مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الأولى – الطعن رقم 27556 لسنة 56 القضائية (عليا)
مارس 19, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الأولى – الطعن رقم 19729 لسنة 59 القضائية (عليا)
مارس 19, 2021

الدائرة الثانية – الطعن رقم 32339 لسنة 58 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 24 من يناير سنة 2015

الطعن رقم 32339 لسنة 58 القضائية (عليا)

(الدائرة الثانية)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ سالم عبد الهادي محروس جمعة

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد الحميد حسن عبود، ومحمود شعبان حسين رمضان، وحسام محمد طلعت محمد السيد، وسامح جمال وهبة نصر.

نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

(أ) حقوق وحريات– حرية الرأي والتعبير- تنظيمها- الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور ليست طليقة من كل قيد، بل يجوز تنظيمها تشريعيا بما لا ينال من محتواها- حرية الرأي والتعبير تنخرط في مصاف الحريات العامة، وتقييدها دون مقتض مشروع يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها- لازم ذلك أن يكون الأصل هو حرية الرأي والتعبير، والاستثناء هو المنع- هذا لا يعني أن تكون ممارسة هذا الحق بمنأى عن أي قيد؛ ذلك أن شأنه شأن أي حق من الحقوق العامة يجب ممارسته في حدود القانون- قيام المشرع أو السلطة المختصة بتنظيم ذلك الحق دون إفراط ولا تفريط، لا يعد منعا أو صدا عن ممارسة هذا الحق؛ لأنه لا يوجد تعارض بين الحرية والتنظيم- القيود التي يفرضها المشرع تمثل استثناء من الأصل الدستوري المقرر لكفالة وضمان حرية التعبير، ومن ثم يجب أن تكون في أضيق الحدود- في حالة خلو التشريع من تلك القيود، فإن هذا الفراغ التشريعي لا يخل بحق الجهات المختصة في تنظيم الحق ووضع القيود التي تحد من ممارسته، بهدف الحفاظ على الأمن القومي أو المصالح العليا، بما لتلك الجهات من سلطة في مجال الضبط الإداري لحماية النظام العام بمفهومه المثلث: الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة للمواطنين.

– المادة رقم (47) من دستور 1971.

– المادتان رقما (7) و(12) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011.

– المادتان رقما (23) و(45) من دستور 2012.                                     

– المادتان رقما (53) و(65) من دستور 2014.

(ب) حقوق وحريات– صونها- يتعين التفرقة بين التعدي على الحق الفردي للأشخاص، والتعدي على المجتمع وأمنه وأمانه- المساس بالحق الشخصي يَكفل دفعَه ولوجُ سبيل التقاضي جنائيا أو مدنيا أو كليهما معا، أما حال المساس بأمن المجتمع وأمانه فلا يدرؤه إلا أن يوصد منبع هذا الخطر.

(ج) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- واجباتهم الوظيفية– مقياس سلوك القاضي- عمل القاضي لا يقاس بغيره من العاملين بالدولة، ولا هو يؤخذ بالضوابط المعمول بها في شأن واجباتهم الوظيفية، بل يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزما- المركز القانوني للقاضي يغاير أوضاع غيره من العاملين بالدولة من حيث طبيعة العمل.

(د) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- حريتهم في التعبير عن آرائهم- فيما عدا الحريات السياسية، يتمتع القضاة كغيرهم من المواطنين بالحريات العامة التي كفلتها الدساتير والمواثيق الدولية، بما في ذلك حريتهم في التعبير عن رأيهم– للوظيفة القضائية انعكاسها على حرية القاضي في إبداء رأيه في المجال السياسي والشأن العام، فالقضاة بخلاف باقي المواطنين يحتم عليهم موقعهم واجبات ينبغي عليهم مراعاتها؛ حتى لا يزجوا بأنفسهم أو بالقضاء في معترك الحياة السياسية والشأن العام، بما يؤثر في حيدتهم والثقة في استقلالهم، أو يخضعهم لأي مؤثرات أو أهواء شخصية تنال من هيبة القضاء وقدسيته.

– المادتان رقما (72) و(73) من قانون السلطة القضائية، الصادر بالقرار بقانون رقم 46لسنة 1972.

– المادتان رقما (94) و(95) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47لسنة 1972.

– المادتان رقما (8) و(9) من الإعلان العالمي لاستقلال القضاة.

(هـ) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- الظهور الإعلامي- مشروعية قرار رئيس مجلس الدولة بتنظيم الظهور الإعلامي لأعضاء مجلس الدولة والترشح للأندية الرياضية؛ حفاظا على جلال منصبهم ونزاهتهم واستقلالهم، دون أن يحول هذا التنظيم وممارسة القضاة لحرية الرأي والتعبير عن طريق سلوك السبل والقنوات المنظمة لذلك الحق، والتي تهدف إلى الحفاظ على هيبة القضاء وتقاليده وتحفظ استقلاليته- مشاركة القضاة وحضورهم بوسائل الإعلام يفتح أبوابا من اللغط حول أداء وظيفة القضاء التي يجب أن يوفر لها كل ضمانات الاستقلال الحقيقي وإبعادها عن أضواء الإعلام، وهو ما يبرر تنظيم هذا الظهور الإعلامي للقضاة- يجب أن يترفع أعضاء مجلس الدولة عن  السير للبريق الإعلامي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الرياضي([1]).

(و) مسئولية– مناط مسئولية الجهة الإدارية عن القرارات التي تصدرها، هو وجود خطأ من جانبها، بأن يكون قرارها معيبا بأحد العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر من جراء هذا القرار، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر- انتفاء ركن من هذه الأركان يرتب انتفاء مسئولية الإدارة، ولا يكون هناك مجال للحكم بالتعويض.

– المادتان رقما (72) و(73) من قانون السلطة القضائية، الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972.

– المادتان رقما (94) و(95) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

– المادتان رقما (8) و(9) من الإعلان العالمي لاستقلال القضاة.

الإجراءات

في يوم الخميس الموافق 6/9/2012 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بالطعن الماثل طلب في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس مجلس الدولة رقم 236 لسنة 2012، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبأداء تعويض مادي مناسب عن الأضرار الأدبية والمعنوية التي نالت منه على وفق المبين بصحيفة الطعن من المطعون ضدهما متضامنين، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وذلك على سند أنه فوجئ بصدور القرار المطعون عليه رقم 236 لسنة 2012 متضمنا النص في مادته الأولى على أن: “يحظر على السادة أعضاء مجلس الدولة الظهور في وسائل الإعلام المختلفة، المقروءة والمسموعة والمرئية، إلا بعد موافقة كتابية مسبقة من رئيس مجلس الدولة، كما يحظر علىهم الترشح للأندية الرياضية أو غيرها”.

وأضاف أنه له أطروحاته الشعرية والأدبية والثقافية عموما، من كتابة في الصحف الثقافية والمجلات الأدبية وحضور المنتديات الأدبية والثقافية الإعلامية، دون أدنى ذكر لوظيفته أو لقبه القضائي، فضلا عما قد يتاح له أحيانا من المساهمة بالرأي في بعض الأمور الدستورية والقانونية التي تخص الشأن المصري ودول الربيع العربي، بالإضافة إلى أنه انتخب عضوا في مجلس إدارة أكثر من جمعية أدبية وثقافية، وقد كظم جماحه القانوني المشروع في الطعن على هذا القرار منذ علمه به، إلا  أنه فوجئ بمطالبات شفهية من قبل إدارة مجلس الدولة بوجوب التزامه بالقرار وتقديمه طلبا بالإذن بالنشر لأشعاره أو مقالاته الثقافية، مع ضرورة إرفاق نسخة من القصائد أو المقالات بالطلب، وكانت الطامة الكبرى أن قوبلت أحدث قصائده المنشورة في مجلة الشعر باعتراض من قبل البعض مطالبين إياه بالالتزام بالقرار، وهو ما يعد تدخلا فجا في حرية الرأي والتعبير المستمدة من الوثيقة الدستورية والقانون وأحكام القضاء، فأصبح لا مفر أمامه من إقامة طعنه الماثل ناعيا على القرار المطعون فيه مخالفته للإعلان الدستوري المصري الصادر في مارس 2011، ومخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ومخالفته اللائحة الداخلية لمجلس الدولة ومخالفته للمواثيق الدولية الخاصة باستقلال السلطة القضائية، واختتم صحيفتة بطلب الحكم له بما سلف بيانه من طلبات.

وقد أعلن تقرير الطعن على النحو المقرر قانونا، وجرى تحضير الطعن بهيئة مفوضي الدولة، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.

وجرى تداول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 22/11/2014 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 24/1/2015، وأثناء حجز الطعن للحكم قدم الطاعن طلب فتح باب المرافعة تلتفت عنه المحكمة، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

حيث إن الطاعن يطلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس مجلس الدولة رقم 236 لسنة2012، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة المطعون ضدها أن تؤدي له تعويضا ماديا مناسبا عن الأضرار الأدبية والمعنوية التي نالته من جراء القرار المطعون فيه على وفق المبين بصحيفة الطعن، مع إلزام الجهة المطعون ضدها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونا.

وحيث إن نظر الشق الموضوعي يغني عن نظر الشق العاجل من الطعن.

وحيث إنه عن طلب الإلغاء فإن المادة (47) من الدستور المصري الصادر سنة 1971 تنص على أن: “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون…”.

كما نصت المادة (7) من الإعلان الدستوري المصري الصادر في 30 من مارس 2011  على أن: “المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة…”.

وتنص المادة (12) منه على أن: “…حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون…”.

كما تنص المادة (33) من دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 2012 على أن: “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك”.

وتنص المادة (45) منه على أن: “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل  النشر والتعبير”.

كما تنص المادة (53) من دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 2014 على أن: “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر…”.

وتنص المادة (65) منه على أن: “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو بالتصوير، أو غير  ذلك من وسائل التعبير والنشر”.

كما نصت المادة (8) من الإعلان العالمي لاستقلال القضاء الذي اعتمده مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في ميلانو من 26 آب/ أغسطس إلى 6 أيلول/سبتمبر 1985 على أنه: “يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، ومع ذلك يشترط أن يسلك القضاة دائما لدى ممارسة حقوقهم مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء”.

كما نصت المادة (9) منه على أنه: “يكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المنظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي وفي الانضمام إليه”.

كما أكد مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا في الفترة من 27 آب/ أغسطس إلى 7 أيلول/ سبتمبر 1990 على أن لأعضاء النيابة العامة شأنهم شأن غيرهم من المواطنين، الحق في حرية التعبير والعقيدة وتشكيل الرابطات والانضمام إليها، وعليهم أن يتصرفوا دائما في ممارسة هذه الحقوق طبقا للقانون والمعايير والآداب المعترف بها لمهنتهم.

كما تضمنت مبادئ بانجلور بشأن سلوك الجهاز القضائي التي أقرت عام 2001 عن المجموعة القضائية التي انعقدت بقصر السلام بلاهاي من قبل رؤساء المحاكم العلىا في 25 و26 نوفمبر 2002 التأكيد على حق القاضي كأي مواطن آخر في حرية التعبير والعقيدة والارتباط والتجمع، ولكن يتعين عليه دائما عند ممارسته تلك الحقوق، أن يتصرف بشكل يحافظ فيه على هيبة المنصب القضائي وحياد السلطة القضائية واستقلالها.

كما تنص المادة (72) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 على أن: “لا يجوز للقاضي القيام بأي عمل تجاري كما لا يجوز له القيام بأي عمل لا يتفق واستقلال القضاء وكرامته. ويجوز للمجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يقرر منع القاضي من مباشرة أي عمل يرى أن القيام به يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها”.

وتنص المادة (73) من القانون نفسه على أن: “يحظر على المحاكم إبداء الآراء السياسية، ويحظر كذلك على القضاة الاشتغال بالعمل السياسي، ولا يجوز لهم الترشيح لانتخابات مجلس الشعب أو الهيئات الإقليمية أو التنظيمية السياسية إلا بعد تقديم استقالتهم”.

كما تنص المادة (94) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 على أنه: “لا يجوز لعضو مجلس الدولة القيام بأي عمل تجاري،كما لا يجوز له القيام بأي عمل لا يتفق واستقلال القضاء وكرامته…”.

وتنص المادة (95) من القانون ذاته على أن: “يحظر على أعضاء مجلس الدولة الاشتغال بالعمل السياسي. ولا يجوز لهم الترشيح لانتخابات مجلس الشعب أو الهيئات المحلية إلا بعد تقديم استقالتهم، وتعتبر الاستقالة في هذه الحالة مقبولة بمجرد تقديمها”.

وحيث إن مفاد ما تقدم أن القضاة -كغيرهم من المواطنين- يتمتعون بالحريات العامة التي كفلتها الدساتير والمواثيق الدولية للناس أجمعين، فيما عدا الحريات السياسية التي قُيدت مباشرتها من خلال الحظر الوارد بقانون السلطة القضائية، وهو الحظر نفسه الوارد كذلك في قانون مجلس الدولة، بما في ذلك حريتهم في التعبير عن رأيهم، باعتبار أن حرية الكلمة والتعبير عن الرأي هي من الحريات الأساسية التي كفلها الدستور لجميع المواطنين يمارسونها في إطار من القانون الذي يختلف مداه ضيقا واتساعا باختلاف مواقعهم وأحوالهم، ومن ذلك أن القضاة -بخلاف باقي المواطنين- يحتم عليهم موقعهم واجبات ينبغي علىهم مراعاتها حتى لا يزجوا بأنفسهم أو بالقضاء في معترك الحياة السياسية والشأن العام، بما يؤثر في حيدتهم والثقة في استقلالهم،كما يحتم عليهم عدم الخضوع لأية مؤثرات أو أهواء شخصية تنال من هيبة القضاء وقدسيته، إذ يظل للوظيفة القضائية انعكاسها على حرية القاضي في إبداء رأيه في المجال السياسي والشأن العام.

وحيث إن المركز القانوني للقاضي يغاير أوضاع غيره من العاملين بالدولة من حيث طبيعة العمل، فعمل القاضي لا يقاس على غيره من العاملين بالدولة، ولا هو يؤخذ بالضوابط المعمول بها في شأن واجباتهم الوظيفية، بل يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزما. (يراجع في هذا المعنى حكم المحكمة الدستورية العلىا الصادر بجلسة 7 من مارس2004 في القضية رقم 139 لسنة 21 ق. دستورية، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا، الجزء الحادي عشر ص 405).

وحيث إن المقرر أن الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور ليست طليقة من كل قيد، بل يجوز تنظيمها تشريعيا بما لا ينال من محتواها، ومن ثم فإن القيود التي يفرضها المشرع على تلك الحرية تمثل استثناء من الأصل الدستوري المقرر بكفالة وضمان حرية التعبير، ومن ثم يجب أن تكون في أضيق الحدود، كما أنه في حالة خلو التشريع من تلك القيود، فإن هذا الفراغ التشريعي لا يخل بحق الجهات المختصة في تنظيم الحق ووضع القيود التي تحد من ممارسة الحق بهدف الحفاظ على الأمن القومي أو المصالح العليا بما لتلك الجهات من سلطة في مجال الضبط الإداري لحماية النظام العام بمفهومه المثلث: الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة للمواطنين.

وحيث إنه يتعين التفرقة في هذا الصدد بين التعدي على الحق الفردي للأشخاص والتعدي على المجتمع وأمنه وأمانه، وإن كان كلاهما ممقوتا ممجوجا تلفظه الشرائع ونصوص الدستور والقانون، بيد أن المساس بالحق الشخصي كَفَلَ دَفْعَهُ ولوجُ سبيلِ التقاضي جنائيا أو مدنيا أو كليهما معا، أما حالَ المساس بأمن المجتمع وأمانه فلا يدرؤهُ إلا أن يوصَدَ منبعُ هذا الخطر.

وحيث إن حرية الرأي والتعبير تنخرط في مصاف الحريات العامة، وإن تقييدها دون مقتض مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها ويقوض صحيح بنيانها، ولازم ذلك أن يكون الأصل هو حرية الرأي والتعبير، والاستثناء هو المنع، إلا أن ذلك لا يعني أن تكون ممارسة هذا الحق بمنأى عن أي قيد، ذلك أن شأنه شأن أي حق من الحقوق العامة يجب ممارسته في حدود القانون، وأن قيام المشرع أو السلطة المختصة بتنظيم ذلك الحق في إطار القانون دون إفراط ولا تفريط، لا يعد منعا أو صدا عن ممارسة هذا الحق؛ ذلك أنه لا يوجد تعارض بين الحرية والتنظيم، بل إن التنظيم هو الذي يعطي المناخ الملائم لممارسة الحق، وبدون التنظيم تضحى الحرية فوضى لا يمكن للفرد أن يحيا في نطاقها.

وحيث إن مشاركة القضاة وحضورهم بوسائل الإعلام يفتح أبوابا من اللغط حول أداء وظيفة القضاء التي يجب أن يوفر لها كل ضمانات الاستقلال الحقيقي، وإبعادها عن أضواء الإعلام، وذلك يؤكد الثقة ويبعث الطمأنينة في نفوس كل من يلجأ لساحة القضاء دفعا لظلم أو نيلا لحق، وهو ما يبرر صدقا وحقا تنظيم هذا الظهور الإعلامي للقضاة، حفاظا على جلال منصبهم ونزاهتهم واستقلالهم كأفراد وكنظام، وهذا التنظيم لا يحول دون ممارسة القضاة لحرية الرأي والتعبير عن طريق سلوك السبل والقنوات المنظمة لذلك الحق والتي تهدف إلى الحفاظ على هيبة القضاء وتقاليده وتحفظ استقلاليته، وهو ما تواترت علىه المجالس الخاصة بالجهات والهيئات القضائية، ومن بينها ما قرره المجلس الأعلى للقضاء بجلسته المنعقدة في  3 من فبراير 2003 من عدم إبداء القضاة رأيهم في وسائل الإعلام بصفة عامة.

وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، ولما كان القضاة على نحو ما سلف بيانه لهم حرية الرأي والتعبير كباقي المواطنين، إلا أنهم في جميع الأحوال ينبغي عليهم أن يتصرفوا دائما بطريقة تحفظ جلال منصبهم ونزاهتهم واستقلالهم كأفراد وكنظام، ويجب أن يعلو ذلك على كل اعتبار، ومن ثم فلا تثريب على السلطة المختصة في تنظيم هذا الحق (حرية الرأي والتعبير) للحفاظ على هيبة القضاء وتقاليده واستقلاليته، لتنأى بهم عن أن ينخرطوا في أي صراع سواء كان سياسيا أو ثقافيا أو اجتماعيا أو رياضيا، ومن ثم فإن قيام رئيس مجلس الدولة بإصداره للقرار المطعون فيه متضمنا تنظيما للظهور الإعلامي لأعضاء مجلس الدولة والترشح للأندية الرياضية وغيرها، بهدف الحفاظ على وقار وهيبة مجلس الدولة وأعضائه، وصونا لكرامة الوظيفة القضائية وترفعا من أعضاء مجلس الدولة عن السعي للبريق الإعلامي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الرياضي، فإن القرار المطعون فيه (باعتباره ينظم ظهور أعضاء مجلس الدولة في وسائل الإعلام والترشح للأندية الرياضية وغيرها، ولم يتضمن منعا مطلقا لهم من ذلك) يكون قد صدر على وفق صحيح حكم القانون بمنأى عن الإلغاء، ويضحى الطعن علىه فاقدا لسنده، جديرا بالرفض.

– وحيث إنه عن طلب التعويض، فإن المستقر علىه في قضاء هذه المحكمة أن مناط مسئولية الجهة الإدارية عن قراراتها إنما يتحقق بتوفر ثلاثة عناصر، هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، ويتحقق الخطأ في جانب جهة الإدارة بأن يكون القرار غير مشروع لمشوبته بعيب من العيوب التي  تصيب القرار الإداري المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، بأن يكون قد صدر مخالفا للقانون، أو صادرا عن غير مختص، أو مشوبا بإساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، وأن يترتب على ذلك القرار أضرار مادية أو أدبية أصابت طالب التعويض، وأن تقوم علاقة السببية بينهما، فإذا برأت من هذه العيوب كانت سليمة مشروعة مطابقة لا تسأل الإدارة عن نتائجها، فضلا عن أن ركن الضرر (وهو الركن الثاني من أركان المسئولية الموجبة للتعويض) لا يفترض، بل هو واجب الإثبات، ويقع هذا العبء على عاتق من يدعيه.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة قد انتهت فيما تقدم عند بحث طلب إلغاء القرار المطلوب التعويض عنه إلى مشروعيته، فمن ثم ينتفي ركن الخطأ في جانب الجهة المطعون ضدها، ولا يكون هناك وجه لبحث باقي عناصر التعويض المدعى به؛ وذلك لانتفاء أحد أركان المسئولية الموجبة للتعويض، وهو ما يغدو معه طلب  التعويض غير قائم على سند جديرا بالرفض.

وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184/1) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الطاعن المصروفات.

([1]) راجع كذلك المبدأ (10/أ) في شأن الظهور الإعلامي لأعضاء هيئة النيابة الإدارية.

Comments are closed.

xnxxbf