مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
امتناع جهة الإدارة عن تسليم الأوراق اللازمة للتقدم لشغل الوظيفة
يوليو 14, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
وجوب الالتزام بالشروط التي تحددها جهة الإدارة لشغل الوظيفة
يوليو 15, 2020

الدائرة الثانية – الطعن رقم 2260 لسنة 57 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 26 من يناير سنة 2013

الطعن رقم 2260 لسنة 57 القضائية (عليا)

(الدائرة الثانية)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد عبد الحميد مسعود

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد إبراهيم السيد الزغبي وأحمد محفوظ محمد القاضي وكامل سليمان محمد سليمان ومحمود شعبان حسين رمضان.

نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

(أ) قرار إداري– ما يعد قرارا إداريا سلبيا- امتناع جهة الإدارة عن تسليم الأوراق اللازمة للتقدم لشغل الوظيفة؛ لتخلف أحد الشروط في طالب التقدم، يعد قرارا إداريا، يقبل الطعن فيه بالإلغاء.

(ب) موظف– تعيين- للسلطة المختصة أن تضع ضوابطَ وشروطًا إضافية للتعيين في الوظائف العامة، بشرط أن تتسم بالعمومية والتجريد، وألا تكون مخالفةً لأحكام القانون، وأن تكون معلومةً لأصحاب الشأن لتحديد مراكزهم القانونية في ضوئها، وحتى يكونوا على بينةٍ من أمرهم بالنسبة لها.

(ج) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- تعيين- إذا أفصحت الجهة الإدارية عن إرادتها في شغل إحدى الوظائف القضائية، ووضعت لها شروطًا محدَّدة، وأعلنت عنها، وجب عليها الالتزام بها إعلان جهة الإدارة لهذه الشروط يُفرغ سلطتها التقديرية في قاعدة تنظيمية، تُتيح لكل من استوفى الشروط المعلَن عنها أن يتقدَّم لشغل الوظيفة، وتكون سلطتها في هذا الشأن مُقيَّدة، فلا تملك تجاهل أو إغفال هذه الشروط.

(د) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- تعيين- شرط السن- يجوز تضمين الإعلان عن شغل أدنى الوظائف القضائية شرطًا يتعلق بالحد الأقصى لعمر المتقدِّم- هذا الشرط يفرضه واقع الحال وطبيعة العمل القانوني والقضائي، وضرورة الاستثمار الأمثل للقاضي؛ باعتبار أن الملكات والخبرات القانونية والقضائية تتكون على مر السنين، وأن انخراط القاضي في العمل في سن مبكرة يسمح بتكوين تلك الملكات، والاستفادة منها- الضرورة قد تقتضي تدرج الحد الأقصى لعمر المتقدم لشغل الوظيفة القضائية بالزيادة أو النقصان في حدود معينة، وذلك بمراعاة مدى قرب أو بُعد الإعلان عن شغل الوظيفة من سنة التخرج المستهدَف خريجوها بالتعيين- مشروعية تحديد سن السابعة والعشرين كحد أقصى للمتقدم لشغل وظيفة (مندوب مساعد)- لا يغير من ذلك كون المتقدِّم قد حصل على مؤهل جامعي سابق على حصوله على ليسانس الحقوق([1]).

– المادة (73) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، معدلا بموجب القانون رقم 36 لسنة 1984.

الإجراءات

بتاريخ 8/11/2010 أودع الأستاذ/… المحامى (بصفته وكيلا عن الطاعن) قلم كتاب المحكمة تقريرَ طعنٍ قُيِّد بجدولها بالرقم المشار إليه، وطلب فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرار الصادر برفض قبول أوراق الطاعن للترشح لشغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة وتمكينه من إجراء المقابلة اللازمة، وإلزام جهة الإدارة المصروفات، على سندٍ من القول بأن الطاعن من مواليد 2/2/1982 وقد نشر إعلان مجلس الدولة رقم (1) لسنة 2010 بجريدة الأهرام يوم 14/7/2010 بشأن قبول طلبات التعيين فى وظيفة مندوب مساعد من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون والشرطة دفعتي 2008 و 2009، واشترط البند (ثانيا) من الإعلان ألا يزيد عمر المتقدم على (27) عامًا في تاريخ آخر موعد لتقديم الطلبات وهو يوم 11/8/2010، ونظرًا لأن عمر الطاعن فى هذا التاريخ يزيد على 27 عامًا، فقد امتنعت اللجنة المشكَّلة لتسليم الملفات عن تسليمه ملفًا ليتسنى له التقدم لشغل الوظيفة المعلَن عنها، مما حداه على التظلم من ذلك، وقُيِّدَ تظلمه برقم 1894 (وارد) بتاريخ 9/10/2010، إلا أنه لم يتلق ردا على تظلمه.

وأضاف الطاعن أنه التحق ابتداءً بعد حصوله على الثانوية العامة عام 1998 بكلية الطب البشري، ثم التحق خلال فترة الامتياز في العام الجامعي 2005/2006 بكلية الحقوق جامعة المنوفية، وحصل على ليسانس الحقوق عام 2009 بتقدير تراكمي جيد بمجموع 77,2%، ويعمل حاليا طبيبًا بشريا، وبذلك فإنه يستحق التشجيع للانضمام إلى صفوف رجال القضاء، وأن القرار الطعين فيما تضمنه من تحديد حدٍّ أقصى لسن المتقدِّم لشغل الوظيفة المعلَن عنها يتعارض مع أحكام المادة (73) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، ويخلُّ بقاعدة المساواة بين المراكز القانونية، وخلص الطاعن إلى طلباته المبينة سالفًا.

وأعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق. وخلال مرحلة تحضير الطعن قدم الطاعن حافظتي مستندات من بين ما اشتملتا عليه صورة من التظلم المقدَّم منه إلى المطعون ضده الثالث بتاريخ 9/10/2010، وشهادة ميلاده، والشهادات الجامعية التى حصل عليها.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسبَّبًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن المصروفات عدا الرسوم.

ونظرت المحكمة الطعن بجلسة 4/6/2011 وما تلاها من جلسات، حيث قدم الطاعن حافظتي مستندات ومذكرتين صمَّم فيهما على طلباته، وقدم الحاضر عن الدولة حافظتي مستندات ومذكرة دفاع طلب فيها (أصليا) الحكم بعدم قبول الطعن شكلا لرفعه بعد الميعاد المقرر قانونًا؛ استنادًا إلى أن حقيقة طلبات الطاعن هي طلب إلغاء البند الثاني من الإعلان رقم 1 لسنة 2010 المتعلق بشرط السن، و(احتياطيا) برفض الطعن، وبجلسة 13/10/2012  قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوعين، وقد انقضى الأجل المضروب دون تقديم مذكرات، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

 بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

وحيث إن حقيقة ما يهدف إليه الطاعن -على وفق للتكيف القانوني الصحيح لطلباته- هو طلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تسليمه الأوراق اللازمة للتقدم لشغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة طبقًا للإعلان رقم 1 لسنة 2010، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها قبول أوراقه وتمكينه من إجراء المقابلة الشخصية لتقرير مدى أهليته لشغل الوظيفة المعلَن عنها.

وحيث إنه عن شكل الطعن، فإن القرارات السلبية بالامتناع لا تتقيد في الطعن عليها بميعادٍ مادام الامتناع مُستمِرًا، وإذ تقدَّم الطاعن إلى المطعون ضده الثالث بالتظلم الوارد برقم 1894 بتاريخ 9/10/2010، إلا أنه لم يتلق ردا على تظلمه، فبادر إلى إقامة الطعن الماثل بتاريخ 8/11/2010، فمن ثم فإنه يكون قد أقامه بمراعاة الإجراءات والمواعيد المقررة قانونًا، الأمر الذي تقضي معه المحكمة بقبول الطعن شكلا، ويضحى الدفع المبدى من الحاضر عن الدولة بعدم قبول الطعن لرفعه بعد الميعاد فى غير محله، تلتفت عنه المحكمة.

وحيث إنه عن موضوع الطعن، فإن قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، والمعدَّل بالقانون رقم 136 لسنة 1984، ينص فى المادة (73) على أنه: “يُشترط فيمن يُعيَّن عضوًا فى مجلس الدولة:

(1) أن يكون مصريا متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة.

(2) أن يكون حاصلا على درجة الليسانس من إحدى كليات الحقوق بجمهورية مصر العربية… (3) أن يكون محمود السيرة حسن السمعة.

(4) ألا يكون قد حُكِم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمرٍ مخلٍّ بالشرف، ولو كان قد رُدَّ إليه اعتباره. (5)…

(7) ألا تقل سن من يُعيَّن مستشارًا بالمحاكم عن… ولا تقل سن من يُعيَّن مندوبًا مساعدًا عن تسع عشرة سنة”.

وحيث إنه من المستقر عليه أنه يجوز بوجه عام للسلطة المختصة أن تضع ضوابطَ وشروطًا إضافية للتعيين فى الوظائف العامة، بشرط أن تتسم تلك الضوابط والشروط بالعمومية والتجريد، وألا تكون مخالفةً لأحكام القانون، وأن تكون معلومةً لأصحاب الشأن؛ لتحديد مراكزهم القانونية فى ضوئها، وحتى يكونوا على بينةٍ من أمرها.

وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن استيفاء المرشحين للاشتراطات العامة للوظيفة القضائية يعد مسألة قانونية تخضع لرقابة القضاء؛ للتأكد من مراعاة الجهة الإدارية للتطبيق السليم للقانون، واحترامها لتعهداتها واشتراطاتها التى وضعتها بنفسها لنفسها، وأفصحت عنها لجميع المتقدمين؛ احترامًا لمبدأ المساواة أمام الوظائف العامة، فإذا ما أفصحت الجهة الإدارية عن إرادتها فى شغل إحدى الوظائف القضائية، ووضعت لها شروطًا محدَّدة، وجب عليها أن تلتزم بالقواعد التى وضعتها، وأعلنت جميع المواطنين بها، فلا يتقدم للجنة المشكَّلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظيفة القضائية إلا من توفرت فى حقه الاشتراطات التى أعلنت عنها، وإلا تكون قد وقَعَت فى غلطٍ يؤثر فى تكوينها لعقيدتها، وتفقد القرارات الصادرة عنها ركنًا من أركانها هو ركن الإرادة، وإذا أُعطِيَ للإدارة في شتى مجالاتها سلطةٌ تقديرية واسعة في وضع الشروط التي تراها مناسبة لشغل الوظيفة القضائية، فإن إعلانها لتلك الشروط يفرغ سلطتها التقديرية في قاعدة تنظيمية تتيح لكل من استوفى الشروط المعلَن عنها أن يتقدَّم لشغل الوظيفة، ويحظر على من افتقدها أو أخطأها التقدم لها، وتكون سلطة الإدارة في هذا الشأن سلطةً مقيَّدة، لا تملك في شأنها تقديرًا، أو تترخص فيه بأي تجاوزٍ أو استثناء، فإذا تجاهلت الإدارة تلك الشروط، أو أغفلت إحداها عند قبول المرشحين أو النظر فى تعيينهم، أضحى قرارها مخالفًا للقانون. (حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 11540 لسنة 49 ق. عليا بجلسة 3/12/2006).

وحيث إنه على هديِ ما تقدَّم، ولما كان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قد أعلنت بتاريخ 14/7/2010 عن قبول طلبات التعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون والشرطة عامي 2008/2009، طبقًا للشروط التى تضمنها الإعلان رقم 1 لسنة 2010، ومن بينها الشرط رقم 2 الذي ينص على ألا يزيد عمر المتقدِّمين على 27 سنة في تاريخ آخر موعدٍ لتقديم الطلبات، وهو يوم 2/9/2010، وقد تقدَّم الطاعن إلى اللجنة المختصة لتسليمه الأوراق اللازمة للتقدم لشغل الوظيفة المعلَن عنها؛ باعتبار أنه حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة المنوفية عام 2009، بتقدير تراكمي جيد بنسبة مئوية 77,02%، فامتنعت اللجنة عن ذلك؛ استنادًا إلى أن الطاعن من مواليد 2/2/1982، وأن عمره فى تاريخ آخر موعدٍ لتقديم الطلبات يزيد على 27 عامًا.

وحيث إن الهيئات القضائية جميعها قد درجت على تضمين الإعلانات عن شغل أدنى الوظائف القضائية شرطًا يتعلق بالحد الأقصى لعمر المتقدم لشغل الوظيفة، وهذا الشرط يفرضه واقع الحال وطبيعة العمل القانوني والقضائي، وضرورة الاستثمار الأمثل للقاضي؛ باعتبار أن الملكات والخبرات القانونية والقضائية تتكون على مر السنين عامًا بعد عام، وأن انخراط القاضي في العمل في سن مبكرة يسمح بتكوين تلك الملكات، والاستفادة من أكبر قدرٍ ممكن من خبراته التراكمية التي تكونت على مدار السنين.

وحيث إن الضرورة قد تقتضي تدرج الحد الأقصى لعمر المتقدم لشغل الوظيفة القضائية بالزيادة أو النقصان فى حدود معينة، وذلك بمراعاة مدى قرب أو بعد الإعلان عن شغل الوظيفة من سنة التخرج المستهدَف خريجوها بالتعيين، فإن كان الإعلان عن شغل الوظيفة القضائية عقب التخرج بفترة وجيزة، تمَّ النـزولُ بالحد الأقصى لعمر المتقدم لشغل هذه الوظيفة، وإلا تمَّ زيادتُه بما يعادل الفترة ما بين سنة التخرج وتاريخ الإعلان عن شغل الوظيفة.

وحيث إن الثابت من الأوراق أن عمرَ الطاعن فى تاريخ آخر موعد لتقديم الطلبات، وهو يوم الخميس الموافق 2/9/2010، يبلغ ثمانية وعشرين عامًا وسبعة أشهر، وبذلك فإنه يتخلف بشأنه أحد الشروط اللازمة للتقدم لشغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة طبقًا لما تضمنه الإعلان رقم 1 لسنة 2010 المشار إليه، ويكون القرار الطعين قد صدر مُطابقًا لحكم القانون وصحيح الواقع، ويضحى الطعن غير قائم على سندٍ خليقًا برفضه.

وحيث إن الطعن مُعفى من الرسوم طبقًا لحكم المادة (104) من قانون مجلس الدولة المشار إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا.

([1]) راجع كذلك ما قررته المحكمة الإدارية العليا في شأن شرط السن بالنسبة للتعيين في أدنى الوظائف القضائية بحكمها الصادر بجلسة 31/8/2015 في الطعن رقم 26623 لسنة 59 القضائية (عليا)، حيث انتهت إلى أن تحديد سن الثلاثين كحد أقصى للمتقدم لشغل وظيفة (مندوب مساعد) بهيئة قضايا الدولة يأخذ في الاعتبار تاريخ التخرج، وما يمضيه الطالب من سنوات دراسية في مراحل التعليم= =المختلفة، واختلاف سنوات الدراسة بين كليات الحقوق والشريعة والقانون، وما قد يعتري الطالب من عوارض طبقا لمألوف العادة والمجرى العادي للأمور، دون التفات إلى الحالات الشاذة التي لا تصلح معيارا أو أساسا يقاس عليه.

وراجع حكمها الصادر بجلسة 28/6/2014 في الطعن رقم 25318 لسنة 59 القضائية (عليا)، حيث بينت المحكمة أنه باستعراض نص المادة (73) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 يبين أنه وإن اشترط حدا أدنى لسن من يعين في وظيفة (مندوب مساعد) إلا أنه خلا من وضع حد أقصى لسن التعيين في هذه الوظيفة، إذ إن وضع حد أقصى للسن -تعميما- ينطوى على حرمان لصاحب الشأن من الانضمام إلى نقابة أو وظيفة عامة، وإذا كانت هناك جهات تتطلب سنا أو تكوينا معينا لأعضائها منذ بداية التعيين، فإن تنظيم ذلك لا ينبغي أن يتخذ -تحكما من طرق تحديد شرط السن- مدخلا لمصادرة حق العمل في تلك الوظائف. وإنه ولئن ساغ لجهة الإدارة في ضوء هذا التوجه أن تضع من الضوابط ومن الشروط ما تراه مناسبا لشغل الوظائف الخالية بها، بحسبانها القوامة على المرافق العامة، ومن بين هذه الضوابط: الحد الأقصى لسن التعيين بهذه الوظائف، إلا أن مناط قبول هذه الشروط ألا تخالف الدستور والقانون، وألا تجافي طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها، وألا تهدر أو تمس الأصول المقررة من مساواة للمراكز القانونية والتمكين لتكافؤ الفرص بينها، وإلا استحالت تعسفا بالسلطة، وانحرافا بالرخصة الموسدة إليها في هذا الشأن، وتطبيقا لذلك فإن جهة الإدارة إذا اشترطت سنا معينة لتعيين خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون في وظيفة (مندوب مساعد) فإنها في مجال تحديد هذه السن يجب أن تراعي المدة المعقولة لتخرج الطالب العادي، بما عسى أن يعتري أو يعترض مساره التعليمي خلال سني دراسته طبقا لمألوف العادة من عوارض أو عوائق، كالتحاقه بالدراسة بعد تجاوز سن الإلزام ولو بأشهر، ذلك أنه إذا لم يكمل سن الإلزام (ست سنوات) ولو بأيام حال تقدمه لأول مرة قد لا يقبل في المرحلة الابتدائية إذا لم تسعفه فسحة الكثافة طبقا لقانون التعليم، فإذا ما التحق في العام الدراسي التالي تكون سنه قد قاربت السبع السنوات، بل إن نظام التعليم بالأزهر يقبل فيه التلميذ بالسنة الأولى بالمعاهد الابتدائية حتى سن تسع سنوات طبقا لحكم المادة (49) من اللائحة التنفيذية لقانون إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، كما أنه قد يعرِض للطالب موجبٌ لتأجيل الامتحانات أو الإعادة= =لها خلال مراحل دراسته لمرض أو نحوه من الأعذار الجائزة قانونا مما يزيد من عمره عند التخرج، هذا فضلا عن أن هناك اختلافا في سنوات الدراسة بين التعليم العام والتعليم الأزهري، ومن ثم فإذا ما غضت جهة الإدارة الطرف عن هذه العوارض أو الظروف أو الملابسات حال إعمال سلطتها في وضع الحد الأقصى لسن التعيين، جاء هذا التحديد مجافيا طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها مجافاةً تُلحق قرارَها محظورَ التجاوزِ في استخدام السلطة، وضربا للصفح عن حدودها المقررة، بعد إذ نأت بجانبها عن مألوف العادة أو المجرى العادي للأمور في هذا الشأن.

وانتهت المحكمة إلى أنه لما كان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قد اشترطت لقبول التقدم لوظيفة (مندوب مساعد) من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون والشرطة دفعة 2012 الحاصلين على تقدير (جيد) على الأقل ألا تجاوز سن المتقدم 25 سنة كحد أقصى، في حين أنه بمراجعة متأنية لسن الطالب ومدة دراسته خلال المراحل الدراسية في ضوء الأحكام المتقدمة فإنها (أي السن) لن تقل عند التخرج عادة عن 22 سنة بالنسبة للتعليم العام، و23 سنة بالنسبة للتعليم الأزهري، هذا بخلاف ما قد يستتبعه من زيادة لقاء ما يتعرض له الطالب على النحو المتقدم طبقا لمألوف العادة بحيث تزيد في كل من نوعي التعليم مددا قد تصل إلى سنة أو سنوات، ومن ثم فإن جهة الإدارة إذ أعلنت في العام التالي (أي سنة 2013) لتخرج الطالب (سنة 2012) أي بعد انقضاء زهاء العام على التخرج عن قبول التقدم لتلك الوظيفة، مشترطة ألا تزيد السن على 25 سنة، غافلة عن الظروف والعوارض المتقدم ذكرها، فإن هذا التحديد يضحى مجافيا طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها وواقعها، مما يصمه بمخالفة القانون. فضلا عن أن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة ومن واقع إعلاناتها عن شغل وظيفة (مندوب مساعد) للأعوام 2009 و2010 و2011 و2012 قد تذبذبت وتقلبت في شرط السن ترددا بين 25 و27 و28 سنة، دون ثبات على معيار أو ضابط واحد، بل إنها بعد تحديدها شرط السن بخمسة وعشرين عاما كحد أقصى، عادت بالنسبة لخريجي سنة 2013 وفي الإعلان رقم 1 لسنة 2014 واشترطت ألا تزيد سن المتقدم على 27 سنة، بما ينحل تمييزا تحكميا وإهدارا لمبدأ مساواة ذوي المراكز القانونية المتماثلة من حيث كونهم خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون من حملة شهادة الليسانس، حيث تبسط جهة الإدارة لإحدى الدفعات في السن حتى تبلغ 28 عاما، وتقبض في الشروط نفسها بالنسبة لدفعة أخرى حتى=  =تهبط به إلى خمسة وعشرين عاما، موصدة دون هذه الدفعة بابا أوْسَعته لسابقتِها أو لاحقتِها، ومن ثم تمنح وتمنع فرصة التقدم للوظيفة لسبب السن دون ضابط أو معيار من واقع أو منطق أو عدل، بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص المصون دستوريا. يضاف إلى ما تقدم أن جهة الإدارة في تقريرها الحد الأقصى لشرط السن المطعون فيه تبدو كمن يسلك في هذا الشأن دربا مغايرا لذلك الذي سلكته إجماعا الهيئات القضائية الأخرى، إذ تفصح الإعلانات الصادرة عن كل من النيابة العامة وهيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة عن أن الحد الأقصى لسن المرشح ثلاثون سنة، فإذا ما انفردت الجهة الإدارية المطعون ضدها (مجلس الدولة) دون غيرها من الهيئات القضائية بتحديد سن المرشح على النحو المتقدم (25 سنة) دون سند من منطق أو قانون، فإن قرارها المطعون فيه يكون قد أدركه وجه آخر من أوجه الإخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص. وفوق ما تقدم جميعه فإن ذلك التحديد يلامس حد الإهدار لحق العمل بحسبانه أحد الأصول التي ما انفكت الدساتير المتعاقبة تقررها وتكفلها، وهو ما يذر القرار المطعون فيه مخالفا القانون مستوجب الإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام جهة الإدارة تسليم الطاعن ملف الترشيح اللازم للتقدم لشغل وظيفة مندوب مساعد طبقا للإعلان، وقبول أوراقه، واستكمال إجراءات تعيينه.

– وفيما يتعلق بشرط السن في تعيين أعضاء هيئات التدريس بالجامعات ومعاونيهم ونظرائهم، اختلفت أحكام المحكمة الإدارية العليا على اتجاهين:

(الاتجاه الأول) ذهبت فيه الدائرة السابعة في حكمها الصادر بجلسة 27/12/2009 في الطعن رقم 9224 لسنة 54 القضائية عليا (غير منشور) إلى مشروعية وضع حد أقصى للسن بالنسبة لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات ومعاونيهم، وبينت أن القواعد التنظيمية العامة التى تضعها جهة الإدارة يتعين أن تكون متسمة بطابع العمومية والتجريد، وتكون بمثابة اللائحة أو القاعدة القانونية الواجبة التطبيق في حدود ما صدرت بشأنه، وتلتزم جهة الإدارة بمراعاتها عند التطبيق على الحالات الفردية ما لم يصدر تعديل أو إلغاء لها بالأداة نفسها، وانتهت إلى أن قرار مجلس الجامعة بالموافقة على ما قرره مجلس العمداء بالجامعة بشأن ما يشترط فيمن يعين عضوا بهيئة التدريس من الجامعة أو من خارجها (ومن بين هذه الشروط شرط السن عند التعيين) تعد ضوابطَ وشروطا مشروعة للتعيين في وظائف هيئة التدريس= =بكليات الجامعة، ولا تشكل مخالفة لأحكام القانون، مادام أن هذه الضوابط والشروط قد أملتها دواعي المصلحة العامة لتعيين أفضل العناصر في وظائف هيئة التدريس بالجامعة، فضلا عن كونها تتسم بالعمومية والتجريد. وانتهت المحكمة إلى مشروعية تحديد سن الأربعين كحد أقصى فيمن يتقدم لشغل وظيفة (مدرس) بالجامعة.

(الاتجاه الثاني) انتهت الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3089 لسنة 58 القضائية (عليا) بجلسة 14/6/2015 (قيد النشر ضمن مجموعة السنة 60 مكتب فني عليا) إلى أن قرار رئيس الجامعة بشأن تطبيق شروط وقواعد المفاضلة الخاصة بتعيين (المدرسين) من الخارج، الذي فَرَض حدا أقصى لسن المتقدِّمين لشغل وظائف هيئة التدريس بالجامعات المخاطَبَة بأحكام قانون تنظيم الجامعات، بألا يزيد على أربعين عاما في تاريخ الإعلان، قد أفرد تنظيما خاصا للمُفاضلة بينهم، يخل بالركائز التي تقوم عليها الشريعة العامة للتوظُّف، ويمايز على غير أسس موضوعية بينهم وبين أقرانهم في الوظائف العامة المخاطَبَة بأحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة، فيكون متبنيا تمييزا تحكميا مخلا بمبدأ المساواة أمام القانون الذي ردَّدته الدساتير المصرية المتعاقبة، كافلة تطبيقه باعتباره أساس العدل والحرية، وهو ما يغدو معه هذا القرار صادرا بالمخالفة لأحكام القانون فيما يتعلَّق بتحديد حد أقصى للسن في شغل وظائف أعضاء هيئة التدريس بالجامعات.

وبينت المحكمة أن الأصل في التعيين في وظائف هيئة التدريس بالجامعات أن يكون من خلال الاشتراطات الأساسية العامة التي انتهجها المشرِّع في قانون تنظيم الجامعات، والتي يُقتَفَى وجودها من طبيعة الكادر الخاص لتلك الوظائف وما يتطلبه من آفاق علمية وبحثية وتعليمية، وهو ما ينضح به وصف كل وظيفة منها وتصنيفها وترتيبها وتحديد واجباتها ومسئولياتها اللازم توفرها فيمن يشغلها وتقييم أدائها؛ لذا فإن مبدأ إجازة المشرِّع في قانون تنظيم الجامعات لمجلس الجامعة المختص إضافة شروط أخرى إلى الشروط العامة المبينة في هذا القانون حال الإعلان عن الوظائف الشاغرة في هيئة التدريس -دون وظائف الأساتذة-، وبناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص، هو مبدأ استثنائي يجب أن تُفسَّر معه طبيعة هذه الشروط الإضافية على نحو مُستَلهَم من نسيج الشروط العامة التي أنزلها ابتداء في القانون، وامتدادا لها، فلا يجب أن تخرج هذه الشروط الجديدة عن جوهر الكادر الخاص=  =لتلك الوظائف وما يتطلبه من تفوُّق علمي وبحثي، وأن تدور في فلك أحكام المنظومة التشريعية المصرية مجتمعة بأهدافها وغاياتها، وبما لا يخالف القانون ومبادئ الشريعة العامة في وظائف الخدمة المدنية؛ باعتبارها المَرجعية العامة لقوانين التوظُّف في المَنظومة التشريعية المصرية فيما لم يرد بشأنه نص خاص، والمكمِّلة لما سكتت عنه قوانين التوظُّف الخاصة في شروط تعيين المخاطبين بأحكامها؛ إذ لو كانت إرادة المشرع تتجه نحو وضع ضوابط مُغايرة لمعايير المفاضلة في التعيين في وظائف هيئة التدريس عن تلك الواردة في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، لكان نص عليها في قانون تنظيم الجامعات، خاصة أن اشتراطات التعيين في وظيفة (معيد) التي نص عليها المشرع في القانون نفسه لم تتضمن أدنى معايير مختلفة للمُفاضلة بين المتقدِّمين، أَمَا وقد سكت هذا التشريع الخاص عن ذلك، فإن الأجدى قانونا اللجوء إلى الضوابط التي أنزلتها الشريعة العامة في الوظائف المدنية، وإذا فقدت هذه الشروط الإضافية الموضوعة من قِبل الجهة الإدارية متطلبات وظائف هيئة التدريس وتعدَّتها إلى الشروط الوظيفية العامة، فإنه يتعيَّن العودة في هذا المقام إلى الضوابط والمعايير التي أنزلها قانون نظام العاملين المَدنيين بالدولة لكونه الشريعة العامة في وظائف الخدمة المدنية، وإلا أضحى قرار الجهة الإدارية مخالفا للقانون، مُستحِقا للإلغاء.

هذا وقد قررت الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 19/2/2017 إحالة الطعن رقم 33166 لسنة 59 القضائية (عليا) إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة، لترجح أيا من الاتجاهين فيما يخص اشتراط حد أقصى للسن في الإعلان عن شغل وظائف هيئات التدريس بالجامعات ومعاونيهم، وبجلسة الأول من يوليو سنة 2017 قضت هذه الدائرة بمشروعية تحديد الجامعة عند الإعلان عن وظائف أعضاء هيئة التدريس والوظائف المعاونة بكليات الجامعة حدا أقصى لسن المتقدم لشغل تلك الوظائف, عدا وظيفة (أستاذ)، مبينة أن الإعلان كطريق من طرق شغل هذه الوظائف يجب أن يكفل تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص, والمنافسة العادلة بين المستوفين لشروط شغلها, وهو ما يتعين معه أن تكون الغاية من الشروط التي تضيفها جهة الإدارة هي تحقيق المصلحة العامة, وكفالة حسن سير العمل في المرفق الذي تقوم عليه, وأن تكون هذه الشروط متصفة بالعمومية والتجريد, ومتفقة وما تمليه الوظيفة المعلن عنها, ومحققة مصلحتها, وألا تجافي طبائع الأشياء ومنطقها وعدلها، وبينت أن مشروعية تضمين الإعلان عن الحاجة إلى شغل وظائف أعضاء هيئة التدريس والوظائف المعاونة (عدا وظيفة أستاذ) شرطا بالحد= =الأقصى لسن المتقدم لشغل أي من هذه الوظائف، يتوقف على مضمون هذا الشرط، إذ يجب أن يكون هذا التحديد على وفق قواعد موضوعية منضبطة, من خلال اختيار سن متوازن كحد أقصى يراعى في تحديده بالنسبة لأدنى الوظائف (وظيفة معيد) السن المعتاد للحصول على المؤهل اللازم لشغل الوظيفة, في ضوء الظروف الواقعية من سنوات الدراسة، مراعيا ما عساه يعترض الطالب العادي من عقبات تؤخر حصوله على المؤهل, ويراعى في تحديده أيضا أنه يجوز قانونا شغل هذه الوظيفة بطريق التكليف من بين خريجي آخر سنتين دراسيتين, مما يقتضي أخذ السن المعتاد لمن عساه يكلف بذلك في الاعتبار، أما بالنسبة للوظائف الأعلى بدءا من (مدرس مساعد) وما يعلوها, فيراعى في ذلك السن المدة المعتادة للحصول على التأهيل العلمي, واستيفاء الشروط اللازمة لشغل الوظيفة الأعلى بحسب السير العادي للأمور، وأوضحت الدائرة أن من القواعد الموضوعية بالنسبة إلى جميع الوظائف المشار إليها أن يؤخذ بعين الاعتبار إتاحة السبيل لمن يقع عليه الاختيار لقضاء فترة معقولة للعمل بالجامعة تسمح له باكتساب الخبرات التراكمية التي تتكون لشاغلي تلك الوظائف على مدار سنوات عملهم, وأن يؤخذ كذلك بعين الاعتبار أن أعضاء هيئة التدريس سوف يتناوبون فيما بينهم في شغل المناصب الإدارية بالأقسام والكليات, وهو ما يقتضي تجنب التفاوت العمري المبالغ فيه بين شاغلي الوظيفة الواحدة من هذه الوظائف.

لكن فيما يتعلق بالتكليف في وظائف المعيدين: بينت الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في الطعن رقم 10323 لسنة 56 القضائية (عليا) بجلسة 24/11/2013 (قيد النشر بمجموعة السنة 59 مكتب فني) أن التكليف طريق استثنائي لشغل تلك الوظائف، وقد أجازه المشرع بشروطٍ أربعة: (أولها) أن يكون المكلف متخرجًا في الكلية نفسها، و(ثانيها) أن يكون من خريجي السنتين السابقتين مباشرة على سنة التعيين، و(ثالثها) أن يكون حاصلا على تقدير جيد جدًّا في التقدير العام، و(رابعها) أن يكون حاصلا في مادة التخصص على تقدير جيد جدًّا، وبذا فإن المشرع يكون قد حدد حصرًا شروط التكليف وضوابطه، دون أن يمنح مجلس الجامعة سلطة وضع شروط إضافية كما هي الحال بالنسبة للتعيين في تلك الوظائف بطريق الإعلان، حيث أجاز لمجلس الجامعة وضع شروط إضافية= =بالإضافة إلى الشروط العامة المبينة في القانون؛ ومن ثم فلا تجوز إضافة شرط (عدم تجاوز سن محددة) أو شرط (عدم مضي مدة معينة على التخرج) إلى شروط التكليف الواردة حصرًا في القانون.

أما الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فقد كان لها اتجاهان كذلك فيما يتعلق بشرط السن في تعيين أعضاء هيئات التدريس ومعاونيهم بالجامعات:

(الاتجاه الأول) ذهبت الجمعية في فتواها رقم 178 بتاريخ 14/5/2011 بجلسة 19/1/2011، ملف رقم 86/3/1101، إلى أنه وإن أجاز المشرع لمجلس الجامعة بناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد وبعد أخذ رأي مجلس القسم المختص، أن يُضَمِّن الإعلان بالنسبة لوظائف المدرسين والأساتذة المساعدين اشتراط شروط معينة وخاصة تتطلبها طبيعة الوظيفة، بالإضافة إلى الشروط العامة المبينة في قانون تنظيم  الجامعات، فإنه يشترط أن يكون مسلك الجامعة خاليا من إساءة استعمال السلطة، أو التمييز بين   أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، وانتهت الجمعية إلى عدم مشروعية اشتراط حد أقصى لعمر المتقدم لشغل وظيفة (مدرس) هو 45 سنة؛ لأن هذا ينطوي على تمييز منهي عنه بين المؤهلين لشغل هذه الوظيفة، ولأن هذا الشرط يفتقد للأسس الموضوعية، وغير مستمد من طبيعة أو احتياجات الوظيفة المعلن عنها.

(الاتجاه الثاني) ذهبت الجمعية في فتواها رقم 509 بتاريخ 9/3/2017 بجلسة 8/2/2017، ملف رقم 86/4/1868، إلى أن الإعلان كطريق من طرق شغل وظائف أعضاء هيئات التدريس ومعاونيهم يكفل تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، وضمان المنافسة العادلة بين المستوفين لشروط شغل الوظائف المعلن عنها كإطار عام لا يجوز تجاوزه، وهو ما يتعين معه أن تكون الغاية من الشروط التى تُضيفها جهة الإدارة عند الإعلان عن حاجتها لشغل تلك الوظائف –على وفق السلطة التقديرية المخوَّلة لها قانونا فى هذا الشأن– هي تحقيق المصلحة العامة، وكفالة حسن سير العمل فى المرفق الذى تقوم عليه، وأن تكون هذه الشروط متصفة بالعمومية والتجريد، لا أن تكون شروطًا منطوية على تمييز منهي عنه، أو إخلال بالمساواة، أو بتكافؤ الفرص، وهي الأمور المكفولة بنص الدستور للمواطنين جميعًا عند التنافس على شغل الوظائف العامة بوصفها حقا لهم، كما يلزم أن تكون تلك الشروط متفقة وما تمليه الوظيفة المعلن عنها ومحققة مصلحتها، فضلا عن عدم مخالفتها أحكام الدستور والقانون، وألا تجافي طبائع الأشياء ومنطقها= =وعدلها، وإلا استحالت عسفًا بالسلطة المخولة، وانحرافًا بها فى هذا الشأن. ولاحظت الجمعية أن مشروعية تضمين الإعلان عن الحاجة إلى شغل وظائفِ أعضاء هيئة التدريس -عدا وظيفة أستاذ- وكذا الوظائفِ المعاونة، شرطًا بالحد الأقصى لسن المتقدم لشغل أي من هذه الوظائف، والذي يمتنع حال تجاوزه التقدم للمنافسة على شغلها، يتوقف على مضمون هذا الشرط، إذ يتعين ألا يكون تحديد هذه السن تحكميا، فيجري النزول به نزولا غير مبرر، على نحو يفوت الفرصة على المستوفين لشروط شغل الوظيفة المعلن عنها بحسب المجرى العادي للأمور، وهو ما يشكل إهدارًا لمبدأ تكافؤ الفرص، وإخلالا بالحق في تولي الوظائف العامة، بل يجب أن يكون هذا التحديد على وفق قواعد موضوعية منضبطة، غايتها فتح الباب -قدر الإمكان- للراغبين في شغل الوظيفة من المستوفين للشروط المقررة لشغلها للتزاحم على الفوز بها، من خلال اختيار سن متوازن كحد أقصى يراعى في تحديده بالنسبة إلى أدنى الوظائف (وهي في الحالة  المعروضة وظيفة معيد) السنُّ المعتادة للحصول على المؤهل اللازم لشغل الوظيفة، فى ضوء الظروف الواقعية، من سنوات الدراسة، مراعيا فى ذلك ما عساه يعترض الطالب العادي من عقبات تؤخر حصوله على هذا المؤهل، على وفق السير المعتاد للأمور، ويراعى فى تحديده أيضًا بالنسبة لهذه الوظيفة أنه يجوز قانونًا شغلها بطريق التكليف من بين خريجي آخر سنتين دراسيتين مما يقتضي أخذ السن المعتاد لمن عساه يكلف بذلك في الاعتبار؛ بغية تجنب التفاوت غير المنطقي بين شاغلي هذه الوظيفة في السن، أما بالنسبة للوظائف الأعلى، بدءًا من مدرس مساعد وما يعلوها، فيراعى في ذلك: السنُّ التي يتم تحديدها فى ضوء ما سبق بيانه، والمدة المعتادة للحصول على التأهيل العلمي، واستيفاء الشروط اللازمة لشغل الوظيفة الأعلى، بحسب السير العادي للأمور، كما أن من تلك القواعد الموضوعية بالنسبة إلى جميع الوظائف المشار إليها أن يؤخذ بعين الاعتبار إتاحة السبيل لمن يقع عليه الاختيار لقضاء فترة معقولة بالعمل بالجامعة تسمح له باكتساب الخبرات التراكمية التى تتكون لشاغلي تلك الوظائف على مدار سنوات عملهم، حتى يمكن الاستفادة من هذه الخبرات؛ باعتبار أن الملكات والخبرات في مجال البحث العلمى والتدريس تتكون وتتراكم على مر السنين عامًا بعد عام، وهو ما اتجهت إليه إرادة المشرع في قانون تنظيم الجامعات بما قرره من أن الأصل بالنسبة للتعيين في وظائف أعضاء هيئة التدريس أن يكون من شاغلي الوظيفة التي تسبقها في الكلية نفسها، أو المعهد، والاستثناء هو شغلها عن طريق الإعلان، وأن= =يؤخذ كذلك بعين الاعتبار أن أعضاء هيئة التدريس في الكلية أو المعهد سوف يتناوبون فيما بينهم فى شغل المناصب الإدارية بالأقسام والكليات، وهو ما يقتضي تجنب التفاوت العمري المبالغ فيه بين شاغلي الوظيفة الواحدة من هذه الوظائف؛ إذ الأصل على وفق المعتاد أن يكون الأكبر سنا هو الأعلى وظيفةً، أو الأقدم فيها.

– وفيما يتعلق بالتعيين في الوظائف الحرفية انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في فتواها رقم 150 بجلسة 17/1/1990 بتاريخ 30/1/1990، ملف رقم 86/6/403، إلى أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978) قد خول الوحدات المخاطبة بأحكامه وضع الاشتراطات اللازم توفرها فيمن يشغل الوظائف الواردة بجداولها، وبما يتفق وطبيعة أعمال تلك الوظائف، ومن المسلم به أن أعمال وظائف المجموعة الحرفية تتميز بطبيعة خاصة وتتطلب فيمن يشغلها درجة معينة من التيقظ والتبصر حفاظا على سلامته، كما تتطلب أيضا قدرة بدنية معينة على الاضطلاع بها، فإذا قدرت الجهة الإدارية أن من تتوفر فيه هذه المواصفات والمقومات ينبغي ألا تزيد سنه عند التعيين على 40 سنة، وألا تقل عن 20 سنة، وكانت هذه السن بحديها الأدنى والأقصى تتفق وطبيعة أعمال تلك الوظائف على النحو المبين سالفا،كما تقع في نطاق الحدود المقررة قانونا، إذ حدد  القانون المذكور الحد الأدنى لسن التعيين بستة عشر عاما، وحدد سن إنهاء الخدمة بسن الستين، ولما لم يكن في هذا الشرط ما ينافي أحكام ذلك القانون أو يخالف القواعد المتعلقة بالنظام العام، فمن ثم يعد شرطا مشروعا، مادام أن جهة الإدارة قد تغيت به وجه المصلحة العامة، وقد جاء في صورة عامة مجردة. ولا يغير من ذلك القول بأن هذا الشرط ينطوي على إهدار لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في شغل الوظائف العامة؛ ذلك أن الإخلال بمبدأ المساواة لا يقع إلا في حالة التمييز بين المواطنين المتحدين في الظروف والمراكز القانونية بسبب النوع أو الجنس أو اللون أو العقيدة، وهو ما لم يتحقق في الحالة المعروضة، والأمر كذلك بالنسبة لتكافؤ الفرص؛ إذ إنه لا حظر على التقدم لشغل الوظائف العامة لكل من تتوفر فيه الشروط المتطلبة لشغلها، فالجميع متساوون في شغل تلك الوظائف على وفق الشروط المقررة. =

 =- وفيما يتعلق بالمهن الحرة: يراجع ما قررته المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 38 لسنة 17 القضائية (دستورية) بجلسة 18/5/1996، في دعوى تدور حول تقدم أحد خريجي كلية الحقوق بطلب لقيده بجدول المحامين تحت التمرين، وقد رفض هذا الطلب استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة (21) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 التى تشترط للقيد بهذا الجدول ألا يجاوز سن الطالب خمسين عاما وقت تقديم طلب القيد، حيث انتهت المحكمة إلى القضاء بعدم دستورية هذه الفقرة، وأكدت في حكمها أن ما نص عليه الدستور من اعتبار العمل حقا، مؤداه ألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضا لفحواه، وأن يكون فوق هذا اختيارا حرا، والطريق إليه محددا على وفق شروط موضوعية مناطها ما يكون لازما لإنجازه، متوخيا دوما تطوير أنماط الحياة وتشكيلها فى اتجاه التقدم، معززا ببرامج رائدة تزيد من خبرة العامل وتنميها، وتكفل خلق مناخ ملائم، يكون العمل فى إطاره إسهاما وطنيا وواجبا.        

وبينت أن الشروط التي يتطلبها المشرع لمزاولة حرفة أو مهنة بذاتها لا يجوز تقريرها بعيدا عن متطلبات ممارستها، بل يتعين أن ترتبط عقلا بها، وأن يكون فرضها لازما لأداء المهمام التى تقوم عليها، كامنا فيها، ملتئما مع طبيعتها، منبئا عن صدق اتصالها بأوضاعها، وإلا كان تقرير هذه الشروط انحرافا عن مضمونها الحق، والتواء بمقاصدها، وإرهاقا لبيئة العمل ذاتها، وما ينبغى أن يهيمن عليها من القيم التى تعلو العمل ولا تخل بطبيعة الشروط التى يقتضيها، وبوجه خاص كلما دل تطبيقها على مناهضتها لتكافؤ الفرص أو تمييزها فى التعامل دون مقتض بين المتزاحمين على العمل، أو إنكارها لحقهم فى الأمن، اجتماعيا أو اقتصاديا، أو إضرارها بالظروف الأفضل لضمان حريتهم وكرامتهم، أو عدوانها على الحق فى تدريبهم مهنيا. وإن ما قد ينص عليه المشرع من حرمان الأشخاص الذين جاوزوا سنا حددها من الالتحاق ببعض الأعمال لا يستقيم على إطلاق؛ ذلك أن من بين هذه الأعمال ما يتصل ببعض المهن الحرة التي تقتضى ممارستها جهدا عقليا صرفا من القائمين عليها، ولا شأن لها بمظاهر القصور فى قدراتهم البدنية وما يتصل بها عاطفيا وجسمانيا من تغيير يؤثر سلبا وعملا فى إمكاناتهم، فلا يكون شرط السن عندئذ مقبولا إلا إذا كان مبررا بطبيعة الأعمال التى يعهد إلى العامل بها ونطاق واجباتها ومسئولياتها، ليتحدد على ضوئها ما  إذا كان هذا الشرط فاعلا مؤئرا فيها أم منافيا لها وغريبا عنها، بما مؤداه أن الأصل هو ألا يكون شرط السن معتبرا، فإذا كان لازما لبعض الأعمال لزوما حتميا كان ذلك استثناء من هذا الأصل، يتعين أن= =يفسر في أضيق الحدود، وإلا صار حق العمل -وغيره من المزايا التى يرتبط بها كالحقوق التأمينية- ركاما، وَلَغَدَا شرط السن ذريعة لنقض الحق فى العمل، وهو حق لا يتقرر إيثارا، ولا يُمنح تفضلا على ما تنص عليه المادة 13 من دستور 1971، وما جرى به قضاء هذه المحكمة.

وأبانت المحكمة أنه ولئن جاز القول بأن تقدم العمر يحمل فى ثناياه مخاطر صحية لا يستهان بها ولا يمكن التنبؤ بزمن طروئها ولا بحدتها ومتاعبها ومضاعفاتها، إلا أن المهن الحرة التى تقتضي مزاولتها جهدا عقليا يتعين أن يكون النفاذ إليها متاحا لمن يطرقون أبوابها، لا يتقيدون فى ذلك بغير الشروط الموضوعية التي تؤهل لممارستها، والتى ينافيها شرط السن باعتباره مصادما لها دخيلا عليها، وهو ما يعني أن الشروط التى يتطلبها المشرع للقيد فى الجداول التى تنظم الاشتغال بالمهن الحرة (ومن بينها شرط السن) يتعين لإقرار مشروعيتها أن يقوم الدليل على اتصالها بطبيعة هذه المهن ذاتها، وما يكون لازما عقلا لممارستها مرتبطا بجوهر خصائصها، ولقد صار أمرا مقضيا أن الأمم على اختلافها تفقد كثيرا من مصادر الثروة اللازمة لتقدمها إذا أعيق عمالها -بناء على سنهم- عن النفاذ إلى الأعمال التى لا زالوا قادرين على النهوض بها، والتى يتكافأون فى إنجازها أو يمتازون فى أدائها عمن يمارسونها فعلا، ليفقد المبعدون عنها فرص عملهم، وليكون التمييز بين هؤلاء وهؤلاء مصادما للدستور، وهو ما يفيد أن شرط السن فى نطاق الأعمال الحرة كثيرا ما يكون مؤشرا واهيا في الدلالة على القدرة على ممارستها.

1 Comment

  1. […] (حكم المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية)، الطعن ر… […]

xnxxbf