوا مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة العامة، وذلك بأن:

المخالفان الأول والثاني: قاما بإنزال أحد مفاتيح الكهرباء الخاص بقاعة محكمة القضاء الإداري، بقصد قطع التيار الكهربائي عن غرفة المداولة المنعقدة بها جلسة الدائرة الثانية، مما أعاق أعضاء الدائرة المذكورة عن أداء عملهم.

المخالف الثالث: تواجد أمام لوحة مفاتيح الكهرباء الخاصة بالقاعة المذكورة بقصد منع إعادة التيار الكهرباء الذي تم فصله إلى غرفة المداولة المشار إليها، مما منع السادة أعضاء الدائرة المذكورة عن أداء عملهم.

المخالف الرابع: قام بالطرق بعنف على باب غرفة المداولة مستخدما عصا، وذلك أثناء انعقاد الدائرة الثانية بها للمداولة، مما عطل عمل الدائرة المذكورة.

وأمرت النيابة الإدارية بإحالة المخالفين للمحاكمة التأديبية طالبة محاكمتهم تأديبيا، وقيدت الأوراق دعوى تأديبية برقم 319 لسنة 55ق، ونظرتها المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 31/5/2014 قضت بمعاقبة المتهمين بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر مع صرف نصف الأجر، وأقامت قضاءها على أن المخالفات المنسوبة إلى المتهمين ثابتة في حقهم بيقين.

– وحيث إنه عن طلب الطاعنين التنازل عن الطعون المقامة منهم، فإن المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة تنص على أن تطبق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص، وذلك إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي، ومن ثم فإنه من المفترض أن أحكام قانون المرافعات تطبق على إجراءات الدعاوى التأديبية بصفة مؤقتة فيما لم يرد به نص، وذلك إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي، إلا أنه رغم مضي عشرات السنين فإن الوضع المؤقت ما زال قائما.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على أن الأصل أنه لا يرجع إلى أحكام قانون المرافعات إلا لتفسير ما غمض من أحكام في قانون مجلس الدولة، أو لسد نقص فيه، ولا يكون ذلك أيضا إلا بالقدر الذي لا يتعارض مع الدعوى التأديبية والأوضاع الخاصة بها.

وحيث إن المادة (141) من قانون المرافعات تنص على أن: “يكون ترك الخصومة بإعلان من التارك لخصمه على يد محضر، أو ببيان صريح في مذكرة موقعة من التارك، أو من وكيله مع إطلاع خصمه عليها، أو بإبدائه شفويا وإثباته في المحضر”.

 وتنص المادة (143) على أنه: “يترتب على الترك إلغاء جميع إجراءات الخصومة”.

وتنص المادة (238) على أن: “تحكم المحكمة في جميع الأحوال بقبول ترك الخصومة في الاستئناف إذا نزل المستأنف عن حقه أو كان ميعاد الاستئناف قد انقضى وقت الترك”.

 وتنص المادة (239) على أن: “الحكم بقبول ترك الخصومة في الاستئناف الأصلي يستتبع الحكم ببطلان الاستئناف الفرعي”.

 إلا أن هذه المحكمة سبق أن قضت أنه إذا أجازت نصوص قانون المرافعات تنازل المدعي عن خصومته بدون تحفظ متخذا الشكل الذي يقضي به القانون، فإن هذا الأصل يرد عليه استثناء لم تتضمنه تلك النصوص، قوامه عدم جواز الترك إذا تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام، لأن الحقوق المتعلقة بالنظام العام ينبغي ألا يُجعل مصيرها متروكا لإرادة الأفراد.

وحيث إن محكمة النقض قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 24/11/1976 في الطعن رقم 32 لسنة 45ق بعدم إجازة الترك إذا تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام.

وحيث إن المحكمة الإدارية العليا قضت أيضا بجلسة 6/11/2000 بعدم جواز ترك الخصومة في الطعن رقم 1648 لسنة 47ق. عليا؛ لتعلق موضوع الدعوى بالنظام العام، وأقامت قضاءها على أن النظام العام هو مجموع المصالح الأساسية للجماعة، أو هو مجموع الأسس والدعامات التي يقوم عليها بناء الجماعة وكيانها، بحيث لا يتصور بقاء هذا الكيان سليما دون استقراره عليها، ولذلك كانت القواعد القانونية المتعلقة بالمصالح الأساسية للجماعة قواعد آمرة، لا تملك الإرادة الفردية إزاءها أي سلطان أو قدرة على مخالفتها، إذ تعرض مخالفتها كيان المجتمع بأسره للانهيار والتصدع، فلا يُسمح لأي من كان أن تجري إرادته على خلافها.

كما أكدت على هذا المبدأ في الحكم الصادر عنها بجلسة 12/4/2008 في الطعنين رقمي 5513 و8052 لسنة 52ق. عليا.

وحيث إنه متى كانت هذه الطعون الماثلة متعلقة بالنظام العام باعتبارها متصلة بحق الإضراب، وأقام الطاعنون طعونهم تأسيسا على أن ما ارتكبوه من أفعال هو عمل مباح وحق لهم بنص صريح في الدستور القائم.

ولما كانت القواعد الآمرة المتعلقة بالحقوق التي تنص عليها الدساتير هي قواعد متعلقة بالنظام العام، ومن ثم فإن موضوع هذه الطعون يكون متعلقا بالنظام العام باعتباره متصلا بحق الإضراب الذي يتطلب لاستعماله ضرورة توفر شروط معينة يجب أن يحددها القانون الذي ينظمه، لذلك فإن استعمال هذا الحق أو التنازل عنه لا يمكن أن يترك لإرادة الأفراد، وبالتالي فإن الترك في المنازعة المطروحة يكون غير جائز.

ومتى انتهت المحكمة إلى عدم الاعتداد بتنازل الطاعنين عن الطعون المقامة منهم، وكانت هذه الطعون أقيمت في الميعاد، واستوفت سائر أوضاعها الشكلية، فإنها تكون مقبولة شكلا.

– وحيث إنه عن الطعن المقام من هيئة النيابة الإدارية؛ فإن قضاء هذه المحكمة استقر على أن قانون المرافعات يعتبر قانونا عاما، ويتعين الرجوع إليه لسد ما يوجد في قانون مجلس الدولة من نقص، أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه على النحو السالف بيانه.

ولما كان قانون مجلس الدولة خلا من إيراد قاعدة تنظم حالة الطعن الفرعي، وكان المشرع في قانون المرافعات أجاز في المادة (237) للمستأنف عليه إلى ما قبل إقفال باب المرافعة أن يرفع استئنافا مقابلا بالإجراءات المعتادة، أو بمذكرة مشتملة على أسباب استئنافه، فإذا رفع هذا الاستئناف بعد مضي الميعاد اعتبر استئنافا فرعيا يتبع الاستئناف الأصلي.

ولما كان النص المتقدم لا يتعارض مع أحكام قانون مجلس الدولة، بل يكمل نقصا فيها، ومن ثم فإنه يتعين إعمال هذا النص، لاسيما أنه يستقيم مع النظام التأديبي وينسجم مع طبيعته وأهدافه.

وحيث إنه متى رفع الطعن الفرعي صحيحا، فإنه ينقل النزاع إلى محكمة الطعن لتصبح لها سلطة الفصل فيه من كل وجوهه، ولا يلزم للحكم في الطعون الأصلية والطعن الفرعي بحكم واحد صدور قرار بضمهما؛ لأن الطعن الفرعي لا ينشئ خصومة مستقلة عن الخصومة في الطعن الأصلي، وما يجوز الطعن عليه بالطعن الأصلي يجوز الطعن عليه بالطعن الفرعي.

وحيث إن هذا الطعن استوفى كافة الشروط المنصوص عليها في المادة (237) من قانون المرافعات، فإنه يكون مقبولا شكلا.

وحيث إن الثابت من مطالعة الأوراق والتحقيقات الجارية فيها أن ما نسب إلى السيد/… الناسخ بإدارة النسخ الموحد بمجلس الدولة، والسيد/… من قيامهما بإنزال أحد مفاتيح الكهرباء الخاصة بقاعة محكمة القضاء الإداري بقصد قطع التيار الكهربائي عن غرفة المداولة المنعقد بها جلسة الدائرة الثانية، مما أعاق رئيس وأعضاء الدائرة المذكورة عن أداء عملهم؛ فإن هذه الواقعة ثابتة في حقهما بما أورده السيد الأستاذ المستشار/… نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري بمذكرته المؤرخة فى 4/5/2013، وبما هو ثابت من مشاهد الفيديو التي قامت بتفريغه النيابة الإدارية، والتي أظهرت قيامهما بإنزال أحد مفاتيح الكهرباء الخاصة بهذه القاعة.

ولا ينال مما تقدم ما دفعا به هذه التهمة من أنهما قاما بإنزال مفتاح الكهرباء بطريق الخطأ، ذلك لأنه لا اختصاص لهما من بعيد أو قريب بأعمال الكهرباء، ولا يحق لهما الاقتراب من لوحة الكهرباء، وأن اقترابهما من لوحة الكهرباء والعبث بأحد مفاتيحها سواء كان بقصد أو بدون قصد فإنه يشكل مخالفة تستوجب المؤاخذة.

وحيث إنه عما نسب إلى السيد/… من الوقوف أمام لوحة الكهرباء لمنع الموظفين من إعادة التيار الكهربائي للقاعة التي تم فصل التيار عنها، فذلك ثابت أيضا في حقه من مشاهد الفيديو التي فرغتها النيابة الإدارية بالتحقيقات، والتي تضمنت قيامه بالوقوف أمام لوحة المفاتيح لمنع إعادة التيار الكهربائي الذي تم فصله.

وحيث إنه عما نسب إلى السيد/… من قيامه بالطرق بعصا على باب غرفة مداولة الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري أثناء انعقادها مما عطل عمل المحكمة، وعاق السيد المستشار/ رئيس الدائرة وأعضاءها عن إجراء المداولة، فإن هذه الواقعة ثابتة في حقه من مشاهد الفيديو التي فرغتها النيابة الإدارية وهو يقوم بالطرق بشدة على باب غرفة المداولة مستخدما عصا، ولا يغير من ثبوت هذه التهمة قبله زعمه أنه لم يكن يعلم بوجود السادة القضاة بداخل القاعة؛ ذلك لأن لغرفة المداولة على هذا الممر شباكا من الزجاج يستطيع كل من يقف بالممر رؤية الدائرة بكامل تشكيلها.

وحيث إنه عما أثاره الطاعنون من أن التكييف القانوني للوقائع موضوع المخالفة أنها إضراب عن العمل؛ وأن الإضراب فعل مباح بمقتضى الاتفاقية الدولية للحقوق التي وقعتها الحكومة المصرية، وبعد أن أقره الدستور القائم، ولم يعد يجرمه قانون العقوبات أو نظام العاملين المدنيين الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، وأنه لا يجوز التعويل على مشاهد الفيديو التي التقطتها عدسة محرر جريدة اليوم السابع لأنها دليل غير مشروع؛ لالتقاطها بالمخالفة لتعليمات رئاسة مجلس الدولة، فضلا عن سبق مجازاتهم عن الفعل نفسه بعقوبة الوقف عن العمل.

وحيث إن تحديد ما إذا كانت الأفعال التي ارتكبها الطاعنون تعد أعمالا مباحة أقرتها اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي وقعت عليها الحكومة المصرية في 4/8/1967، أم أنها أفعال مخالفة للقانون، فإنه يتعين التمييز بدايةً بين إضراب العمال الذين يحكمهم قانونا عقد العمل، والإضراب الذي يقوم به الموظف العام الخاضع لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، فإن كان قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 نظم الإضراب في المواد (192) و(193) و(194) و(195)، ومنح العمال حق الإضراب السلمي، على أن يكون إعلانه وتنظيمه من خلال منظماتهم النقابية دفاعا عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية، في الحدود وطبقا للضوابط والإجراءات المقررة قانونا، إلا أنه حظر في المادة (194) الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين؛ فإن قانون الوظيفة العامة لم يمنح الموظف العام هذا الحق، وإذ كان الإضراب سلاحا فعالا يمكن للعمال شهره في مواجهة أرباب الأعمال بغية تحقيق المطالب، وهو أداة كفاح للحصول على مزيد من الحقوق، حيث يمكن أن يفتح توازنا بين أصحاب الأعمال والطبقة العاملة، ويحول دون وقوع هذه الأخيرة لقمة سائغة في أيدي أصحاب الأعمال، فإنه إذا أجيز الالتجاء إلى الإضراب في المشروعات الخاصة، فإنه لا يجوز الالتجاء إليه في المرافق العامة، لأن كل شخص يشترك في تسيير هذه المرافق يجب عليه أن يضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار آخر، وفي الاشتراك في الإضراب تفضيلٌ لمصلحة المضربين على المصلحة العامة وحسن سير المرافق العامة، لذلك لا يُقبل من العاملين في المرافق العامة الادعاء بأن لهم الحق في الإضراب أسوة بالعمال في المشروعات الخاصة؛ لأن الموظف بقبوله للوظيفة العامة التي أسندت إليه، قد أخضع نفسه لكل الالتزامات المترتبة على ضرورة سير المرافق العامة التي أنشئت لكي تشبع حاجات الجمهور التي لا غنى عنها، لذلك كان لزاما أن تؤدي هذه المرافق خدماتها على نحو يُمكن الجمهور منها، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بضمان سيرها بانتظام واطراد، لأن الحاجات الجماعية التي تنشأ المرافق العامة لإشباعها بشكل كاف لا تكون قد أُشبعت، ولا يكون المرفق العام حقق رسالته التي أنشئ من أجلها، إذا تم هذا الإشباع بشكل وقتي أو على فترات متقطعة، بل يجب أن يكون هذا الإشباع بصفة دائمة ومنتظمة، فأي تعطيل في سير هذه المرافق ينجم عنه أضرار بالغة التأثير في مصالح الجمهور من ناحية، واضطراب في النظام العام من ناحية أخرى.

ولما كانت إدارة أي مرفق من المرافق العامة ترتكز على بناء تنظيمي مُحكم، وجهاز مدرب قادر على النهوض بأعباء هذا المرفق في إطار ذلك التنظيم، وكانت كل دعامة من هاتين الدعامتين لا غنى لها عن الأخرى، فمن ثم يجب على هذا الجهاز المدرب أن يبذل جهودا مضنية عن إيمان كامل وحرية تامة، وأن يقبل أفراده التضحيات التي يقتضيها مبدأ سير هذه المرافق باستمرار ليكونوا عيونا ساهرة في سبيل الحفاظ على دوام سير المرافق العامة، وأن يمتنعوا عن كل ما من شأنه إعاقة أو تعطيل هذه المرافق عن مواصلة رسالتها.

وحيث إن المرافق العامة لا تستطيع أن تحقق رسالتها لو خضعت علاقة العاملين بها للقواعد التي تحكم علاقة الأجير برب العمل، لأن هذه القواعد تعطي لكل من الأجير ورب العمل الحق في إنهاء العقد في أي وقت، لذلك فإن هذه القواعد لو طبقت على العاملين بالمرافق العامة لنتج عنها تعطيل سير هذه المرافق وتعرض مصالح الجمهور للخطر أو الضياع، لذلك ابتدع الفقهاء مبدأ (استمرار سير المرافق العامة) لكي يكفل لهذه المرافق انتظامها في سيرها دون انقطاع، وهو ما يدل على أن هذا المبدأ أساسه تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض، لذلك وجب على عمال المرافق العامة، وعلى الدولة نفسها أن تعمل على ضمان سير المرافق العامة بشكل دائم ومنظم، لأن غاية الغايات من هذه المرافق هي استهداف النفع العام وأداء الخدمات الأساسية للجمهور، الذي أصبح يركن إلى هذه الخدمات ويرتب أموره على أساس وجودها بصفة دائمة ومنتظمة.

وحيث إنه ولئن كانت الحكومة المصرية قد وقعت في 4 أغسطس سنة 1967 على اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نصت في المادة الثامنة منها على أن تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بكفالة حق الإضراب شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني، فإن الحكومة المصرية تحفظت عند التوقيع على هذه الاتفاقية تحفظا عاما، وهو أن تكون أحكام هذه الاتفاقية مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، فلا يكفي لمباشرة الحق في الإضراب أن ينص عليه في الاتفاقية دون أن يصدر قانون يضع القيود والضوابط التي تبين كيفية استعماله، حتى لا يساء استعمال هذا الحق على نحو يغدو فيه أداةَ هدمٍ ومعولَ دمارٍ وتخريبٍ للاقتصاد القومي، فالهدف من وضع القانون هو بيان هذه الضوابط للتوفيق بين حق الموظفين في ممارسة الإضراب بغية الذود عن مصالحهم واعتبارات المصلحة العامة التي قد تتأثر من إطلاق حرية ممارسة الحق في الإضراب دون ضوابط، لأن حق الإضراب له حد، يصبح الخروج عنه اعتداء، لا حقا، حيث لا حرية مع الإطلاق في فهمها أو الاضطراب في استخدامها، فتنظيم الحقوق والحريات الفردية هو السبيل الوحيد إلى ممارستها، باعتباره أصلا قانونيا يَرِدُ على الحقوق والحريات التي لا تعرف الإباحة المطلقة.

ولا محل للقول بأن هذه الاتفاقية أصبحت جزءا من القانون الداخلي، وتتبوأ مكانته، وتحتل قوته، وباتت نصوص قانون العقوبات التي تُحرم الإضراب والتي تتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية منسوخة، تطبيقا لقاعدة اللاحق ينسخ السابق في المسألة التي يتصدر لها القانونان، وأن الإضراب بذلك غدا فعلا مشروعا؛ وذلك لأن رئيس الجمهورية حين أصدر قراره بالموافقة على هذه الاتفاقية اشترط أن تكون هذه الاتفاقية مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذه الشريعة لا تجيز الإضراب إذا كان القصد منه الإضرار بالغير أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها لا تتناسب مع ما يصيب المصلحة العامة ومصلحة المواطنين من ضرر، إعمالا لقاعدة: الضرر الخاص يتحمل لدفع ضرر عام، وقاعدة: درء المفاسد يقدم على جلب المنافع، فضلا عن أن القانون الدولي العام منفصل عن القانون العام الداخلي، ولكل قانون مصادره الخاصة به والمجال الذي يطبق فيه، والجزاء المقرر في حالة انتهاك قواعده، ويترتب على ذلك أنه إذا ما تعارضت أحكام القانون الدولي مع قواعد القانون الداخلي، فإن هذا القانون يكون واجب التطبيق دون القانون الدولي.

فضلا عن أن هذه الاتفاقية لم تلغ نصوص قانون العقوبات التي تتعارض معها، فالإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد النص القديم والنص الحديث على محل واحد يستحيل إعمالهما معا، وفي هذه الحالة يفهم ضمنيا أن التشريع الجديد ألغى ضمنا التشريع القديم، وهو ما لم يحدث لنصوص قانون العقوبات.

وحيث إن ما أثاره الطاعنون من أن ما ارتكبوه هو عمل مباح بعد أن صدر الدستور القائم ناصا على حق الإضراب؛ فإن ذلك مردود عليه بأن الإضراب الذي يقصده المشرع الدستوري هو الإضراب السلمي، أي امتناع موظفى أو عمال المرافق العامة عن تأدية أعمالهم، وقد استوجب المشرع لاستعمال هذا الحق صدور قانون ينظمه.

ولما كانت المادة الثانية من الدستور تنص على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، فإن السلطة التشريعية مقيدة عند تنظيم هذا الحق بمبادئ هذه الشريعة التي لا تجيز التعسف في استعمال الحقوق.

وحيث إن المشرع الدستوري وإن كان قد اعترف بالحق في الإضراب فإن هذا الاعتراف مقصور على الإضراب السلمي، وهو التوقف فقط عن العمل، ومن ثم فإنه يحظر على العاملين المشاركين في الإضراب حمل أية أسلحة أو ذخائر أو أدوات تعرض الأفراد أو الممتلكات للضرر أو الخطر، كما يحظر عليهم الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات، أو تعريضها للخطر، ومن ثم فإن الإضراب غير السلمي لا يعد إضرابا، والعامل المضرب عن العمل إذا حمل أداة من الأدوات التي تعرض الأفراد أو المنشآت أو الممتلكات للضرر أو الخطر لا يعد مضربا، بل مرتكبا لعمل غير مشروع، والمضرب الذي يُخل بالأمن أو النظام العام أو الذي يعطل مصالح المواطنين أو يعمل على إيذائهم أو يعرضهم للخطر أو يؤثر في سير العدالة أو المرافق العامة أو يقطع الطرق أو المواصلات أو النقل أو يعطل حركة المرور أو يقطع المياه أو الكهرباء بقصد تعطيل المرافق العامة؛ لا يرتكب عملا مباحا، بل يرتكب عملا إجراميا يستوجب المؤاخذة.

وحيث إنه عما أثاره الطاعنون من أن الفعل الذي ارتكبوه لم يؤثمه قانون العقوبات، فإن ذلك مردود عليه بأن المادة (124) من قانون العقوبات تنص على أنه: “إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين العموميين عملهم أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك، عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مئة جنيه، ويضاعف الحد الأقصى للعقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر أو كان من شأنه أن يُحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس أو إذا أضر بمصلحة عامة، وكل موظف ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تجاوز خمس مئة جنيه، ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، أو كان من شأنه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس، أو إذا أضر بمصلحة عامة”، وأن المادة (124/ب) من ذلك القانون تنص على أن: “يعاقب بالعقوبات المبينة في الفقرة الثانية من المادة (124) كل من اعتدى أو شرع في الاعتداء على حق الموظفين العموميين في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو التدابير غير المشروعة على الوجه المبين في المادة (375)”، وتنص المادة (375) على أن: “يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مئة جنيه كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو تدابير غير مشروعة في الاعتداء أو الشروع في الاعتداء على حق من الحقوق الآتية:

أولا: حق الغير في العمل. ثانيا: … ثالثا: …”.

ومفاد هذه النصوص أن المشرع في قانون العقوبات اعتبر امتناع الموظف عن عمله، أو تركه عمله، بقصد عرقلة سيره أو الإخلال بانتظامه، جريمة عاقب عليها بعقوبة الحبس والغرامة، وضاعف هذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه الإضرار بمصلحة عامة، كما عاقب على ترك العمل أو الامتناع عنه، إذا كان المقصود منه عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه، كما جرم الاعتداء على حق الموظفين العموميين في العمل باستعمال القوة أو التدابير غير المشروعة، واعتبر من التدابير غير المشروعة منع الموظف من أداء عمله بإخفاء أدواته أو ملابسه أو أي شيء آخر مما يستعمله أو بأية طريقة أخرى.

وترتيبا على ما تقدم فإن قيام بعض الطاعنين بفصل التيار الكهربائي عن غرفة المداولة أثناء انعقاد الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري مما أعاق رئيس وأعضاء الدائرة عن إتمام المداولة، ووقوف طاعن آخر، أمام لوحة المفاتيح لمنع إعادة التيار لغرفة المداولة، وطرق الطاعن الأخير بعصا على غرفة المداولة مما عطل عمل الدائرة؛ ليست أعمالا مشروعة، بل هي أعمال إجرامية، وليست أعمالا مباحة.

وحيث إنه عما أثاره الطاعنون من أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة خلا من أية  نصوص تُجرم الأفعال المرتكبة؛ فإن إقرار مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، مما يعني أن السلطة التشريعية هي وحدها المختصة بإنشاء الجرائم وبإقرار العقوبات المناسبة لها، وأن جهة القضاء هي المختصة وحدها بتطبيق العقوبات التي تقررها السلطة التشريعية، فإنه رغم أوجه الشبه بين الجرائم الجنائية والجرائم التأديبية، فإن قضاء هذه المحكمة استقر على أن القاعدة السابقة لا تطبق على الجريمة التأديبية، وأنه ليس من اللازم أن تصدر عن السلطة التشريعية أو جهات الإدارة قواعد تؤثم مسبقا بعض الأفعال حتى يعاقب الموظف، بل يعاقب إذا ما ثبت قبله فعل أو امتناع لا يتفق ومقتضيات وظيفته، يستوي أن ترد هذه الواجبات أو النواهي في نصوص صريحة أو أن تفرضها طبيعة العمل الوظيفي نفسه، فمتى كانت الجرائم التأديبية ليست محددة في القوانين على سبيل الحصر، فإن كل فعل يرتكبه الموظف ويكون من شأنه الإخلال بواجبات وظيفته يعد جريمة تأديبية، ومن ثم فإن عدم وجود نص مانع أو مؤثم لفعل معين، لا يعني بالضرورة أن هذا الفعل مباح للموظف على نسق قانون العقوبات، ويترتب على ذلك عدم تطبيق قاعدة مفهوم المخالفة أو التفسير الضيق المقرر في قانون العقوبات؛ ذلك لأن المشرع إذا جرم بعض الأفعال على الموظفين، فإنه حين يفعل ذلك في نطاق الوظيفة العامة إنما يريد أن يسترعي انتباه الموظفين إلى خطورة الأفعال المؤثمة، ويبدي توجيهه القاطع في اجتنابها، على أن يترك ما لم يذكره للقاعدة العامة.

ولما كان المشرع لم يحصر الأعمال الممنوعة على الموظفين، فإن تحديد هذه الأعمال متروك لتقدير الجهات التأديبية، سواء أكانت جهات رئاسية أم جهات قضائية، ومن ثم فإن تكييف الواقعة بما يجعلها من الذنوب الإدارية المستحقة للعقاب، مرجعه إلى تقدير السلطة التأديبية، ومبلغ انضباط هذا التكييف على الواقعة المنسوبة إلى الموظف من حيث الخروج عن الواجب الوظيفي أو الإخلال بحسن السير والسلوك، على أن السلطة التأديبية في ممارستها لهذا الاختصاص التقديري تخضع لرقابة هذه المحكمة باعتبارها القوامة على إنزال حكم القانون، وإرساء مبادئه وقواعده، بما لا معقب عليها في ذلك، وأن السلطات التأديبية في تقديرها للجرائم التأديبية تلتزم ضوابط الوظيفة العامة، بما تتضمنه من حقوق وواجبات، فتقدير ما إذا كان الموظف قد أخطأ خطأ يستوجب الجزاء، يُرجع فيه إلى هذه الحقوق والواجبات دون غيرها، ومن ثم فليس لسلطة التأديب أن تتقيد بضوابط قانون العقوبات.

وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن المحكمة التأديبية بوصفها سلطة تأديبية ينبغي عليها أن تلتزم هذا النظام القانوني، وأن تسند قضاءها إليه في تكييفها للفعل المكون للذنب الإداري، وفي تقديرها للجزاء الذي يناسبه، فإن هي سارت على السنن المتبع في قانون العقوبات، فلم ترد الفعل المكون للذنب الإداري إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج عن مقتضياتها، بل استعارت له وصفا جنائيا واردا في قانون العقوبات، وعُنِيَت بتحديد أركان الفعل على نحو ما حدده القانون المذكور للوصف الذي استعارته، فإنها إن فعلت ذلك كان الجزاء المقضي به معيبا؛ لأنه بني على خطأ في الإسناد القانوني.

وحيث إن مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص يضفي على جرائم قانون العقوبات ثباتا واستقرارا، بمعنى أن الفعل الذي أثَّمه المشرع يظل كذلك ما بقي النص قائما، أما بالنسبة إلى المخالفات التأديبية غير المقننة فإن النظرة إليها تختلف من وقت إلى آخر، فكل ما يتصل بحياة الموظف الخاصة والعامة تراعيه السلطة التأديبية عند تقدير الذنب الإداري، فسلوك الموظف في ملبسه وفي صِلاته برؤسائه وفي ممارسة حقوقه العامة، كل ذلك عناصر أساسية عند تقدير بعض الأخطاء المسلكية، وهي عناصر متغيرة.

وأهم نتيجة تترتب على عدم حصر الجرائم التأديبية هي المتعلقة بالفصل بين الخطأ التأديبي والعقوبة التأديبية، فالمسلم به في قانون العقوبات أن المشرع يحدد عناصر الجريمة الجنائية، ويقدر مدى خطورتها على المجتمع، ثم يضع لها العقوبة المناسبة من حد واحد أو حدين، فالعقوبة الجنائية مرتبطة تمام الارتباط بالجريمة الجنائية، فمتى حددت المحكمة الجنائية وصف الجريمة المنسوبة إلى المتهم، تعين عليها توقيع العقوبة التي حددها المشرع لها، أما في النطاق التأديبي فإن السلطة التأديبية تقوم بعمليتين مستقلتين: الأولى: البت فيما إذا كان الخطأ المنسوب إلى الموظف محل التأديب يعد جريمة تأديبية، فإذا ما انتهت من هذه المهمة انتقلت إلى مهمة أخرى هي تحديد العقوبة الملائمة من بين قائمة العقوبات التي حددها المشرع.

ومتى كان ما تقدم فإنه مهما كانت حرية السلطة التأديبية في تحديد عناصر الجريمة التأديبية، فإنها ملزمة بأن تستند في تقديرها إلى وقائع محددة ذات طابع سلبي أو إيجابي ارتكبها الموظف وثبتت قبله، والمسئولية التأديبية في ذلك شأن المسئولية الجنائية مسئولية شخصية، فيتعين لإدانة العامل ومجازاته إداريا في حالة شيوع التهمة بينه وبين غيره، أن يثبت أنه قد وقع منه فعل إيجابي أو سلبي محدد يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية.

وحيث إن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ينص في المادة (76) منه على أن الوظائف العامة تكليف للقائمين بها هدفها خدمة المواطنين تحقيقا للمصلحة العامة طبقا للقوانين واللوائح والنظم المعمول بها، ويجب على العامل أن يؤدي العمل المنوط به، وأن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته، وأن يحافظ على مواعيد العمل وعلى ممتلكات وأموال الوحدة التي يعمل بها، وأن يتعاون مع زملائه في أداء الواجبات اللازمة لتأمين سير العمل، وأن يحافظ على كرامة وظيفته طبقا للعرف العام، وأن يسلك في تصرفاته مسلكا يتفق والاحترام الواجب، ومن ثم فإن عدم أداء العامل للعمل المنوط به، وعدم محافظته على ممتلكات الوحدة التي يعمل بها، وعدم تعاونه في أداء الواجبات اللازمة لتأمين سير العمل، هي مخالفات إدارية تستوجب المؤاخذة، لأن كل عامل لم يحافظ على كرامة وظيفته طبقا للعرف العام، أو سلك في تصرفاته مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة العامة يجب معاقبته تأديبيا، ومن ثم فإنه لا محل للزعم بأن نظام العاملين المدنيين بالدولة لا يوجد به أي نص يؤثم الأفعال التي اقترفها الطاعنون.

وحيث إنه عما أثاره الطاعنون من أنه لا يجوز الاستناد إلى مشاهد الفيديو التي التقطها مصور اليوم السابع، لأنه التقطها بالمخالفة لتعليمات رئاسة مجلس الدولة التي توجب الحصول على إذن مسبق بالتصوير؛ فإن الأصل أن النيابة الإدارية تقدم المتهم إلى المحاكمة التأديبية وقد حددت التهمة المنسوبة إليه، وما لديها من أدلة، وينحصر دور المتهم في تفنيد تلك الأدلة لإثبات براءته أو على الأقل لتوضيح الظروف التي أحاطت بارتكاب الخطأ.، والقاضي التأديبي شأنه في ذلك شأن القاضي الجنائي لا يقف من النيابة والمتهم موقفا سلبيا، بل له كامل الحرية في أن يحرك الإجراءات- سواء على صعيد الأدلة أو غيرها- لكي يصل إلى كبد الحقيقة، فقد يصل إلى اقتناعه عن طريق ما قدمته النيابة الإدارية من أدلة، ولكنه غير ملزم بها، فله أن يطرحها جانبا، ويعيد التحقيق من جديد ليتوصل إلى الاقتناع سواء عن طريق استجواب المتهم أو سماع رؤسائه أو الشهود، وهو يفعل ذلك بناءً على طلب المتهم أو من تلقاء نفسه إذا أحس بالحاجة إلى ذلك.

وحيث إن القاعدة المسلم بها في مجال المحاكمات التأديبية هي القاعدة المتبعة نفسها في المحاكمات الجنائية القائمة على حرية المحكمة في استمداد اقتناعها من أي دليل مقبول، ومن أي دليل تطمئن إليه دون معقب عليها في هذا الشأن، مادام هذا الاقتناع قائما على أصول موجودة وغير منتزع من أصول لا تنتجه، ومتى استخلصت المحكمة من الوقائع المعروضة عليها الدليل على أن المتهم قارف ذنبا إداريا يستأهل العقاب، وكان هذا الاستخلاص سليما من وقائع تنتجه وتؤدي إليه، فإن تقديرها للدليل يكون بمنأى عن الطعن.

وحيث إن القانون فتح بابه أمام القاضي على مصراعية يختار من كل طرقه ما يراه موصلا إلى الكشف عن الحقيقة –فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة في الإثبات–، ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر، مع حرية مطلقة في تقدير ما يُعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع كل أدلة وظروفها، وإنه لا يصح مطالبة القاضي بالأخذ بدليل معين أو عدم الأخذ بدليل آخر؛ لأن القانون جعل من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أية بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلا لحكمه.

وحيث إنه يجوز إثبات الفعل المؤثم بكل الطرق القانونية بما فيها شهادة الشهود، ويصح في الدعاوى التأديبية الاستشهاد بالصور الفوتغرافية متى كان القاضي قد اطمأن من أدلة الدعوى ووقائعها إلى أنها مطابقة للصورة المقدمة إليه، وإن المحكمة غير مطالبة بالأدلة المباشرة، بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة، متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.

وحيث إنه ولئن كان المقرر أن للقاضي التأديبي أن يكون عقيدته من أي عنصر من عناصر الدعوى، إلا إذا كان هذا العنصر مستمدا من إجراء باطل قانونا، ولا يكفي لسلامة الحكم أن يكون الدليل صادقا متى كان وليد إجراء غير مشروع، فالمادة (331) من قانون الإجراءات الجنائية ترتب جزاء البطلان في حالة عدم مراعاة القانون فيما يتعلق بأي إجراء جوهري.

وحيث إن الدستور القائم نص صراحةً على أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تُمس، ونص على أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، ومن ثم فإن حق الجماعة في الدفاع عن مصالحها ينبغي أن يوازن حق الفرد في الحرية.

ولما كان ذلك، وكانت مراقبة الأشخاص وتسجيل تحركاتهم هو إجراء من إجراءات التفتيش، فقد حرص المشرع على تأكيد حرمته وسريته، واشترط للتسجيل صدور أمر قضائي مسبب وقيود أخرى نص عليها في المواد (95) و(95 مكررا) و(206) من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإنه لا محل لما يثيره الطاعنون من عدم مشروعية شريط الفيديو الذي قام محرر جريدة اليوم السابع بتصويره دون إذن من رئاسة مجلس الدولة وعدم الاستناد إليه كدليل؛ ذلك لأن شريط الفيديو تضمن صورا لمشاهد جرت علنا في مقر مجلس الدولة، والتقطت على مسمع ومرأى من الطاعنين، وليس في الصور أي اعتداء على الحرمات ولا على حياة المواطنين الخاصة، ومن ثم فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي اعتمدت عليه باعتباره دليلا مشروعا.

ولا يقدح فيما تقدم ما يقال من أن هناك تعليمات صدرت عن رئاسة مجلس الدولة بعدم السماح لمندوب أي جهة إعلامية بالوجود داخل قاعات مجلس الدولة إلا بعد إذن مكتوب من المستشار رئيس الدائرة، وأن من قام بالتصوير لم يحصل على هذا الإذن، ومن ثم لا يجوز التعويل على المشاهد التي التقطها؛ ذلك لأن تقديم السيد الأستاذ المستشار/ رئيس الدائرة الثانية هذا الشريط لجهات التحقيق يكشف ضمنا عن أن سيادته هو الذي أذن للمصور بالوجود في مقر القاعة وأذن له بالتصوير، ومن ثم يحق للأخير أن يلتقط ما يعن له من مشاهد.

وحيث إنه عما أثاره الطاعنون من سبق مجازاتهم عن الواقعة نفسها بعقوبة الوقف عن العمل، فإن المقرر أن اتهام الموظف في جريمة تأديبية يدخله في فترة ريبة، ومن ثم فإنه يكون عرضة لاتخاذ بعض الإجراءات الاحتياطية التي تقيد من حقوقه التي يستمدها من مركزه انتظارا لما يسفر عنه التحقيق، وتتلخص الإجراءات الاحتياطية في وقف الموظف لمصلحة التحقيق، وفي جعله غير صالح للترقية، فأجاز المشرع في المادة (83) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 للسلطة المختصة وقف العامل عن عمله احتياطيا متى اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، ولا يجوز لها مد هذه المدة إلا بقرار من المحكمة التأديبية المختصة للمدة التي تحددها.

ومفاد ذلك أن قرار الوقف الاحتياطي هو مجرد إجراء مؤقت يستند أساسا إلى الاختصاص بالتأديب، فالسلطة المختصة بالتأديب تملك سلطة الوقف عن العمل احتياطيا، والهدف من وراء الوقف الاحتياطي هو مصلحة التحقيق، وأبرز مجالات هذه الحكمة أن يكون الموظف صاحب سلطة، أو نفوذ من شأنه التأثير في سير التحقيق عن طريق إرهاب الموظفين الآخرين الذي قد يستشهد بهم أو يحقق معهم، أو عن طريق إخفاء الوثائق والمستندات أو توجيه التحقيق وِجْهَةً مضللة.

وإذا كان الوقف الاحتياطي يتشابه مع الوقف كعقوبة، فإن لكل نوع منهما نظامه القانوني الخاص، وأغراضه التي يستهدفها، والوقف الاحتياطي بطبيعته لا يمكن أن يختلط أو يعاصر الوقف كعقوبة، فالوقف إجراء مؤقت لتيسير التحقيق، أما الوقف كعقوبة فهو إعمال لمبدأ مقرر هو أنه (لا عقوبة إلا بنص)، فالمعروف أن العقوبة التأديبية يحكمها مبدأ لا عقوبة بلا نص. وهذا المبدأ يقوم على مبدأ شرعية العقوبة، ويقوم المدلول المباشر لهذا المبدأ على أن السلطة التأديبية إذا كانت تترخص في تقدير العقوبة، فإنها مُلزمة بأن توقع عقوبة قد حددها المشرع من قبل، فلا تستطيع أن تستبدل بها غيرها مهما كانت الدوافع.

ولما كان قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 قد حدد في المادة (80) الجزاءات التي يجوز توقيعها على العاملين، ومن بينها الإنذار وعقوبة الوقف عن العمل لمدة لا تجاوز ستة أشهر مع صرف نصف الأجر، وانتهاء بعقوبة الفصل من الخدمة. ومن ثم فإن الطاعنين يكونون قد خلطوا بين القرار الصادر بوقفهم عن العمل لمصلحة التحقيق، والعقوبة المقرر توقيعها، وإذ خلت أوراق الطعن مما يقطع بسابقة عقاب الطاعنين عن الأفعال المرتكبة نفسها، فإنه لا مناص من توقيع إحدى العقوبات المقررة قانونا.

وحيث إنه ولئن كان من المبادئ المستقرة أن المتهم لا يصح أن يضار بطعنه، فإن مناط ذلك أن يكون الطعن مقاما منه وحده، أما إذا كانت النيابة الإدارية قد طعنت على الحكم، فإن هذا المبدأ لا يصح إعماله في هذه الحالة، ومن ثم فإن لمحكمة الطعن أن تؤيد الحكم أو تلغيه أو تعدله؛ ذلك لأن طعن النيابة يترتب عليه نقل موضوع الدعوى برمتها إلى محكمة الطعن، واتصال هذه المحكمة بالدعوى يخولها النظر في الدعوى من جميع نواحيها والحكم فيها طبقا لما تراه في حدود القانون.

وحيث إن المحكمة وقد ألمت بوقائع الدعوى وبالتحقيقات الجارية فيها، وطالعت دفاع الطاعنين عن بصر وبصيرة، وطالعت طعن النيابة الإدارية، وثبت لديها على وجه القطع واليقين ارتكاب الطاعنين للمخالفات المسندة إليهم بتقرير الاتهام.

وحيث إن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 أوجب على العامل أن يؤدي واجبات منصبه في الوقت المخصص لذلك، وأن يخلص في أدائه عمله، وأن يحافظ على أموال وممتلكات الجهة التي يعمل بها، وأن يسلك في تصرفاته مسلكا حميدا، فإن كل فعل يرتكبه الموظف ويكون من شأنه الإخلال بواجبات وظيفته يعد جريمة تأديبية، وكل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في القانون أو يخرج عن مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة وظيفته يعاقب تأديبيا.

وإذا كانت الواجبات المبينة سالفا هي واجبات وظيفية مفروضة على جميع العاملين بالدولة، فإنها تكون مفروضة من باب أولى وعلى نطاق أوسع على العاملين بمحاكم مجلس الدولة، ساحة القضاء، تلك الساحة التي تمثل المحراب المقدس الذي يعد الملجأ الأخير أمام أفراد الشعب طلبا للحماية واستشراقا للعدل، وإذ كانت طبيعة عمل الطاعنين تقتضي أن يكونوا على أعلى مستوى من الأداء، وأن يكونوا من ذوي الخصال الطيبة، وأن يحافظوا على الأمن وعلى النظام العام، فإن ما ارتكبه الطاعنون هو إخلال صارخ بمقتضيات الوظيفة العامة، ومسلك معيب لا تقره الشرائع الإدارية، وقد ألحق هذا المسلك ضررا جسيما بمرفق العدالة، وعطل رئيس وأعضاء الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري عن إتمام المداولة في القضايا المنظورة أمامهم، وعاق مصالح المواطنين وعرض مصالحهم للخطر، وألحق ضررا خطيرا بالمصلحة العامة، ولما كانت هذه التصرفات تنطوي على استهتار جسيم بالمسئولية، وإساءة بالغة لرجال القضاء الذين حُرموا إكراها من أداء رسالتهم السامية في الفصل في الأقضية المطروحة أمامهم، فإن ما ثبت في حق الطاعنين على النحو المتقدم ينطوي على استهتار بالغ بالنظام العام وبالاحترام الواجب للسلطة القضائية، وفيه عدوان صارخ على الحقوق العامة للمتقاضين بما سمح بتعطيل العدالة وإهدار سيادة القانون، وهو ما تقضي معه المحكمة بإقصائهم عن الوظيفة العامة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعون أرقام 48967 و5221 و54130 لسنة 60ق. عليا و61839 لسنة 61ق.عليا شكلا، وبتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بمجازاة كل من:… و… و… و…، بالفصل من الخدمة.

([1]) أقيمت دعويا بطلان ضد هذا الحكم، قيدتا بجدول المحكمة الإدارية العليا برقمي 69 و755 لسنة 63 القضائية (عليا)، ونظرتهما الدائرة الرابعة (موضوع)، وقضت فيهما بجلسة 18/2/2017 بقبول الطعنين شكلا، وفي الموضوع بانعدام هذا الحكم، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبإحالة الطعون المذكورة إلى دائرة فحص الطعون بالدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا لنظرها بجلسة 8/4/2017.

وهذا الحكم ملحق بهذه المجموعة، المبدأ رقم (122).

وقد أقامت المحكمة قضاءها تأسيسا على أن الأوراق قد خلت مما يفيد عرض هذه الطعون على دائرة فحص الطعون بالمحكمة قبل صدور الحكم المطعون فيه، وأن الدورة الإجرائية لنظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا لا بد أن تبدأ بنظر دائرة فحص الطعون للطعن إذا كان به شق عاجل أو بعد تحضير الطعن في هيئة المفوضين وإحالته إلى المحكمة، وهذا الدور لدائرة فحص الطعون جوهري وأساسي، إلا في حالة الطعون أمام المحكمة الإدارية العليا كأول وآخر درجة، فحينئذ لا يكون هناك دور لهذه الدائرة؛ لأن الطعن لا بد أن تبت فيه دائرة الموضوع، إلا في خصوص طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، فيجوز -حتى لو كان الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا كمحكمة أول وآخر درجة- أن تصدر الدائرة حكمها بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وعلى كلٍّ فإن أي قضاء في موضوع الطعون المعروضة على المحكمة الإدارية العليا كمحكمة طعن يجب أن يمر إلى دائرة الموضوع من خلال دائرة فحص الطعون، وإذا لم يتم هذا الأمر كان هناك خلل جسيم في الحكم المطعون فيه بالبطلان يهوي به إلى درجة الانعدام؛ لبطلان اتصال دائرة الموضوع بالطعن وتفويت مرحلة قضائية أساسية من شأنها أن تمس حق التقاضي بالنسبة للطاعن.

([2]) راجع كذلك المبدأ رقم (62/هـ) في هذه المجموعة، ويراجع في ذلك حكم دائرة توحيد المبادئ الصادر بجلسة 28 من يونيه سنة 1987 في الطعن رقم 502 لسنة 31 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 9)، حيث قررت أن مجال إعمال قانون الإجراءات الجنائية في مجال التأديب يجد حده فيما ورد بشأنه نص صريح يقضي بذلك، مثل المادة (51) من قانون مجلس الدولة (الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972) التي تضمنت جواز الطعن بطريق التماس إعادة النظر في أحكام المحاكم التأديبية في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، ويجد حده أيضا فيما تقتضيه طبيعة المنازعة التأديبية، مثل انقضائها بوفاة المحال فيها إلى المحاكمة التأديبية.

وكذا ما قررته في حكمها الصادر بجلسة 7 من يونيه سنة 2014 في الطعن رقم 39372 لسنة 57 القضائية عليا (منشور بمجموعة س59، مكتب فني، المبدأ رقم5) من أنه لا يجوز الرجوع إلى قانوني المرافعات والإجراءات الجنائية في شأن الإجراءات التأديبية إلا في حالة كون الحكم الوارد بالنص ينسجم مع طبيعة النظام التأديبي وأهدافه، أما إذا كان النص الوارد بأيهما لا ينسجم مع طبيعة النظام التأديبي وأهدافه فإنه لا يؤخذ به.

ويراجع أيضا الحكم الصادر عن دائرة توحيد المبادئ في الطعنين رقمي 5345 لسنة 44 القضائية عليا و 5569 لسنة 44 القضائية (عليا) بجلسة 5 من يوليو سنة 2014 (منشور بمجموعة س59، مكتب فني، البدأ رقم6)، حيث بينت أن القانون التأديبي ينتمي إلى أسرة قانون العقوبات، فيتعين الرجوع إلى قانون الإجراءات الجنائية فى كل حالة يرى القاضي التأديبي أن الحكم الوارد به ينسجم مع طبيعة النظام التأديبي وأهدافه، كذلك فإن قانون المرافعات هو القانون العام للإجراءات القضائية وغير القضائية، فيتعين الرجوع إلى أحكامه إذا شاب القوانين الإجرائية الأخرى نقص أو غموض أو إبهام، شريطة أن يكون الحكم الوارد به ينسجم مع طبيعة النظام التأديبي، وقد أوجب المشرع نفسه الرجوع إلى قانون الإجراءات الجنائية وإلى قانون المرافعات المدنية لسد النقص فى إجراءات المحاكمات التأديبية.

وفي شأن المبدأ العام في الرجوع إلى أحكام قانون المرافعات: يراجع حكما دائرة توحيد المبادئ بجلسة 27 من إبريل سنة 1986 في الطعن رقم 1845 لسنة 27 القضائية (عليا) وطعون أخرى، وبجلسة 9 من إبريل سنة 2005 في الطعن رقم 1522 لسنة 27 القضائية عليا (منشوران بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدآن رقما 7/ب و63/أ) حيث بينت أن تطبيق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على القسم القضائي لمجلس الدولة هو تطبيق احتياطي وثانوي، مشروط بعدم وجود نص خاص في قانون المجلس، وعدم تعارض نصوص قانون المرافعات مع طبيعة المنازعات الإدارية ونظام المجلس وأوضاعه نصا وروحا؛ وذلك لأن الدعوى الإدارية تقوم على روابط القانون العام، وتتمثل في خصومة مردها إلى مبدأ الشرعية وسيادة القانون، وتتحرر من ثم من لدد الخصومة الشخصية التي تهيمن على منازعات القانون الخاص.

([3]) راجع كذلك المبدأ رقم (62/و) في هذه المجموعة، حيث قررت المحكمة أنه فيما يتعلق بالطعن فى أحكام المحاكم التأديبية، فإنه لا يجوز لمحكمة الطعن الإضرار بمصلحة الطاعن ما لم يكن هو هيئة النيابة الإدارية.

([4]) على خلاف هذا النظر: حكم الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 17/6/2017 في الطعن رقم 27047 لسنة 61 القضائية عليا (قيد النشر بمجموعة السنة 62 مكتب فني)، حيث أكدت المحكمة أن اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي وقعت عليها مصر في 4/8/1967، لم تفرق في نطاق مشروعية الإضراب بين عمال المرافق العامة وعمال القطاع الخاص، وأن كل ما تستطيعه مصر هو تنظيم هذا الحق بعد أن أصبحت الاتفاقية جزءا من التشريعات المصرية.

([5]) على خلاف هذا النظر: حكم الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 17/6/2017 في الطعن رقم 27047 لسنة 61 القضائية عليا (قيد النشر بمجموعة السنة 62 مكتب فني)، حيث أكدت المحكمة أن أحكام الإضراب الواردة في قانون العقوبات قد ألغيت ضمنا اعتبارا من نفاذ اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي وقعت عليها مصر في 4/8/1967.

[6])) راجع وقارن بالحكم الصادر عن المحكمة بجلسة 18 من إبريل سنة 2015 في الطعن رقم 24587 لسنة 61 القضائية عليا (منشور بهذه المجموعة برقم 79)، حيث أكدت المحكمة أن إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية وجريمة تأديبية، وأنه لئن كانت الحكومة قد تعهدت في الاتفاقية التي وقعتها في 4/8/1967 بكفالة حق الإضراب في حدود ما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية، فإن إعمال هذا الحق تطبيقا لتلك الاتفاقية رهين بوضع المشرع القوانين المنظمة له بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وباعتباره من الحقوق التي يجب ممارستها على وفق ضوابط معينة، ودون تعسف في استعمالها، فلا مجال لإعمال الاتفاقية المشار إليها متى خالفت أحكام الشريعة الإسلامية، كما أكدت أن هذه الاتفاقية لا تعدو أن تكون وعدا مبذولا من جانب الحكومة المصرية بصفتها من أشخاص القانون العام بالقيام بعمل منسِّق مع غيرها لضمان تقرير الحقوق الواردة بها، بشرط مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بتعديل تشريعاتها لتتوافق مع هذه الاتفاقية بذلك الصيغة، أو لتقريرها إن كانت تشريعاتها خالية من مثل هذه الحقوق، وأن هذه الاتفاقية لم تلغِ ضمنا النصوص المجرمة لحق الإضراب في قانون العقوبات.

– وتأييدا للاتجاه الذي قررته المحكمة في الحكم المنشور عاليه: أكدت المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 26/7/2015 في الطعن رقم 19485 لسنة 59 القضائية عليا (السياق الزمني لهذه المجموعة) أنه بموجب دستور 2012 ثم دستور 2014 لم يعد الاضراب السلمي منحة، بل صار من الحقوق الدستورية المكفولة لكل فئات العمال، بغض النظر عن طبيعة الجهة التي يعملون بها، أي سواء بالقطاع الحكومي أم العام أم الخاص، بمعنى أنه أضحى معترفا به كحق مشروع من حيث المبدأ، ومنح المشرع واجب تنظيمه، وسواء نشط المشرع أو لم ينشط لتنظيم هذا الحق فإن استعمال العمال لهذا الحق جلبا لحقوقهم دون إضرار بالمرافق العامة، هو استعمال مشروع لحق ثابت دستوريا ولا يستوجب عقابا؛ إذ أنه متى قرر الشارع حقا اقتضى ذلك حتما إباحة الوسيلة إلى استعماله، إذ يصدم المنطق أن يقرر الشارع حقا ثم يعاقب على الأفعال التي يستعمل بها، فيكون معنى ذلك تجريد الحق من كل قيمة، ويكون عصفا به كلية، وتحريما ومصادرة كاملة للحق نفسه.

وهو ما أكدته كذلك في حكم لاحق صدر بجلسة 12/3/2016 في الطعن رقم 22314 لسنة 59 القضائية عليا (قيد النشسر بمجموعة س61 مكتب فني) من أن المشرع الدستوري قد أقر في المادة (15) من دستور جمهورية مصر العربية الصادر في عام 2014 بالحق في الإضراب واعتبره أحد الحقوق الدستورية للعامل المصري، ولم يقصر هذا الحق على العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل فقط، بل أصبح الإضراب السلمي حقا لجميع العاملين بالدولة، سواء بالجهات الإدارية والهيئات العامة أو بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، بيد أن المشرع الدستوري لم يعتبر هذا الحق حقا مطلقا يمارسه العامل بلا قيود أو شروط، بل أكد على أمرين: (أولهما) أن الإضراب الذي أقره الدستور واعتبره حقا للعامل هو الإضراب السلمي الذي يلجأ إليه العامل للتعبير عن حقوقه ومطالبه المشروعة، وذلك بتوقفه عن العمل، دون التأثير في سير وانتظام العمل داخل المرفق أو مكان العمل، ودون اللجوء إلى العنف بأي شكل من الأشكال، سواء بالقول أو بالفعل، فلا يجوز للعاملين المشاركين في الإضراب التعدي بالسب أو القذف على أي شخص أو مسئول، أو استخدام ألفاظ خارجة تتنافى مع الآداب العامة، كما لا يجوز حمل أي أسلحة أو ذخائر أو أدوات تعرض الأفراد أو الممتلكات للضرر أو الخطر، كما يحظر عليهم الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو إجبار باقي العاملين ممن لم يشاركوا في الإضراب على التوقف عن العمل، أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم، أو التأثير في سير العدالة أو المرافق العامة، أو قطع الطرق أو المواصلات، أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات، أو تعريضها للخطر، ومن ثم فإن الإضراب غير السلمي لا يعد إضرابا، ولا يمكن اعتباره حقا يحميه الدستور؛ لأن الإضراب الذي أجازه المشرع الدستوري واعتبره حقا هو الإضراب السلمي، أما الإضراب غير السلمي الذي يلجأ فيه العامل إلى العنف اللفظي أو الفعلي فلا يعد إضرابا، بل يندرج ضمن المخالفات والجرائم التي يتعين أن يحاسب العامل عنها تأديبيا وجنائيا.

أما (الأمر الثاني) الذي أكده المشرع الدستوري في المادة (15) المشار إليها، فهو أن القانون ينظم حق الإضراب السلمي، ومؤدى ذلك أنه يتعين أن يصدر قانون عن السلطة التشريعية ينظم الحق في ممارسة الإضراب السلمي، بحيث يتضمن تحديد نطاقه بأن يكون لجوء العامل إليه للمطالبة بحقوق ومطالب مشروعة مرتبطة بوظيفته وعمله، فلا يجوز أن يستخدم الإضراب كوسيلة للمطالبة بحقوق ومطالب غير مشروعة، أو ليست لها صلة بوظيفة العامل أو جهة العمل، كذلك يتعين أن يحدد التشريع المنظم لحق الإضراب السلمي الشروط والإجراءات التي يتعين أن يسلكها العامل قبل اللجوء إلى الإضراب عن العمل، بأن يكون قد لجأ إلى الطرق والوسائل القانونية في عرض طلباته على جهة العمل ورغم ذلك لم تستجب، وأن يخطر السلطة المختصة القائمة على إدارة المرافق العام بقيامه بالإضراب السلمي قبل الشروع فيه بوقت كافٍ، كما يتعين أن يتضمن هذا التشريع التزامات الجهة الإدارية والقائمين على إدارة المرافق باحترام حق العاملين في الإضراب، وعدم مواجهة هذا الإضراب السلمي بالعنف أو بالتنكيل بالعامل بأي شكل من الأشكال، وأنه يتعين عليها التدرج في مناقشة العاملين المضربين في مطالبهم والتفاوض معهم، مع تحديد وقت زمني محدد حسب طبيعة العمل بكل جهة، للنظر في طلبات العاملين والرد عليها، وعدم التعسف بترك العاملين المضربين دون رد، أو اللجوء إلى حرمانهم من أي حقوق أو مزايا وظيفية عقابا على لجوئهم إلى الإضراب السلمي، مع ضرورة أن يضمن التشريع المقترح وجوب إخطار النقابات والاتحادات العمالية ذات الصلة لتكون طرفا في محاولة التقريب في وجهات النظر بين العاملين وجهة الإدارة أو صاحب العمل، كل هذا في إطار الحرص على حماية المصلحة العامة للدولة، وحماية المرافق العامة، وضمان حصول العاملين على حقوقهم المشروعة.

واستطردت المحكمة: أنه لحين صدور هذا التشريع عن السلطة التشريعية، فإن ما سبق ذكره يندرج ضمن القواعد والأصول العامة التي يفرضها المنطق السليم القائم على مراعاة طرفي العلاقة والموازنة بين المصلحة العامة للدولة وحق المجتمع، وبين حقوق العامل وواجباته، ومن ثم فإذا التزم العامل بهذه الضوابط والأصول العامة عند ممارسته حقه في الإضراب السلمي للتعبير عن مطالبه المشروعة، فقام بإخطار الجهات المختصة على النحو المشار إليه، ولم يلجأ إلى العنف في سبيل عرض هذه المطالب، ولم يؤثر في سير العمل وانتظامه بالمرفق العام أو بمكان العمل، فإنه يكون قد مارس هذا الحق في إطار من الشرعية الدستورية ويكون جديرا بالحماية، ومن ثم لا تجوز مساءلته تأديبيا عن ممارسته لهذا الحق المشروع.

وتطبيقا لهذا انتهت المحكمة إلى أنه لما كان الثابت من الأوراق أن المخالفة المنسوبة للمطعون ضدها والذي تم مجازاتها عنها بالقرار المطعون فيه هو اشتراكها في الإضراب عن العمل بمحكمة استئناف الإسماعيلية أيام 28/2 و29/2 و1/3/2012, وكان الثابت أن هذا الإضراب الذي اشتركت فيه المطعون ضدها كان إضرابا سلميا، ولم يخرج عن الإطار السلمي، وأنه لم ينسب للعاملين المشتركين في هذا الإضراب لجوءهم إلى العنف بأي شكل من الأشكال، وكان الهدف من هذا الإضراب السلمي هو عرض مطالبهم الوظيفية المشروعة وذلك بمساواتهم بزملائهم في مواقع أخرى تابعة لوزارة العدل، وقد تم التنسيق مع النقابة العامة للعاملين بمحاكم ونيابات مصر، كما حرصوا قبل قيامهم بهذا الإضراب على إخطار جهة الإدارة ممثلة في وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام بتاريخ 1/2/2012، مصحوبا بالمطالب الجماعية لموظفي المحكمة القائمين بالإضراب، كما خلت الأوراق والتحقيقات مما يفيد أنه قد ترتب على الإضراب الذي اشتركت فيه الطاعنة أي ضرر بسير العمل، فمن ثم فإن هذا الإضراب كان إضرابا سلميا، ولم ينسب إلى العاملين المضربين أي خروج على القانون، فلا يعد الاشتراك فيه مخالفة أو جرما يستوجب مجازاة الطاعنة عنه تأديبيا، وهو ما يتعين معه الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاتها بخصم خمسة أيام من راتبها، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وهو كذلك ما انتهجته المحكمة في حكم لاحق صدر عن الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 17/6/2017 في الطعن رقم 27047 لسنة 61 القضائية عليا (قيد النشر بمجموعة السنة 62 مكتب فني)، وفيه نوهت المحكمة إلى قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 قد تناول تنظيم حق الإضراب السلمى للعاملين الخاضعين لأحكام هذا القانون، إلا أن قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 قد خلا من تنظيم حق الإضراب السلمي للعاملين المدنيين بالدولة، وهو ما تهيب معه المحكمة بالمشرع سرعة إدخال تعديل تشريعي على هذا القانون يتناول تنظيم حق الإضراب السلمي بما يتفق مع حكم المادة (15) من دستور سنة 2014، وبمراعاة الضوابط والمعايير التي حرصت المحكمة على تناولها بحيثيات حكمها؛ إذ إن تنظيم هذا الحق من شأنه أن ينظم العلاقة بين هؤلاء العاملين والجهات الإدارية، وذلك بما يضمن حقوق العامل، ويضمن في الوقت نفسه سير المرافق العامة بانتظام واضطراد.

– وكان للمحكمة الإدارية العليا قضاء سابق على تقرير الحق في الإضراب دستوريا، ومن ذلك ما انتهت إليه في حكمها الصادر في الطعن رقم 5567 لسنة 44 القضائية عليا بجلسة 19/5/2002 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 47 مكتب فني، ص841) من أن الإضراب عن العمل حق مشروع طبقا للاتفاقية الدولية التي وقعت عليها مصر وتم التصديق عليها، لكن هذا الحق لا يتساوى مع الدعوة إلى الامتناع عن العمل أو التوقف الفوري عن العمل بغرض تحقيق بعض المطالب أو الحقوق العمالية؛ لأن الحق في الإضراب يتم على وفق ضوابط محددة، ومعلوم سلفا للقائمين على أمر جهة العمل وقبل مدة معينة، أما الدعوة إلى الامتناع عن العمل أو التوقف الفوري عنه فإنها تعد دعوة إلى زعزعة استقرار جهة العمل وشيوع الفوضى داخله، مما ينعكس بالضرورة على سير العمل وانتظامه، وترتيبا على ذلك فإن الدعوة إلى الامتناع عن العمل أو التوقف الفوري عنه أو التحريض عليهما تعد أمورا غير مشروعة.

وكذا ما انتهت إليه في حكمها الصادر في الطعن رقم 1932 لسنة 35 ق ع بجلسة 25/1/1994 (منشور بمجموعة س 39 مكتب فني، جـ1، ص755) من أنه لا يجوز للعامل بالقطاع العام أن يدعو للإضراب أو يحرض عليه؛ لما في ذلك من زعزعة للأمن العام وإخلال بالسكينة العامة وشيوع الفوضى داخل العمل على نحو ينعكس على سيره، وأن الإضراب يعد إخلالا جسيما من العامل بواجبات وظيفته، ولا وجه للقول بأن الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/2/1966 ووقعت عليها مصر في 1967 وتم التصديق عليها في 8/12/1981 تبيح الحق في الإضراب؛ ذلك أن هذه الاتفاقية قد نصت في المادة الثامنة على أن: “تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بأن تكفل: (أ)… (د) الحق في الإضراب، على أن يمارس طبقا لقوانين القطر المختص”، كما أنها لا تعطي الحق للعامل في أن يدعو إلى الإضراب أو يحرض عليه، لما في ذلك من زعزعة للأمن العام وإخلال بالسكينة العامة، ويؤدي إلى شيوع الفوضى داخل العمل، مما ينعكس بالضرورة على سير العمل وانتظامه بالوحدات الاقتصادية، ويعد إخلالا جسيما من العامل بواجبات وظيفته، التي تحتم عليه ألا يقوم بما من شأنه الإخلال بحسن سير العمل بانتظام واطراد، أو ما يؤدي إلى قلقلة الأمن الاقتصادي للوحدة التي يعمل بها.

أما الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، فقد استظهرت في فتواها رقم 895 بتاريخ 9/12/2012، جلسة 21/11/2012، ملف رقم 86/6/681 (منشورة بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 67 مكتب فني، من أكتوبر 2012 إلى سبتمبر 2013، المبدأ رقم 34) أن الحق فى الإضراب عن العمل أضحى بمقتضى أحكام الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مكفولا لجميع العاملين، سواء من كان منهم يعمل بأجهزة الدولة أم بالقطاع الخاص، إلا أن ممارسة هذا الحق تكون على وفق قوانين كل دولة، ولما كان نص الاتفاقية المقرر لهذا الحق هو نص خاص فى دلالته وفي طريقة سَنِّه، لاحقٌ على نص الفقرة الأولى من المادة (124)، وما ارتبط بحكمها من المادة (124/أ) من قانون العقوبات التي تجرم ترك الموظفين العموميين أو المستخدمين لعملهم، أو امتناعهم عن تأديته بغية تحقيق غرض مشترك، أو التحريض على القيام بذلك، ولاحقٌ كذلك على قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978) الذي يبين من نصوصه أنه لم يعترف بالإضراب كحق مقرر للعاملين، فمن ثم يكون نص المادة (8/1/د) من الاتفاقية المذكورة ناسخا للنصوص القانونية السابقة عليه التى تتعارض معه، طبقا لحكم المادة (2) من القانون المدنى.

ولاحظت الجمعية أن المشرع المصري قد نهض إلى تنظيم ممارسة الحق في الإضراب للخاضعين لأحكام قانون العمل رقم (12) لسنة 2003، حيث حظر في المادة (194) منه الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين، وفوض رئيس مجلس الوزراء في تحديد هذه المنشآت، والذي أصدر قراره رقم (1185) لسنة 2003 مُحددا هذه المنشآت، ومن البديهي ألا يطبق هذا القرار على الموظفين العموميين إعمالا لصريح نص المادة (4) من قانون العمل المشار إليه، التي استثنت صراحة العاملين بأجهزة الدولة من الخضوع لأحكامه ما لم يرد نص يقرر نفاذ أحكام هذا القانون على هؤلاء.

وأبانت الجمعية أنه لما كان المشرع المصري لم ينظم ممارسة الحق في الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين، فإنها تهيب به التدخل لتنظيم ممارسة هذا الحق؛ لما له من آثار خطيرة على انتظام سير المرافق العامة بالدولة، وبينت أنه يجوز للمشرع المصري في مجال تنظيمه لممارسة الحق في الإضراب فرض قيود عامة على هذه الممارسة في إطار المادة (8/1/د) من الاتفاقية المشار إليها، ويجوز له فرض قيود خاصة على ممارسة هذا الحق بواسطة طوائف بذاتها في إطار الفقرة الثانية من المادة نفسها، ويجوز للمشرع وهو بصدد وضع القيود العامة على ممارسة الحق في الإضراب أن يفرض لممارسته إطارا من الضمانات التي تحول دون المساس بحقوق الأفراد أو الجماعة، أو أن يحظر أنواعا معينة منه متى قَدَّر أنها تخل إخلالا جسيما بحقوق الغير، أو كان الضرر الناجم عنها غير متناسب مع المصلحة التي تقرر الحق من أجل تحقيقها، كما يكون للمشرع أن يفرض قيودا خاصة أكثر صرامة على ممارسة هذا الحق بالنسبة للطوائف المذكورة بالفقرة الثانية من المادة (8) من الاتفاقية المذكورة، فيحرمهم جميعا أو بعض فئات منهم من ممارسة هذا الحق، دائما أو خلال أوقات معينة، ولا يمكن أن يتم ذلك ضمنا، بل يجب أن تكون إرادة المشرع في خصوصه واضحة جلية، لا تقبل تأويلا ولا اختلافا، حيث إن جواز تقييد ممارسة الحق في الإضراب بالنسبة لهذه الطوائف يفيد بالضرورة تمتعهم بأصل الحق فيه، فلا يجوز استلابه منهم أو تقييده بغير نص تشريعي صريح.

وأوضحت الجمعية أن عدم تنظيم المشرع للحق في الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين ليس من مؤداه القول بحظر إضرابهم عن العمل مطلقا، أو إرجاء ممارستهم لهذا الحق لحين إصدار المشرع قانونا ينظم ممارستهم لهذا الحق، مهما استطال الأمد؛ إذ إن هذا القول يفضي إلى العصف بأصل الحق ومصادرته كليا،كما أنه ليس من مؤداه أيضا ترك ممارسة الحق في الإضراب بالنسبة لهم طليقا من كل قيد؛ ذلك أن الاعتراف بالحق في الإضراب في غيبة مثل هذا التنظيم التشريعي، لا يمكن أن يؤدي إلى استبعاد جميع القيود التي يجب أن يكون هذا الحق محلا لها، شأن أي حق آخر، حتى يمكن تجنب استعماله تعسفا، أو بالمخالفة لمقتضيات النظام العام. =

= وأكدت الجمعية أن الحق في الإضراب، كغيره من الحقوق، يمكن أن يمارس بصورة غير مشروعة طبقا لحكم المادة (5) من القانون المدني إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التى يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها، أو إذا كانت المصالح التى يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة، فنظرية التعسف في استعمال الحق لها من العموم ما يجعلها تنبسط على جميع نواحي القانون.

كما أكدت أن كفالة سير المرافق العامة وتلبية حاجات المتعاملين معها يتصل اتصالا وثيقا بالنظام العام وبالمصلحة العليا للمجتمع، وأن إباحة ممارسة الموظف العام لحقه في الإضراب على إطلاقه دونما قيود تحد من غلوائه تنطوي على تعارض مع مقتضيات استمرار سير المرافق العامة، ومن ثم تخالف النظام العام، وأنه في ظل الفراغ التشريعي القائم في شأن تنظيم ممارسة حق الإضراب للموظفين العموميين، فإنه يتعين كفالة حق الموظف في الإضراب، دون أن يغل ذلك يد الجهة الإدارية في فرض قيود على ممارسته؛ لتحول دون ممارسته تعسفا، ولتضمن استمرار سير المرفق العام وانتظام العمل فيه بما لا يخل بحاجات المتعاملين معه والحفاظ على النظام العام، وبشرط ألا تنال هذه القيود من أصل الحق فى الإضراب فتعصف به، وأن تتسم بالمعقولية والتناسب مع طبيعة الحق والغرض منه.

ونوهت الجمعية إلى أن هناك فارقا في خصوص تقييد ممارسة الحق في الإضراب بين المرافق العامة التي تقدم خدمات حيوية للمواطنين وغيرها من المرافق، فالأولى هي المرافق التي تهدف إلى توفير خدمات للأفراد مما يترتب على حرمانهم منها خطورة على الحياة أو الأمن أو الصحة أو المقومات الأساسية للحياة، ولو تم إسناد إدارة هذه المرافق لأشخاص القانون الخاص، وهذه المرافق تفرض على ممارسة الإضراب فيها قيودا أكثر صرامة من تلك التي تفرض على غيرها من المرافق قد تصل أحيانا إلى حد الحظر التام. وفي كل الأحوال، سواء بالنسبة للمرافق العامة التي تقدم خدمات حيوية أو ما عداها من المرافق، فإنه يجب فرض حد أدنى من التشغيل في المرفق أثناء الإضراب، يختلف من حالة لأخرى حسب ظروف كل مرفق، بغرض كفالة استمرار سيره بانتظام.

Comments are closed.

xnxxbf