مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الثالثة – الطعن رقم 21201 لسنة 53 القضائية (عليا)
يوليو 18, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة السادسة – الطعن رقم 8087 لسنة 48 القضائية (عليا)
يوليو 18, 2021

الدائرة الثالثة – دعويا البطلان الأصليتان المقيدتان برقمي46332 لسنة 56 القضائية (عليا) و2942 لسنة 57 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 25 من فبراير سنة 2014

دعويا البطلان الأصليتان المقيدتان برقمي46332 لسنة 56 القضائية (عليا)

و2942 لسنة 57 القضائية (عليا)

 (الدائرة الثالثة)([1])

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد عبد الحميد عبد اللطيف     

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد الراضي محمد، ومسعد عبد الحميد محمد، وجمال يوسف زكي علي، ومحمد محمد السعيد محمد. 

نواب رئيس مجلس الدولة                                

المبادئ المستخلصة:

(أ) دعوى– الطعن فى الأحكام– طعن الخارج عن الخصومة- طعن الخارج عن الخصومة في الحكم الصادر في المنازعات الإدارية بجميع أنواعها، بما فيها دعوى الإلغاء، غير جائز قانونا، سواء كان الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا فيما يطعن فيه أمامها من أحكام، أو أمام محكمة القضاء الإداري فيما يطعن فيه أمامها من أحكام طبقا للقانون- لذي الشأن أن يسلك طريق التماس إعادة النظر أمام المحكمة التي أصدرت الحكم([2]).

– المادة رقم (51) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

(ب) دعوى– دعوى البطلان الأصلية- مناطها- المحكمة الإدارية العليا تستوي على القمة في مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة، فلا يكون من سبيل لإهدار أحكامها إلا استثناء محضا بدعوى البطلان- في غير حالات البطلان المنصوص عليها في قانون المرافعات، يجب أن تقف هذه الدعوى عند الحالات التي تنطوي على عيب جسيم يمثل إهدارا للعدالة على نحو يفقد معه الحكم وظيفته، وبه تتزعزع قرينة الصحة التي تلازمه- إذا قام الطعن على أسباب موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله، فإن هذه الأسباب لا تمثل إهدارا للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته، ولا تصمه بأي عيب ينحدر به إلى درجة الانعدام، التي هي مناط قبول دعوى البطلان- يجب ألا ترتكز دعوى البطلان على أسباب موضوعية يكون مؤدى بحثها إعادة طرح موضوع النزاع من جديد على الدائرة التي تنظر الدعوى- دوائر المحكمة الإدارية العليا ليست محاكم طعن ورقابة على الأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الأخرى، ولا على الأحكام الصادرة عن الدائرة نفسها بالتشكيل نفسه أو بتشكيل مغاير([3]).

(ج) دعوى– دعوى البطلان الأصلية- ما لا يعد من حالاتها- الأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الإدارية العليا على خلاف مبادئ وأحكام أخرى صادرة عنها أو عن دوائر أخرى بالمحكمة، دون أن تستنهض ولاية الدائرة المشكلة طبقا لنص المادة (54) مكررا المشار إليها، هي أحكام صحيحة مطابقة للقانون، لم يعتورها أي عيب يفقدها صفتها كأحكام، أو يفقدها أحد أركانها الأساسية المتعين توفرها في الحكم([4]).

الإجراءات

– في يوم الثلاثاء 21/9/2010 أودع الأستاذ/ عبد الفتاح… المحامي النقض والإدارية العليا عن نفسه وبصفته وكيلا عن الطاعنين في دعوى البطلان الأصلية رقم 46332 لسنة 56ق.عليا، قلم كتاب هذه المحكمة صحيفة دعوى البطلان الأصلية طعنا على الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع) بجلسة 14/9/2010 في الطعنين رقمي 30952 و31314 لسنة 56 ق.ع، الذي قضى بقبول الطعنين شكلا، وبقبول طالبي التدخل (ش،ع،خ) خصوما منضمين للمطعون ضدهما (ح،ي)، وكذا بقبول طالب التدخل (س) خصما منضما للشركة والهيئة الطاعنتين، وفي الموضوع برفض الطعنين، وذلك على نحو ما هو مبين بالأسباب، وإلزام كل من الطاعنتين مصروفات طعنها.

وطلب الطاعنون -للأسباب الواردة بصحيفة الدعوى- الحكم (أولا) بقبول الطعن شكلا، و(ثانيا) في الموضوع ببطلان الحكم الصادر في الطعنين رقمي 30952 و31314 لسنة 56ق.ع، والقضاء مجددا بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم 12622 لسنة 63ق بجلسة 22/6/2010، وإلزام المطعون ضدهما الأول والثانية المصاريف عن جميع الدرجات.

– وفي يوم الخميس 11/11/2010 أودع الدكتور/… المحامي بالنقض والإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعن بصفته في دعوى البطلان الأصلية رقم 2942 لسنة 57ق.ع قلم كتاب هذه المحكمة صحيفة دعوى البطلان الأصلية، طعنا على الحكم المشار إليه.

وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بصحيفة الدعوى- الحكم:

(أولا) بقبول الطعن شكلا، و(ثانيا) وفي الموضوع ببطلان الحكم الصادر في الطعنين رقمي 30952 و31314 لسنة 56ق.ع، والقضاء مجددا بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم 12622 لسنة 63ق بجلسة 22/6/2010، وبعدم قبول الدعوى أصلا، وبطلان الحكم الصادر فيها، و(احتياطيا) ببطلان الحكم المطعون فيه الصادر في الطعنين المشار إليهما، والأمر بإحالتهما إلى الدائرة المختصة بتوحيد المبادئ عملا بنص المادة 54 من قانون مجلس الدولة، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات.

– وتم إعلان تقرير الطعنين على النحو الثابت بالأوراق. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه: (أولا) بالنسبة لدعوى البطلان رقم 46332 لسنة 56ق: بعدم قبول الطعن، وذلك على النحو المبين بالأسباب، وإلزام الطاعنين المصروفات. و(ثانيا) بالنسبة لدعوى البطلان رقم 2942 لسنة 57ق: بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وإلزام الشركة الطاعنة المصروفات.

وتدوول نظر الدعويين أمام الدائرة الثالثة (فحص طعون) بهذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 4/11/2011 قررت الدائرة ضم الطعن رقم 2942 لسنة 57ق.ع إلى الطعن رقم 46332 لسنة 56ق؛ للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 4/1/2012 قررت تلك الدائرة إحالتهما إلى هذه المحكمة لنظرهما بجلسة 21/2/2012، وبها نظرت المحكمة الطعنين، وتدوولا بجلساتها على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 1/10/2013 قررت المحكمة حجز الطعنين ليصدر الحكم فيهما بجلسة 24/12/2013، وبتاريخ 15/10/2013 قدم محامي الشركة الطاعنة في الطعن رقم 2942 لسنة 57ق.ع مذكرة مرفقا بها بعض المستندات التفتت عنها المحكمة لعدم التصريح بمذكرات ومستندات، وبالجلسة المشار إليها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وبها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا.

وحيث إن عناصر هذه المنازعة في الطعنين تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن المطعون ضدهما الأول والثانية (ح،ي) كانا قد أقاما الدعوى رقم 12622 لسنة 63ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بتاريخ 4/1/2009، طلبا في ختامها الحكم بصفة عاجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع المدعى عليهم (المطعون ضدهم من الثالث حتى الخامس) عن فسخ عقد بيع أرض مشروع (مدينتي) المؤرخ في 1/8/2005 وملاحقه، والمتمثل في بيع ثلاثة وثلاثين مليونا وست مئة ألف متر مربع للشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني، التي يمتلكها ويرأس مجلس إدارتها في ذلك الوقت: (هـ)، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليهم بصفاتهم المصروفات.

وذلك على سند من قول حاصله أن المدعي الأول (المطعون ضده الأول) سبق أن تقدم بطلب لتخصيص قطعة أرض له لإنشاء منزل عليها بالقاهرة الجديدة، فطلب منه أخذ رقم لطلبه وانتظار الإعلان عن المزاد المزمع طرحه لذلك، غير أنه لم يخطر بأي مزاد، ثم فوجئ بنشر العقد المبرم بين السيد/(هـ) وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في موقع إحدى الصحف، دون الإعلان عن مزايدة أو اتخاذ أي إجراءات قانونية، وأضاف المدعيان أن قيمة هذه الأرض تقدر بمبلغ مئة وخمسة وستين مليار جنيه، تم تخصيصها بالمجان للمذكور بصفته رئيس مجلس إدارة الشركة المذكورة سلفا، على وفق العقد المؤرخ في 1/8/2005 بتخصيص ثمانية آلاف فدان، فضلا عن أحقيته في أخذ مساحة 7560000م2 بالشفعة، وتعهدت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بتوصيل جميع المرافق لهذا المشروع (المسمى مدينتي) بالمجان، وذلك مقابل حصول الهيئة على نسبة عينية مقدارها 7% من الوحدات التي سيتم تنفيذها على نسبة 60% من إجمالي المساحة، وباقي المساحة يتصرف فيها رئيس مجلس إدارة الشركة المذكورة لحسابه الخاص، في حين تصل قيمة الوحدة في هذا المشروع إلى عدة ملايين من الجنيهات، ويتراوح سعر متر الأرض الفضاء بها بين تسعة آلاف إلى عشرين ألف جنيه حسب نسبة التميز.

ونعى المدعيان (المطعون ضدهما) على تصرف الجهة الإدارية صدوره بالمخالفة للقانون تأسيسا على ما يلي:

1ـ أن قرار هيئة المجتمعات العمرانية بالتعاقد مع الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني على إنشاء مشروع (مدينتي) للإسكان الفاخر قد جاء مخالفا للدستور، لإخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، إذ إن الهيئة المذكورة سالفا امتنعت عن التعاقد مع المدعي الأول (المطعون ضده الأول) على قطعة أرض واحدة إلا من خلال مزاد علني، على وفق الشروط التي سيتم وضعها في هذا الشأن، في حين قامت بتخصيص تلك المساحة من الأرض للشركة المذكورة سالفا، دون أي إعلان أو ممارسة بين هذه الشركة وأية شركات أخرى، ودون مراعاة لمبدأ تكافؤ الفرص أو المساواة بين المواطنين.

2ـ أن قرار التعاقد بين الهيئة والشركة المشار إليها على قطعة الأرض المبينة سالفا قد جرى بالمخالفة لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، والذي تطبق أحكامه على جميع الهيئات العامة بالدولة بما فيها هيئة المجتمعات العمرانية، والذي يقضي بأن يكون البيع بطريق المزايدة العلنية، وعلى وفق القواعد والإجراءات المقررة بهذا القانون ولائحته التنفيذية.

3ـ أن هذا التعاقد جاء مخالفا لأحكام القانون المدني، التي تقضي بأن يكون البيع بمقابل نقدي وليس عينيا، فالثمن يمثل أحد أركان عقد البيع، وقد خلا العقد المبرم بين الهيئة والشركة المذكورتين سالفا من الثمن النقدي للأرض محل هذا العقد، ومن ثم فإن العقد لا يعد عقد بيع.

4ـ أن التعاقد محل التداعي قد حمل الهيئة كذلك بتوصيل المرافق إلى المشروع، ودون أن يكلف الشركة أي مبالغ عن ذلك، فلا تلتزم الشركة إلا بمنح الهيئة حصة عينية مقدارها 7% من الوحدات السكنية التي سيتم تشييدها خلال عشرين سنة، في حين أن الأرض المماثلة للأرض محل هذا المشروع قد تم بيعها في آخر مزاد بخمسة آلاف جنيه للمتر، ومن ثم تكون قيمة الأرض المخصصة لهذا المشروع مئة وخمسة وستين مليار جنيه، ولا تتحمل الشركة المذكورة سوى المرافق الداخلية التي تتكلف ما لا يزيد على مليار جنيه، ومن ثم تكون الشركة المذكورة قد حصلت على الأرض موضوع النزاع دون مقابل، في حين تقوم ببيع المتر المسطح في الوحدة السكنية بسعر يتراوح بين سبعة وعشرة آلاف جنيه، ومن ثم يكون قرار تخصيص الأرض لهذا المشروع قد جانب المصلحة العامة.

5ـ أن الشركة أعلنت عن بيع أرض ووحدات المشروع دون أن تقوم بأداء ثمن الأرض أو التأمين أو مقدم الثمن إلى الجهة مخالفة بذلك أحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن المجتمعات العمرانية الجديدة، الذي يحظر على كل من تملك أرضا أو منشأة داخلة في مجتمع عمراني جديد التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات الناقلة للملكية إلا بعد أداء الثمن كاملا وملحقاته، وبناء عليه يكون التعاقد المبرم بين الهيئة والشركة المذكورتين عن الأرض محل التداعي قد تم بالمخالفة لقانون المجتمعات العمرانية المشار إليه.

………………………………………………..

وبجلسة 22/6/2010 قضت محكمة القضاء الإداري بما يلي:

(أولا) بقبول تدخل الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني خصما منضما إلى الجهة الإدارية المدعي عليها. و(ثانيا) برفض الدفوع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، وبعدم قبول الدعوى. و(ثالثا) بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع ببطلان عقد البيع الابتدائي المؤرخ في 1/8/2005 وملحقه المؤرخ في21/12/2005 ببيع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلى الشركة العربية للمشروعات والتطوير المعماري ثمانية آلاف فدان لإقامة مشروع (مدينتي) بمدينة القاهرة الجديدة. و(رابعا) إلزام الجهة الإدارية المصروفات، والخصم المتدخل مصروفات تدخله.

………………………………………………..

وشيدت المحكمة قضاءها هذا على أسانيد وأسباب حاصلها الآتي:

(أولا) أن أحد طرفي العقد موضوع التداعي من أشخاص القانون العام، وهو هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والهدف منه تحقيق أغراض المرفق العام، بإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة وتنميتها، وتتضمن تعاقداته قيودا وشروطا استثنائية تخرج عن الشروط المألوفة في روابط القانون الخاص، ذلك أن إقامة المشروع تجرى على وفق اشتراطات الهيئة ومواصفاتها الفنية وطبقا للبرنامج الزمني المعتمد منها، وللهيئة وقف الأعمال وإنقاص أرض المشروع وفسخ العقد وسحب الأرض من الشركة بالطريق الإداري، وكل ذلك يعد شروطا استثنائية، بما يقطع بتوفر عناصر العقد الإداري في عقد البيع محل التداعي، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر المنازعات الناشئة عنه لمحاكم مجلس الدولة، مما يغدو معه الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر هذا النزاع غير قائم على سند صحيح من القانون، حريا بالرفض.

(ثانيا) أن الثابت من مطالعة صحيفة الدعوى الماثلة أنها قُدمت إلى المحكمة ممهورة بتوقيع من الأستاذ/أحمد… المحامي المقيد بجدول المحامين المقبولين أمام محكمتي النقض والإدارية العليا، ومن ثم يكون الدفع ببطلان صحيفتها لعدم توقيعها من محام مقبول للمرافعة أمام محكمة القضاء الإداري غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون.

(ثالثا) أن المدعيين (المطعون ضدهما) من مواطني جمهورية مصر العربية، وهما من المخاطبين بأحكام الدستور، ويحق لهما الدفاع عما يبدو لهما أنه حق من حقوقهما المتعلقة ببيع جزء من أراضي الدولة، ومن ثم يكون قد تحقق في شأنهما شرط المصلحة وتحققت لهما الصفة في إقامة الدعوى، ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرطي المصلحة والصفة غير قائم على أساس سليم من القانون، مما يتعين معه القضاء برفضه.

(رابعا) أن الثابت أن الدعوى أقيمت مقترنة بطلب عاجل، ومن ثم فإنها تكون بذلك قد أقيمت مستثناة من العرض على لجان التوفيق، على وفق ما تقضي به المادة (11) من القانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه، ولا ينال من ذلك قيام المدعيين بتعديل طلباتهما إلى طلب الحكم ببطلان وفسخ العقد موضوع النزاع، بحسبان أن هذه التعديل جاء متصلا بالطلبات الأصلية المقامة بها الدعوى اتصالا وثيقا لا يقبل التجزئة، مما يغدو معه الدفع بعدم قبول الدعوى لهذا السبب فاقدا لسنده القانوني جديرا بالرفض.

(خامسا) أن المنازعة الماثلة منازعة عقدية تنتمي أساسا إلى القضاء الكامل، ومن ثم لا يطبق في شأنها الدفع بعدم القبول لانتفاء القرار الإداري، مما يغدو معه الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري في غير محله حريا بالرفض.

(سادسا) أن هيئة المجتمعات العمرانية تعاقدت مع الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني على بيع مساحة ثمانية آلاف فدان بمدينة القاهرة الجديدة بطريقة مباشرة ودون اتباع طرق التعاقد المقررة قانونا، طبقا لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، سواء المزايدة العلنية العامة أو المحلية، وقد أجدبت أوراق الدعوى ومستنداتها مما يفيد أن ظروف التعاقد قد اقتضت ولوج الطرق الاستثنائية المنصوص عليها في هذا القانون، وهي الممارسة المحدودة والاتفاق المباشر، ومن ثم تكون هيئة المجتمعات العمرانية قد أبرمت العقد محل النزاع مع الشركة المذكورة دون سند تشريعي وبالمخالفة لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه، الذي أضحى الشريعة العامة الواجبة الاتباع من قبل الهيئة في إبرام عقودها، مما يجعل تصرف الهيئة قد تم بالمخالفة لأحكام هذا القانون مشوبا بالبطلان، وبناء عليه يتعين القضاء ببطلان عقد البيع المبرم بتاريخ 1/8/2005 بين الهيئة والشركة المذكورتين سلفا وملحقه المؤرخ في 21/12/2005 ببيع الهيئة للشركة مساحة ثمانية آلاف فدان بمنطقة الامتداد العمراني بمدينة القاهرة الجديدة لإقامة مشروع (مدينتي).

………………………………………………..

– وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا لدى الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني (المدعية في دعوى البطلان الأصلية رقم 2942 لسنة 57ق)، فقد طعنت عليه بالطعن رقم 30952 لسنة 56ق.ع للأسباب الآتية:

(الوجه الأول) الخطأ في تطبيق القانون وتفسيره:

وساقت الشركة الطاعنة أسانيد وأسباب نعيها على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه على النحو الآتي:

1ـ أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون عندما لم يقض ببطلان صحيفة الدعوى، لعدم توقيعها من محام، وهو ما كان يتعين معه على المحكمة أن تستوثق من صحة دفاع الشركة، غير أن المحكمة اكتفت -وحسبما جاء بحكمها المطعون فيه- بالقول بأن الثابت من صحيفة الدعوى أنها ممهورة بتوقيع من الأستاذ/أحمد… مما تكون معه مستوفاة لهذا الإجراء الجوهري، ولا يَبين كيف استوثقت المحكمة من صحة هذا التوقيع.

2ـ أن الحكم المطعون فيه قد قضى بقبول الدعوى شكلا رغم انتفاء الصفة والمصلحة الشخصية للمدعيين، وبالمخالفة لما يستوجبه كل من قانون المرافعات المدنية والتجارية في المادة (3) منه وقانون مجلس الدولة في المادة (12)، فضلا عن أن ما قضى به الحكم المطعون فيه بشأن شرطي الصفة والمصلحة يتناقض مع أحكام قضائية عديدة.

(الوجه الثاني) الفساد في الاستدلال:

وساقت الشركة الطاعنة أسانيد وأسباب نعيها على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه على النحو الآتي:

1ـ أن الحكم المطعون فيه قضى بقبول الدعوى شكلا، بحسبان أن المدعيين من مواطني جمهورية مصر العربية، ويحق لهما الدفاع عما يبدو لهما أنه حق من حقوقهما ببيع جزء من أراضي الدولة، وهو استدلال فاسد، إذ لا تزال المصلحة الشخصية والصفة ضمانات للبعد بساحة القضاء عن الخصومات التي تستهدف الشهرة والابتزاز.

2ـ أن ما استدل به الحكم المطعون فيه من أن قانون المناقصات والمزايدات قد نسخ ما سبقه، انطوى على فساد في الاستدلال أوقعه في خطأ ما قضى به من بطلان للعقد محل النزاع.

3ـ أن الحكم المطعون فيه وقع في فساد في الاستدلال، عندما قضى ببطلان عقد بيع أرض (مدينتي)، لمجرد ما أشار إليه الحكم من مخالفة الهيئة لأحكام قانون المناقصات والمزايدات رغم خلو القانون ذاته من نص يقرر البطلان صراحة.

(الوجه الثالث) الإخلال بحق الدفاع:

وقد ساقت الشركة الطاعنة أسباب وأسانيد نعيها على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه من الطعن على النحو الآتي:

1ـ لم يشر الحكم المطعون فيه من قريب أو بعيد إلى دفاع الشركة الطاعنة الذي أوضحت فيه وجود أحكام بقانون المجتمعات العمرانية الجديدة تحدد السلطات والضمانات والتصرف في العقارات بالطريق المباشر، على وفق المادتين 11 و28 وباقي نصوص هذا القانون، وكذا اللائحة العقارية التي صدرت وعدلت في العام 2001، ولم يَرُدَّ الحكم على هذا الدفاع أو يمحصه، وإلا لتغير وجه الرأي في الدعوى.

2-لم يَرُدَّ الحكم المطعون فيه كذلك على ما أبدته الشركة الطاعنة من دفاع بشأن وجود اللائحة العقارية الصادرة بتفويض تشريعي من نصوص القانون نفسه في عام 2001، والتي خولت مجلس إدارة الهيئة إصدار لوائح بقواعد التصرف وتنفيذ المشروعات، وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد صدر مخلا بحق الدفاع.

3-لم يشر الحكم المطعون فيه أو يرد على الدفاع الذي أبدته الشركة الطاعنة بشأن الأثر المترتب على صدور قرارات وزير الإسكان منذ عام 2006 وحتى عام 2009 باعتماد التخطيط العام والتخطيط التفصيلي وتراخيص البناء لمشروع (مدينتي)، بما له من سلطة على وفق القوانين واللوائح، والتي استندت في صدورها إلى قانون المجتمعات العمرانية الجديدة، وجاءت تنفيذا للعقد المؤرخ في 1/8/2005 وملحقه المؤرخ في 21/12/2005، الذي قضت محكمة أول درجة ببطلانه، فلو كان الحكم محص هذا الدفاع لتغير به وجه الرأي في الدعوى.

4- لم يَرُدَّ الحكم من قريب أو من بعيد على طلب الشركة الطاعنة ندب خبراء من وزارة العدل للاطلاع على محاضر اجتماع مجلس إدارة الهيئة والانتقال إلى موقع مشروع (مدينتي) للمعاينة على الطبيعة وبيان ما تم تنفيذه، والوحدات التي تم تسليمها إلى الحاجزين وتلك التي تم تسليمها إلى الهيئة.

5-لم يَرُدَّ الحكم المطعون فيه على ما أبدته الشركة الطاعنة من دفاع بشأن ضرورات استقرار المعاملات وحماية الحقوق والمراكز القانونية التي ترتبت على العقد، حتى ولو كانت هناك مخالفة لإجراء من الإجراءات، بحسبان أن تقرير تلك الحماية من شأنه أن يعصم العقد من الحكم بالبطلان، وكان على الحكم أن يحقق هذا الدفاع، إذ لو كان حققه لتغير به وجه الرأي في الدعوى، وإذ لم يفعل، فمن ثم يكون مشوبا بالإخلال بحق الدفاع.

– كما لم يلق هذا الحكم قبولا من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ومن ثم طعنت فيه بالطعن رقم 13114 لسنة 56 القضائية عليا، وأسست الهيئة طعنها على أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفا للقانون ومخطئا في تطبيقه وتأويله، ومشوبا بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وذلك على النحو الآتي:

(أولا) فيما يتعلق برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرطي الصفة والمصلحة في المطعون ضدهما، فلا خلاف في أن النزاع الماثل يتعلق برابطة عقدية بين طرفين لا علاقة للمطعون ضدهما الأول والثانية بها، وهو ما كان يوجب على المحكمة خلال تصديها لشرطي الصفة والمصلحة أن تلتزم بالضوابط التي استقر عليها القضاء الإداري في ولاية القضاء الكامل، ومن ثم لا تقبل دعوى بطلان عقد من شخص ليس طرفا فيه، وليس له مركز قانوني أو حق ذاتي، ولا يكفي في هذا الصدد ما ذهب إليه من القول بوجود مصلحة شخصية على النحو الذي استظهره الحكم بطريقة مباشرة، ومن ثم فإن هذا الحكم يكون قد شابه القصور في التسبيب، وجاء مخالفا لصحيح القانون.

كما خالف الحكم المطعون فيه القانون بما ذهب إليه من أنه لا يجوز للمحكمة تطبيق أحكام المادة (3) من قانون المرافعات على هذه الدعوى، فضلا عما يمثله ذلك من اتساعٍ لشرط المصلحة، يخلط بين الدعاوى التي تنعقد لمحاكم مجلس الدولة ولايةُ الفصل فيها ودعوى الحسبة، وهو ما رفضته المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في الطعن رقم 7018 لسنة 47 القضائية عليا بجلسة 25/3/2006.

(ثانيا) أن ما قضى به الحكم المطعون فيه من بطلان للعقد محل النزاع بمقولة إن هيئة المجتمعات العمرانية أبرمته متجاهلة أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، وهو الشريعة العامة الواجبة الاتباع في هذا الشأن، وأن الهيئة ارتكنت إلى أحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة والقرارات المنفذة له، والتي خلت من بيان الوسيلة التي يتعين إبرام ذلك التعاقد بها وضماناتها، وأنها خالفت أحكام القانون رقم 89 لسنة 1998 المشار إليه، مما يجعل هذا العقد قد أبرم دون سند تشريعي، مشوبا بالبطلان –جاء- كذلك مخالفا لصحيح حكم القانون ومشوبا بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب.

(ثالثا) أن الحكم المطعون فيه حينما قرر بطلان العقد محل النزاع مستندا إلى القول بتجاهل جهة الإدارة لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، يكون قد تجاهل المبادئ والقواعد التي جرى عليها إفتاء الجمعية العمومية من أن مخالفة التعاقد الذي تم بالأمر المباشر لأحكام القانون ليس من شأنها أن تؤثر في صحة العقد أو تؤدي إلى بطلانه.

كما أن الحكم المطعون فيه قد خالف أيضا ما جرى عليه إفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع من أن العقد الذي تبرمه الإدارة مع الغير أيا كان نوعه ينعقد صحيحا وينتج آثاره حتى مع تخلف الإجراء المقرر، ولا يمس ذلك نفاذ العقد، بل قد يستوجب المسئولية التأديبية أو السياسية أو كليهما؛ وذلك حماية للغير وعدم زعزعة الثقة في الإدارة وفي مصداقية تعاملاتها مع الغير.

(رابعا) أن القواعد التي تضمنها قانون المناقصات والمزايدات بشأن بيع العقارات المملوكة للدولة، وأيا كانت المزايا التي تحققها، لا تتلاءم في جميع الأحوال مع الدور الذي ناطه المشرع بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة؛ فاتباع قواعد المزايدة كان غير ملائم في مستهل إنشاء الهيئة ولفترة لاحقة، ومن ثم كان لا بد من اتباع نظام التخصيص الذي يستوجب أن يلتزم من يساهم في بلوغه أهداف الهيئة بقواعد صارمة تتسم في الوقت نفسه بالمرونة اللازمة لتحقيق الغاية التي استهدفها المشرع.

(خامسا) أن الشركة الطاعنة دفعت ببطلان صحيفة الدعوى لعدم توقيعها من محام مقبول أمام محكمة القضاء الإداري، وبعدم قبولها لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 في شأن التوفيق في بعض المنازعات، كما دفعت الشركة الطاعنة بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة والمصلحة، باعتبار أن رافعها يستند إلى عقد لم يكن طرفا فيه، وليس في مركز خاص بشأنه ولا يمس مصلحة له، كما أنه ليس صاحب حق يطلب حمايته، فضلا عن أنه لا يطلب الحكم لنفسه بشيء ومع ذلك قضى الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى شكلا، مما يجعله مرجح الإلغاء.

(سادسا) أن ما قضى به الحكم المطعون فيه من بطلان عقد بيع أرض (مدينتي) يتناقض ويتنافر مع المبادئ القانونية والقواعد المقررة فقها وقضاء.

(سابعا) أن أحد أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، وهو المقرر وكاتب أسباب الحكم، له خصومة مع هيئة المجتمعات العمرانية في الدعوى رقم 20899 لسنة 64 القضائية (قضاء إداري القاهرة)، ومن ثم يكون قد تحقق في شأنه أحد أسباب عدم الصلاحية في نظر الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه.

وبجلسة 14/9/2010 أصدرت المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع) -بهيئة مغايرة- حكمها المطعون فيه بدعويي البطلان الأصليتين الماثلتين.

وشيدت المحكمة قضاءها على ما يلي:

(أولا) بالنسبة للنعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة قواعد الاختصاص الولائي بقالة إن العقد محل التداعي ليس عقدا إداريا، بل هو عقد مدني من عقود القانون الخاص، إذ هو مجردُ عقدِ بيعٍ لأملاك الدولة الخاصة غيرِ متصلٍ بتسيير المرفق ونشاطه، فإنه لما كان الثابت مما تقدم أن الشروط التي تضمنها العقد محل التداعي هي بعينها الشروط الاستثنائية غير المألوفة في روابط القانون الخاص، فمن ثم يكون قد توفر لهذا العقد ما يجعله -بيقين لا يخالطه شك- عقدا إداريا، مما يعقد الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة به لمحاكم مجلس الدولة حسبما ذهب الحكم المطعون فيه، مما يكون معه النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه من النعي في غير محله.

(ثانيا) عن النعي على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون بسند من أنه لم يقض ببطلان صحيفة الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه لعدم توقيعها من محام مقبول، فإنه لما كان الحاضر عن الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني قد أقر في مرافعته الشفهية أمام المحكمة بجلسة 10/8/2010 بتنازله عن هذا الوجه من النعي بعد أن حضر المحامي المنسوب إليه التوقيع على العريضة أمام المحكمة، وأقر بأن التوقيع المذيلة به العريضة هو توقيعه، فمن ثم لم يعد هناك محل لأن تتصدى المحكمة لهذا الوجه من النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون.

(ثالثا) بالنسبة لنعي الطاعنين على الحكم المطعون فيه بالبطلان على سند من أن اثنين من السادة الأساتذة المستشارين الذين شاركوا في إصدار الحكم ووقعوا مسودته بينهما وبين الهيئة خصومة، مما يقيم بهما أحد أسباب عدم الصلاحية، وهو ما يجعل الحكم المطعون فيه باطلا، فإنه لما كان الثابت أن محل الدعويين المقامتين من المستشارين المذكورين اللذين شاركا في إصدار الحكم المطعون فيه ضد الهيئة هو المطالبة برد مبالغ كان قد حصلها من كل منهما جهاز تنمية مدينة القاهرة الجديدة وجهاز تنمية مدينة 6 أكتوبر نظير الترخيص لكل منهما في بناء دور ثانٍ علوي على قطعة الأرض السابق تخصيصها له، وهو الأمر الذي أصبح الفصل فيه محسوما بما جرى عليه قضاء محكمة القضاء الإداري السابق بخصوص تلك الدعاوى، مما لا يتسنى معه النظر إليها على أنها خصومة يميل بها قلبا المستشارين المذكورين عن الحكم بالعدل فيما يفصلان فيه من دعاوى تتعلق بالهيئة المذكورة، وهو ما يكون معه النعي على الحكم المطعون فيه بالنعي المبين سالفا في غير محله حريا بالرفض.

(رابعا) عن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لرفضه الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرطي الصفة والمصلحة، والذي تؤسسه الطاعنتان على أن المنازعة عقدية، وأن المدعيين ليسا طرفا في العقد حتى يطلبا الحكم ببطلانه، وأن قبول دعواهما رغم ذلك يعني الخلط بين دعاوى المنازعات الإدارية المتعلقة بدعاوى القضاء الكامل ودعاوى الحسبة، فإنه لما كان الثابت من أن الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه تنصب على طلب الحكم ببطلان عقد بيع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلى الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني قطعة أرض مساحتها ثمانية آلاف فدان لإقامة مشروع (مدينتي) عليها بناء على ما ساقه المدعيان من أسانيد حاصلها أن هذا البيع تم بمقابل بخس، وجاء ثمرة إجراءات غير صحيحة، فمن ثم فلا محيص من القول -بالنظر إلى حجم الأرض محل التصرف المطلوب الحكم ببطلانه، وما له من انعكاس على حقوق المدعيين وغيرهما في تراب هذا الوطن- بأن لكل مواطن مصري صفة ومصلحة في النعي على مثل هذا التصرف وولوج سبيل الدعوى القضائية دفاعا عن حقه في هذا المال، دون أن تختلط دعواه في هذه الحالة بدعوى الحسبة، وبناء عليه تكون للمدعيين مصلحة حقيقية -وليست نظرية- في دعواهما التي طلبا فيها الحكم ببطلان عقد البيع المشار إليه بسند من أن إبرامه قد تم بخروج بواح على القانون أهدرت فيه قواعد المساواة وتكافؤ الفرص التي بمراعاتها يتمكنان وغيرهما من التنافس في الفوز بقطع من أرض الدولة.

(خامسا) بالنسبة للنعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون تأسيسا على أنه قضى بقبول الدعوى، رغم عدم لجوء المدعيين إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات على وفق ما رسمه القانون رقم (7) لسنة 2000 المشار إليه، ورغم انقطاع الصلة بين الطلبات الأصلية التي كانت قد أقيمت بها الدعوى، والتي كانت مقترنة بطلب مستعجل والطلبات المعدلة التي فصل فيها الحكم المطعون فيه، فإنه لما كان الثابت أن المدعيين في الدعوى المطعون على الحكم الصادر فيها بالطعنين الماثلين كانا قد أقاما دعواهما بطلبات جاءت مقترنة بطلب مستعجل، حيث تحددت طلباتهما -حسبما جاء بختام عريضة دعواهما- في وقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن فسخ عقد بيع أراضٍ لإقامة مشروع (مدينتي) المشار إليه، وهو ما يجعل دعواهما مستثناة من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات، ثم قاما بتعديل طلباتهما -اتساقا مع التكييف الذي ذهبت إليه هيئة مفوضي الدولة لطلبات المدعيين- لتصبح الحكم ببطلان عقد بيع أراضي مشروع (مدينتي)، وذلك بعد أن كانت خصومتهما مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وغايتها هدم هذا العقد وما يترتب عليه من آثار، قد اسْتَوَتْ على سُوقِهَا، وتبلور موقف الهيئة بشأنها، فإنه لا تكون هناك جدوى من اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات بخصوص هذه الطلبات، وهو ما يكون معه قضاء محكمة أول درجة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير اتباع الطريق القانوني في محله.

(سادسا) أخيرا، وعن نعي الطاعنين على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لقضائه ببطلان العقد محل التداعي دون أن يكون لقضائه سند صحيح من القانون؛ بحسبان أن الحكم يستند في قضائه إلى إبرام هذا العقد بالمخالفة لما يقضي به قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، وهو استناد في غير محله؛ ذلك أن إبرام هذا العقد يخضع للقانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة واللائحة العقارية لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والأجهزة التابعة لها، فضلا عن أنه على فرض صحة القول بمخالفة إجراءات إبرام العقد المشار إليه لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه، فليس مؤدى ذلك بطلان العقد؛ فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن العقد محل التداعي وملحقه المشار إليهما قد انصبا على تصرف هيئة المجتمعات العمرانية إلى الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني في ثمانية آلاف فدان، لإقامة مشروع (مدينتي)،  فأقامت الشركة وحدات سكنية من الإسكان الحر لبيعها إلى الغير، ومن ثم يكون هذا العقد عقد بيع مما يخاطبه قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه في أجلى صورة، وحيث إن هذا العقد قد أبرم في 1/8/2005 وملحقه في 21/12/2005، أي في ظل العمل بأحكام هذا القانون، فمن ثم يكون خاضعا في إبرامه لأحكامه.

وعن بطلان هذا العقد من عدمه، فإنه لما كان المشرع في قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه قد اتخذ من المزايدة العلنية العامة أو المحلية والمظاريف المغلقة سبيلا أصليا لبيع وتأجير العقارات المملوكة للجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون، بحسبان أن المزايدة -عامة كانت أو محلية- والمظاريف المغلقة يقومان على المساواة ويجسدان مبدأ تكافؤ الفرص، فضلا عن تحقيق المصلحة العامة، حيث يطرح العقار المطلوب بيعه أو تأجيره على الجميع، ويتقدم الراغبون في الشراء أو الاستئجار بعروضهم، وفي سبيل الفوز به يتنافس المتنافسون، فتحل الشفافية محل الضبابية، وتجرى المزايدة ويتم فتح المظاريف المغلقة على رءوس الأشهاد، ويتم الاختيار لأفضل الشروط والأسعار، ومن ثم تجني المصلحة العامة ثمرة ذلك بالوصول إلى أعلى الأسعار، وإذ لم تتبع هيئة المجتمعات العمرانية هذا السلوك فإن تصرفها يكون مخالفا لأحكام القانون، ومن ثم انتهت المحكمة إلى رفض الطعنين.

………………………………………………..

– وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا من الطاعنين في دعوى البطلان الأصلية رقم 46332 لسنة 56ق. عليا فقد طعنوا عليه بتلك الدعوى وذلك للأسباب الآتية:

(السبب الأول) الخطأ الجسيم في رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وغير ذي مصلحة، ومخالفة نص المادة 3 من قانون المرافعات، وعدم التفرقة بين الدعوى الإدارية ودعوى الحسبة، وتناقض الحكم في عدم سريان القانون العام عند بحث شروط قبول الدعوى وسريان القانون رقم 89 لسنة 1998 الخاص بالمناقصات والمزايدات.

(السبب الثاني) أهدر الحكم الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عن نيابة الأموال العامة في موضوع الدعوى ذاته عملا بالمادتين 456 و454 من قانون الإجراءات الجنائية.

(السبب الثالث) خالف الحكم نص المادتين 23 و30 من الدستور اللتين جعلتا للمال وظيفة اجتماعية مقدمة على تحقيق الربح.

– ومن ناحية أخرى لم يلق هذا القضاء قبولا من الشركة الطاعنة في دعوى البطلان الأصلية رقم 2942 لسنة 57ق. عليا؛ ولذلك طعنت بتلك الدعوى وذلك لأسباب حاصلها:

(أولا) بطلان الحكم المطعون فيه لعدم اختصاص المحكمة مصدرة الحكم بإصداره تأسيسا على أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من رفض الطعنين وتأييد حكم أول درجة الذي قضى ببطلان عقد أبرمته الجهة الإدارية مع الشركة الطاعنة (عقد بيع أرض مدينتي المؤرخ في 1/8/2005 وملحقه المؤرخ في 21/12/2005)، على الرغم من أنه انعقد صحيحا ونافذا منذ خمس سنوات دون غش أو تدليس، فإنه يناقض المبادئ المستقرة والثابتة، فضلا عن أنه أهدر قوة إرادة الطرفين واستقرار المراكز القانونية لطرفيه، وهو ما يخالف ذلك المبدأ الذي أرسته المحكمة الإدارية العليا من نفاذ الإجراءات والتصرفات والتعاقدات في حق طرفيها متى انعقدت صحيحة، مما كان يتعين معه والتزاما بحكم المادة 54 مكررا (أ) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة طبقا لأحكام تلك المادة (دائرة توحيد المبادئ) لما يمثله هذا من ضمانات جوهرية لإعمال المبادئ القضائية، ويحول دون المساس باستقرارها إلا بالأغلبية المقررة قانونا.

(ثانيا) أهدر الحكم ضمانة أساسية من ضمانات التقاضي عند نظر الدعوى وذلك تأسيسا على ما يلي:

1ـ مخالفة الحكم المطعون فيه لما قررته صراحة المادتان 146 و147 من قانون المرافعات، اللتان تطبقان على قضاة مجلس الدولة، واللتان أكدتا صراحة عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى ومنعه من سماعها إذا كانت له أو لزوجته أي خصومة مع أحد الخصوم في الدعوى، ورتبت جزاء البطلان على مخالفة هذه القاعدة الأساسية، وهو ما كان يستتبع حتما قبول الطعنين، والقضاء ببطلان حكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر باطلا لمشاركة عضوين من أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم (وهما عضوا اليمين واليسار)، حيث إنهما كانا في حالة خصومة مع أحد الخصوم بالدعويين رقمي 20896 لسنة 64ق و39706 لسنة 59ق قضاء إداري القاهرة.

2ـ مخالفة الحكم المطعون فيه لحكم المادة 3 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996؛ لعدمِ توفرِ صفةٍ ومصلحةٍ شخصيةٍ ومباشرةٍ وقائمةٍ يقرها القانون في دعوى إبطال العقد.

(ثالثا) أهدر الحكم الآثار القانونية للوقائع حتى لو كان الخطأ شائعا، وعدم الاعتداد بالأوضاع الظاهرة والمساس بالحقوق والمراكز القانونية، استنادا إلى أن الحكم المطعون فيه بالبطلان -وقد قضى برفض الطعنين وهو ما يعني تأييد حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان عقد بيع أرض مدينتي- قد تضمنت مدوناته أسبابا زائدة على الأسباب التي قام عليها حكم محكمة القضاء الإداري، إذ عرض فيها لكيفية تنفيذ الحكم والأثر المترتب على البطلان، وهي لم تكن مطروحة ولم تكن من مقتضيات الفصل في الطعن أو موجباته.

(رابعا) ازدواجية المعايير التي اعتنقها الحكم المطعون فيه في الحالة الواحدة فبدا متناقضا مع قواعد العدالة مفتقدا مقوماته ووظيفته تأسيسا على ما يلي:

1ـ إهداره أحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 بشأن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وأوجب تطبيق أحكام قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998، واعتبره الشريعة العامة في المعاملات بين الهيئة وغيرها، لكنه قصر ذلك على التصرفات في مجال الاستثمار العقاري، فأبطل كل تصرف يخالف تلك الإجراءات، في حين أباح الحكم تطبيق أحكام القانون رقم 59 لسنة 1979 بشأن هيئة المجتمعات العمرانية ولوائحها العقارية دون غيرها – والذي عطل سريانه من قبل- على تصرفات الهيئة بالتخصيص إلى الأشخاص الطبيعيين في قطع الأرض للاستخدام الشخصي، وكذا الأشخاص الاعتبارية والجمعيات الخاصة والنقابات والأندية لمصلحة أعضائها، وأن هذا التمييز ينطوي على إهدار لقواعد المساواة والعدالة لأنه يتناقض مع طبيعة التصرف من الوجهة القانونية.

2ـ الاعتداد بالأوضاع الظاهرة لمعالجة آثار البطلان بالنسبة للمتعاقدين والحاجزين على وحدات سكنية أو محلات أخرى بقصد التجارة والاستثمار وإقامة مشروعات الخدمات بمشروع (مدينتي)، سواء كانوا قد تسلموها أم لم يتسلموها بعد، ومن ثم عدم الإضرار بالمراكز القانونية المستقرة لهؤلاء من جراء الحكم ببطلان عقد البيع وملحقه بإلزام الجهات المختصة مراعاة ذلك عند تنفيذ الحكم بالبطلان، في حين كانت أسباب الحكم على العكس من ذلك تماما، فرتبت آثار البطلان في العلاقة بين الهيئة البائعة، وهي مالك حقيقي وظاهر أيضا، والشركة المشترية التي تعاملت مع الهيئة البائعة بحسن نية، فأبطل الحكم العقد ورتب عليه آثار البطلان، ولم يعتد بالأوضاع الظاهرة.

(خامسا) أسند الحكم الاتهام من مصادر المعارف العامة والعلم العام، وأهدر حجية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، فقد انتهج الحكم المطعون فيه مفردات الاتهام بغير دليل، بل ما أعلنه الحكم في مدوناته أن مصدر تلك الاتهامات التي كانت سببا أساسيا للحكم بالبطلان سندها ومصدرها من علمه العام ومعارفه العامة؛ إذ من المقرر قانونا أنه لا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه أو معرفته حتى لو كانت من العلم العام أو المعرفة العامة، وذلك على عكس ما كشفت عنه تحقيقات النيابة العامة التي انتهت فيها بقرارها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ليؤكد ذلك كله عكس ما قاله الحكم المطعون فيه.

………………………………………………..

 (أولا) حيث إنه بالنسبة لدعوى البطلان رقم 46332 لسنة 56ق. عليا:

فإن المادة رقم (51) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، تنص على أنه: “يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجنائية حسب الأحوال، وذلك بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعات المنظورة أمام هذه المحاكم…”.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الخارج عن الخصومة لا يجوز له الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الحكم الذي تعدي إليه أثره، بل عليه أن يسلك طريق التماس إعادة النظر أمام المحكمة نفسها التي أصدرت الحكم الملتمس إعادة النظر فيه، وبذلك فإن طعن الخارج عن الخصومة في الحكم الصادر في المنازعات الإدارية بجميع أنواعها، بما فيها دعوى الإلغاء، وأيا كان الحكم الصادر سواء بالإلغاء أم بغير ذلك، يكون غير جائز قانونا، سواء كان الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا فيما يطعن فيه أمامها من أحكام، أم أمام محكمة القضاء الإداري فيما يطعن فيه أمامها من أحكام طبقا للقانون. (من ذلك حكمها في الطعن رقم 3387 لسنة 29ق.ع بجلسة 12/4/1987، وكذا حكمها في الطعن رقم 9037 لسنة 46ق.ع بجلسة 8/2/2003).

وتبعا لذلك لا يكون لمن لم يكن طرفا في حكم حق الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، بل عليه أن يسلك طريق التماس إعادة النظر في الحكم أمام المحكمة التي أصدرته.

وحيث إنه وترتيبا على ما تقدم ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعنين في دعوى البطلان رقم 46332 لسنة 56ق.ع لم يكونوا ممثلين في الخصومة التي انتهت بصدور الحكم المطعون فيه والمطعون عليه بدعوى البطلان الماثلة، كما لم يكونوا قد أدخلوا أو تدخلوا فيها بأية مرحلة من مراحلها، ومن ثم فإنهم يعدون خارجين عن الخصومة، مما يتعين معه والحال كذلك عدم قبول دعواهم الماثلة.

(ثانيا) حيث إنه بالنسبة لدعوى البطلان رقم 2942 لسنة 57ق. عليا:

وحيث إن دعوى البطلان الأصلية لا تتقيد بميعاد لرفعها، وإذ استوفت هذه الدعوى أوضاعها القانونية، فهي مقبولة شكلا.

وحيث إنه من المستقر عليه أن المحكمة الإدارية العليا بما وسد إليها من اختصاص في الرقابة على الأحكام التي تصدر عن محاكم مجلس الدولة تحقيقا للشرعية وسيادة القانون، وبما تحمله من أمانة القضاء وعظيم رسالته بغير معقب على أحكامها، تستوي على القمة في مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة، فلا يكون من سبيل إلى إهدار أحكامها إلا استثناء محضا بدعوى البطلان الأصلية، وهي دعوى ذات طبيعة خاصة، ولذلك فإنه في غير حالات البطلان المنصوص عليها بقانون المرافعات المدنية والتجارية يجب أن تقف الدعوى عند الحالات التي تنطوي على عيب جسيم يمثل إهدارا للعدالة على نحوٍ يفقد معها الحكم وظيفته وتتزعزع به قرينة الصحة التي تلازمه، أما إذا قام الطعن على أسباب موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله، فإن هذه الأسباب لا تمثل إهدارا للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته، ومن ثم لا تصمه بأي عيب ينحدر به إلى درجة الانعدام التي هي مناط قبول دعوى البطلان الأصلية، ولذلك لا يجب أن تكون مجالا أو مناسبة لمعاودة المجادلة فيما قضى به الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا. (من ذلك الحكم الصادر في الطعن رقم 7476 لسنة 46ق.ع بجلسة 18/4/2006).

وحيث إن مؤدى ذلك ولازمه أن دعوى البطلان الأصلية يجب ألا ترتكز على أسباب موضوعية يكون مؤدى بحثها إعادة طرح موضوع النزاع من جديد على الدائرة التي تنظر الدعوى؛ ذلك أن دوائر المحكمة العليا ليست محاكم طعن ورقابة على الأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الأخرى، ولا على الأحكام الصادرة عن نفس الدائرة بالتشكيل نفسه أو بتشكيل مغاير، فمتى صدر الحكم عن إحدى هذه الدوائر، وكان مستوفيا أوضاعه الجوهرية المقررة قانونا فإنه لا يجوز اتخاذ دعوى البطلان وسيلة لإجهاض ما قضى به، ما لم يكن الحكم مشوبا بعيب من العيوب الجوهرية التي تفقده صفته كحكم قضائي أو تفقده وظيفته.

وحيث إن الطاعنين في الطعنين رقمي 30952 و31314 لسنة 57ق.ع قد أبدوا ما عن لهم من أسباب للطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 12622 لسنة 63ق، وقد فحصت المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع) -بتشكيل مغاير هذه الأسباب وتناولتها بالرد عليها، وانتهت إلى رأي فيها بحسب ما وقر في عقيدتها واستقر في وجدانها بأنه الحق والصواب، وذلك على النحو المبين سالفا، ثم انتهت المحكمة بتشكيل صحيح إلى قضائها الطعين، فمن ثم تكون دعوى البطلان الأصلية خليقة بالرفض.

ولا ينال من ذلك ما أثارته الشركة الطاعنة من أسباب للزعم ببطلان ذلك الحكم؛ إذ إن هذه الأسباب تندرج في دائرة الأسباب الموضوعية التي لا يجوز الارتكان إليها في دعوى البطلان لإعادة طرح النزاع مرة أخرى على المحكمة بغير الطريق المقرر قانونا، كما لا يعدو الأمر أن يكون خلافا في الرأي أَبَاَن الحكمُ قواعدَه ومبرراتِه وانتهى فيه إلى ما رجح لديه، ومن ثم فهذه الأسباب وما انتهى الرأي فيها هي مما يندرج تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله، ولا يمثل ذلك إهدارا للعدالة أو يفقد الحكم مقوماته أو يعيبه بعيب ينحدر به إلى درك الانعدام.

كما لا ينال من ذلك أن المحكمة التي أصدرت الحكم الطعين اعتنقت مبدأ يشكل عدولا عن مبادئ مستقرة، وهو الحفاظ على المراكز القانونية للمتعاقدين حتى إن خولفت أحكام القانون المنظمة لإجراءات التعاقد، وهو ما كان يستوجب الإحالة إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة على وفق حكم المادة (54) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، لأن ذلك مردود بأنه طبقا لما استقر عليه القضاء والإفتاء والفقه فإنه لا بطلان إلا بنص، وإذ خلا نص المادة المشار إليها من تقرير أي بطلان للأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الإدارية العليا دون التزام بما ورد في النص من وجوب الإحالة إلى الدائرة المشكلة طبقا لتلك المادة، فإنه لا يسوغ تقرير مثل هذا البطلان، لاسيما أنه كان بمكنة المشرع إذا أراد تقرير مثل هذا البطلان أن ينص عليه صراحة كأثر مترتب على الخروج على النص وعدم الالتزام بأحكامه الوجوبية، بيد أن المشرع لم يقدم على تقرير هذا البطلان، حفاظا على هيبة القضاء وقدسية أحكامه وما تتمتع به من حجية ما قضت به، وهو ما يجعلها واجبة التنفيذ، ويجعل الامتناع عن هذا التنفيذ أو تعطيله جريمة يعاقب عليها القانون على وفق ما قررته الدساتير المصرية المتعاقبة، وهو النهج نفسه الذي سار عليه المشرع من عدم تقريره البطلان للأحكام الصادرة عن محاكم من الدرجات الأدنى إذا صدرت بالمخالفة للمبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم فإن الأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الإدارية العليا على خلاف مبادئ وأحكام أخرى صادرة عنها أو عن دوائر أخرى بالمحكمة، دون أن تستنهض ولاية الدائرة المشكلة طبقا لنص المادة (54) مكررا المشار إليها، هي أحكام صحيحة مطابقة للقانون، لم يعتورها أي عيب يفقدها صفتها كأحكام، أو يفقدها أحد أركانها الأساسية المتعين توفرها في الحكم. (في هذا الشأن: الحكم الصادر عن دائرة توحيد المبادئ في دعوى البطلان الأصلية رقم 10646 لسنة 52ق. ع  بجلسة 13/6/2009).

كما لا ينال مما تقدم ما ذهبت إليه المحكمة من تأييد الحكم المطعون فيه رغم الدفع بانعدام صفة رافعي الدعوى أو بوجود مانع لدى عضوين من أعضاء المحكمة التي أصدرته؛ لأن ذلك مردود بأن ذلك كله مما يدور حول سلطة المحكمة في تكوين عقيدتها في ضوء ما يقدم إليها من مستندات وصولا إلى وجه الحق في الدعوى، وقد فصلت المحكمة في هذه المسائل بما ارتأت أنه الحق، وهو ما يدور في فلك المسائل التي تحتمل الخطأ والصواب في تفسير القانون وتطبيقه، وقد أصدرت المحكمة حكمها في هذه المسائل بتشكيل غير مطعون عليه، ومن ثم لا يجوز لهذه الدائرة التعقيب على ما انتهت إليه من رأي أقامت عليه قضاءها في هذا الشأن.

وحيث إنه يخلص مما تقدم أن الحكم المطعون فيه صدر عن دائرة من دوائر المحكمة الإدارية العليا، بهيئة وتشكيل صحيحين، وقام على الأسباب التي اقتنع وجدان المحكمة بسلامتها، ولم يثبت أن هناك مثالب قد شابت هذا الحكم تؤدي إلى بطلانه، وأن ما أقيم عليه الطعن بالبطلان ليس سوى أسباب موضوعية مما يحتمل الخطأ والصواب ولا تصلح سببا لبطلان هذا الحكم؛ لذا فإن المحكمة تقضي برفض الدعوى.

وحيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملا بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

(أولا) بعدم قبول دعوى البطلان رقم 46332 لسنة 56ق.ع، وألزمت الطاعنين مصروفاتها.

(ثانيا) بقبول دعوى البطلان رقم 2942 لسنة 57ق.ع شكلا، ورفضها موضوعا، وألزمت الشركة الطاعنة المصروفات.

([1]) الحكم محل دعويي البطلان الماثلتين هو الحكم الصادر عن الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 14 من سبتمبر سنة 2010 في الطعنين رقمي 30952 و31314 لسنة 56 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في السنتين 55 و56 مكتب فني، المبدأ رقم 71).

([2]) في شأن طعن الخارج عن الخصومة قررت دائرة توحيد المبادئ بجلسة 12 من إبريل سنة 1987 في الطعنين رقمي 3382و3387 لسنة 29 القضائية عليا وفي الطعن رقم 3155 لسنة 31 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 8) عدم جواز طعن الخارج عن الخصومة أمام المحكمة الإدارية العليا في الطعون المقامة على أحكام محكمة القضاء الإداري أو المحاكم التأديبية، وكذا عدم جواز طعن الخارج عن الخصومة أمام محكمة القضاء الإداري في أحكام المحاكم الإدارية، وأن المحكمة التي أصدرت الحكم تختص بنظر هذا الطعن في الحدود المقررة قانونا لالتماس إعادة النظر، وبينت المحكمة أن “ذو الشأن” الذي له حق الطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا طبقا للمادة 23/2 من قانون مجلس الدولة يقصد به ذا الشأن في الحكم وفي الطعن عليه، وليس في القرار محل الحكم المطعون فيه، ولا يمكن أن تنصرف تلك العبارة إلى من لم يكن ذا شأن في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون عليه، فذو الشأن هو من كان طرفا في الدعوى.

ويراجع ما انتهت إليه الدائرة الأولى (فحص) بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 14 من نوفمبر سنة 2011 في الطعون أرقام 2408 و2409 و2432 و2433 لسنة 58 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في شأن الأحزاب السياسية والانتخابات الرئاسية واالبرلمانية 2011-2016، مكتب فني، المبدأ رقم 27) من أن الصفة في الطعن تثبت لمن لم يكن خصما في الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه، إذا كان القرار المطعون فيه يرتب في حقه مركزا قانونيا، وذلك باعتباره خصما مستترا إجرائيا، لا تنتفي عنه صفة الخصم الأصلي، وتطبيقا لهذا: إذا تعلقت المنازعة في الطعن بمدى أحقية الطاعن في المساهمة في الحياة السياسية العامة عن طريق الترشح لمجلسي الشعب والشورى، الذي هو حق لصيق به كمواطن، ورتب الحكم المطعون فيه مركزا قانونيا بشأنه نال من هذه الحقوق، فإنه وإن لم يكن طرفا في خصومة أول درجة، يعد خصما مستترا إجرائيا فيها، ومن ثم يكون من ذوي الشأن الذين يحق لهم الطعن أصالة في هذا الحكم.

ويراجع كذلك الحكم الصادر عن الدائرة الحادية عشرة (موضوع) بالمحكمة بجلسة 21 من إبريل سنة 2013 في الطعن رقم 13237 لسنة 59 القضائية عليا (منشور بالمجموعة المشار إليها، المبدأ رقم 42) من أن الخارج عن الخصومة لا يجوز له الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة فى المنازعات الإدارية بجميع أنواعها، ومنها دعوى الإلغاء، وكذلك المنازعة التأديبية التي تعدى إليه أثرها، بل عليه أن يسلك طريق التماس إعادة النظر فى الحدود المقررة قانونا لذلك أمام المحكمة نفسها التي أصدرت الحكم الملتمس إعادة النظر فيه، واستثناءً من ذلك: إذا لم يكن الخارج عن الخصومة مختصما في الدعوى الصادر فيها حكم عن محكمة أول درجة، وكان يتعين اختصامه كخصم أصيل فيها، فإن هذه المنازعة لم تكن منازعة صحيحة؛ لأن في تنحيته عنها سواء بفعل الخصوم أو بإهمالهم عدوانا على حقه الدستوري في الدفاع والذود عن مركزه القانوني الشخصي، ومن ثم يسوغ له الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في هذا الحكم.

– ويراجع ما انتهت إليه دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا من أن أحكام المحكمة الإدارية العليا كانت ومازالت لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر (حكمها في الطعن رقم 25533 لسنة 60 ق ع بجلسة 6/6/2015، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما، مكتب فني، ص1298).

لكن المحكمة الإدارية العليا استثنت من هذه القاعدة حالة إذا ما كانت تنظر النزاع كمحكمة أول درجة، كما هي الحال في المنازعات المتعلقة بالهيئات القضائية وأعضائها، حيث أكدت أنه لا مانع قانونا من قبول طلبات التماس إعادة النظر في الأحكام الصادرة عنها باعتبارها محكمة أول درجة، وذلك إذا توفر مناط قبول التماس إعادة النظر؛ إذ قد تطرأ بعض الأمور أو الوقائع المهمة بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا لم تكن أمامها عند نظر الطعن في بدء الأمر، مما يستلزم إعادة عرض الأمر عليها عن طريق طلب التماس إعادة النظر، خاصة وأن الشروط الخاصة بالتماس إعادة النظر لا تعد من الأمور القانونية المنصوص عليها في قانون المرافعات بالمادة (147) كسبب لقبول دعوى البطلان. (حكمها في الطعن رقم 26413 لسنة 54 ق ع بجلسة 24/5/2009، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 54 مكتب فني، ص580).

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بجلستها المنعقدة بتاريخ 13/3/2005 في القضية رقم 16 لسنة 23 القضائية (دستورية) برفض الحكم بعدم دستورية نص المــــادة (51) من قانون مجلس الدولة فيما تضمنه من إسقاط أحكام المحكمة الإدارية العليا من عداد الأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر.

([3]) يراجع ما قررته الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 18 من مايو سنة 2014 في الطعن رقم 28926 لسنة 52 القضائية عليا (منشور بهذه المجموعة، المبدأ رقم 67/هـ)، حيث انتهت إلى أن حكم دائرة فحص الطعون يكون مشوبا بعيب جسيم يبطله إذا لم يلتفت إلى وجود طعنٍ آخر، ولم يطلب ضمَّه أو يطلب بيانًا بما تم فيه، ولم يرد له ذكر فيه، أو لم يلتفت لتدخل الخصوم، لا بقبولٍ ولا برفضٍ، أو لم يلتفت إلى عدم انعقاد الخصومة في الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها انعقادًا صحيحًا، وأن لدائرة الموضوع أثناء نظرها لطعن آخر مرتبط بذلك الطعن ألا تعتد بهذا الحكم.

([4]) قررت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ في حكمها الصادر بجلسة 13 من يونيه سنة 2009 في دعوى البطلان المقيدة برقم 10646 لسنة 52 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 77).

Comments are closed.

xnxxbf