مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الخامسة – الطعن رقم 22470 لسنة 53 القضائية (عليا)
يوليو 26, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الخامسة – الطعن رقم 36049 لسنة 57 القضائية (عليا)
يوليو 28, 2021

الدائرة الأولى – الطعن رقم 25177 لسنة 56 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 26 من إبريل سنة 2014

الطعن رقم 25177 لسنة 56 القضائية (عليا)

(الدائرة الأولى)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. عبد الفتاح صبري أبو الليل، ومنير عبد القدوس عبد الله، وإبراهيم سيد أحمد الطحان، ومحمد ياسين لطيف شاهين.

نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

(أ) دعوى– الحكم في الدعوى- مسودة الحكم- تجوز كتابتها كاملةً بواسطة جهاز الكمبيوتر, على أن توقع نهاية المسودة من أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم([1]).

(ب) اختصاص– الاختصاص الولائي- ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة- المنازعة في قرار وزير المالية بالتصالح في جرائم التهريب الجمركي أو رفضه تُعَدُّ منازعةً إدارية، وذلك بغض النظر عن النتيجة التي يرتبها تدخلُ وزير المالية في شأن التصالح في تلك الجرائم، ومدى تعلقها بجرائم جنائية من عدمه- يراقب القضاء الإداري في مجال المنازعة الإدارية عمل الإدارة في إطار أحكام القوانين واللوائح المنظمة، مادام أن العمل لا يُعَدُّ تصرفًا قضائيًّا بالمعنى الدستوري والقانوني، ولا يُعَدُّ فرعًا من أصلٍ منظور أمام المحاكم الجنائية ومُرتبِطًا به.

– المادة رقم (124) من قانون الجمارك، الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963، المعدَّل بموجب القانون رقم 95 لسنة 2005.

– المادة رقم (10) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

(ج) جمارك– جرائم التهريب الجمركي- السلطة التقديرية لوزير المالية في طلب تحريك الدعوى الجنائية أو التصالح في هذه الجرائم- علَّقَ المشرِّعُ رفعَ الدعوى الجنائية في هذه الجرائم على طلبٍ كتابيٍّ من وزير المالية أو مَنْ يفوِّضه، كما أجاز له التصالح فيها- يُعَدُّ ذلك قيدًا على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية في جرائم التهريب الجمركي، فطلبُ إقامة الدعوى الجنائية أو التنازل عن إقامتها بالتصالح منوطٌ بالجهة الإدارية المختصة، تقدِّرُه على وفق مقتضيات المصلحة العامة حسبما يتراءى لها في ضوء كل حالةٍ على حدة([2]).

– المادة رقم (124) من قانون الجمارك، الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963، المعدَّل بموجب القانون رقم 95 لسنة 2005.

(د) جمارك– جرائم التهريب الجمركي- السلطة التقديرية لوزير المالية في طلب تحريك الدعوى الجنائية أو التصالح في هذه الجرائم- مدى اعتبار أيهما من قبيل القرارات الإدارية- ليس من شأن ذلك الطلب أو التصالح إنشاء مركز قانوني جديد لمرتكب المخالفة، بعد أن تحدد مركزه القانوني بمدى صحة توفر أركان جريمة التهريب في حقه- عينيةُ هذا الطلب وانصرافُه المباشر إلى الجريمة دون اعتبارٍ لمرتكبها، والتصالحُ في شأنها (وهو الوجه الآخر لإقامة الدعوى الجنائية والمسقط لها) يتأبيان وأن يكون لهما أثرٌ في إحداث مركز قانوني خاص لمرتكب الجريمة- لا يمكن القول بأن لمرتكب الجريمة حقا في ألا يحاكم عن جريمته بأن يجري صلحا مع الجهة الإدارية المختصة، ولو خولها القانون ذلك- يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى المقامة طعنا في قرار جهة الإدارة برفض التصالح في تلك الجرائم؛ لانتفاء القرار الإداري([3]).

الإجراءات

بتاريخ 1/6/2010 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبةً عن الطاعنين قلمَ كُتَّابِ هذه المحكمة تقريرَ طعنٍ قُيِّدَ بجدولها بالرقم عاليه في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الرابعة) في الدعوى رقم 25976 لسنة 64 ق بجلسة 25/5/2010، القاضي بقبول الدعـوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار -على النحو الموضح بالأسباب- وإلزام الإدارة مصروفات الشق المستعجل، وأمرت بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبدون إعلان، وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.

وطلبت الهيئة الطاعنة -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- تحديد أقرب جلسة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، لتأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا: (أصليًّا) ببطلان الحكم المطعون فيه. و(احتياطيًّا) بعدم اختصاص المحكمة ولائيًّا بنظر الدعوى. و(للاحتياط الكلي) بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري. و(للاحتياط البعيد) برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه. مع إلزام المطعون ضده في أيِّ هذه الحالات -عدا الثانية- المصروفات عن درجتي التقاضي.

وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7/6/2010 على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وفيها حضر الأستاذ/… المحامي عن المطعون ضده، وقدم حافظتي مستندات، وبالجلسة نفسها قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضده مصروفات طلب وقف التنفيذ، وأمرت بإحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيه.

وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع: (أصليًّا) ببطلان الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى مرة أخرى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة على النحو المبين بالأسباب، مع إبقاء الفصل في المصروفات، و(احتياطيًّا) بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.

وتدوول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها، حيث قررت بجلسة 4/2/2013 إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع، وحددت لنظره جلسة 13/4/2013، وقد نظرته المحكمة بتلك الجلسة وما تلاها من جلسات على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 8/6/2013 أودعت الهيئة الطاعنة مذكرة دفاع، انتهت إلى التصميم على الطلبات الواردة بتقرير الطعن، وبجلسة 11/1/2014 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وصرحت بتقديم مذكرات لمن يشاء خلال شهر، وقد انقضى هذا الأجل دون تقديم أية مذكرات، وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.

وحيث إنه سبق القضاء بقبول الطعن شكلا عند الفصل في الشق العاجل منه.

وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن المطعون ضده كان قد أقام دعواه الصادر فيها الحكم المطعـون فيه أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، بصحيفةٍ أودعت قلمَ كُتَّابِ المحكمةِ بتاريخ 6/4/2010، طالبًا الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ ثم بإلغاء قرار وزير المالية فيما تضمنه من رفض التصالح معه في محضر الضبط الجمركي رقم 7 لسنة 2010 المؤرَّخ في 16/3/2010 (المقيَّد برقم 1278 لسنة 2010 جنح اقتصادية)، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك على سندٍ من أنه لدى عودته ضمن ركاب الخطوط الإماراتية القادمة من دبي بالرحلة رقم 923 بتاريخ 16/3/2010، وأثناء إنهاء الإجراءات الجمركية بمطار القاهرة الجوي، تمَّ استيقافُه بمعرفة مأمور الجمرك، حيث قام بتفتيش الحقيبة (الهاندباج) التي يحملها، فعثر بداخلها على كميات كبيرة ومتنوعة من أجهزة التليفون المحمول التي لها الصفة التجارية، وتمَّ تشكيلُ لجنةٍ لجرد المضبوطات، وتحرَّرَ ضده محضرُ الضبط الجمركي رقم 7 لسنة 2010، والذي ذكر فيه أن التليفونات المضبوطة بالحقيبة قام بإحضارها للدعاية الانتخابية وتوزيعها على أهل دائرته، وليس بقصد الاتجار، وأبدى رغبته في التصالح وسداد الرسوم الجمركية المستحقة على وفق أحكام القانون، كما أبدى الرغبة نفسها عند التحقيق معه في النيابة المختصة، إلا أنه فوجئ بصدور قرار وزير المالية برفض التصالح معه، وتحريك الدعوى الجنائية ضده، حيث قُيِّدَتْ ضده الجنحةُ رقم 1278 لسنة 2010 جنح اقتصادية، وبجلسة 21/3/2010 قضت المحكمة بحبسه سنتين مع الشغل، وتغريمه مبلغ خمسين ألف جنيه وأن يؤدي مثلَ الضرائب الجمركية المستحقة، وهي مئة ألف جنيه، ومصادرة المضبوطات والأدوات.

وأضاف المطعون ضده في صحيفة دعواه أن القرار المطعون فيه برفض التصالح معه على وفق نص المادة (124) من قانون الجمارك مشوبٌ بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها؛ لقيام الجهة الإدارية بالتصالح في العديد من المحاضر المماثلة، مما حداه على إقامة دعواه.

………………………………………………..

وبجلسة 25/5/2010 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الرابعة) حكمها في الشق العاجل من الدعوى المشار إليها سالفًا، وشيَّدت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بقبول الدعوى على أسباب حاصلها أن القرار المطعون فيه مستكملٌ جميعَ الأركان والشرائط الموضحة بتعريف القرار الإداري، ويرتب آثارًا قانونية تجاه المدعي، ومن ناحيةٍ أخرى: لا يجوز دستوريًّا أو قانونيًّا تحصينُ أيِّ قرارٍ إداري من رقابة القضاء، كما أن المجال الخصب للقرارات الإدارية يجد مجاله في القرارات التي تصدر بناءً على سلطة تقديرية، ومن ثم يكون الدفع المبدى من جهة الإدارة بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري (والذي يقوم على سندٍ من أن رفض التصالح في قضايا التهريب الجمركي لا يُعَدُّ قرارًا إداريًّا إيجابيًّا أو سلبيًّا؛ لأن التصالح أمر متروك لتقدير مصلحة الجمارك ويخضع لسلطتها التقديرية دون معقب عليها) هذا الدفعُ في غير محله من القانون، مما يتعين معه الحكم برفضه، والاكتفاء بذلك في الأسباب دون المنطوق.

ولما كان الثابت أن القرار المطعون فيه صدر في 17/3/2010، وأقام المدعي دعواه في 6/4/2010، فمن ثمَّ تكون قد أقيمت خلال الميعاد المقرر قانونًا، وإذ استوفت جميع أوضاعها الشكلية الأخرى، فتكون مقبولة شكلا.

وشيَّدت المحكمة قضاءها بالنسبة لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه على أسباب حاصلها أن المشرِّعَ نظَّم في المادة (124) من قانون الجمارك أحوالَ التصالح في جرائم التهريب الجمركي، وكيفيةَ رد أو مصادرة البضائع المهربة بعد سداد مبلغ التعويض، ومنح لجهة الإدارة (مُمَثَّلة في وزير المالية أو مَنْ يُفوِّضه) سلطةً تقديرية في قبول طلب التصالح، وأن استخدام الإدارة لسلطتها التقديرية لا تعني الإطلاق والتحكم عند ممارستها، فلا يجوز لها أن تميز في مجال ممارسة تلك السلطة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة مِمَّنْ ارتكبوا جرائم تهريب جمركي، وأن البادي من ظاهر الأوراق أن الإدارة قبلت طلبات التصالح في جرائم تهريب جمركي رغم تَشَابِهِ بعضِها مع حالة المدعي، وَشِدَّتِها عن حالته في البعض الآخر، وَتَعَلُّقِ بعضِها بشخصية عامة (رجل أعمال)، وهو ما يدلُّ على إساءة الإدارة لاستعمال سلطتها مع المدعي، فلا توجد قواعدُ موضوعية تنظِّمُ قبولَ أو رفضَ التصالح، مِمَّا يجعلُ التصالحَ منحةً في يد الإدارة، تمنحُها لِمَنْ تشاء، وتحجبُها عَمَّنْ تشاء، وقد يُتَخَذُ وسيلةً للتنكيل، وهو ما يخالفُ إرادةَ المشرِّعِ عند النص على منح الإدارة مثل هذه السلطة، مما يصم القرار المطعون فيه بعيب مخالفة القانون.

كما أن مسلك الإدارة على النحو المشار إليه فيه مخالفةٌ لمبدأ المساواة المنصوص عليه دستوريًّا، ومن ثمَّ يضحى القرار المطعون فيه -حسب الظاهر من الأوراق- قد صدر مخالفًا القانون، ومشوبًا بعيب إساءة استعمال السلطة، ومن ثم فهو مُرجَّحُ الإلغاء عند نظر موضوع الدعوى، مما يتوفر معه لطلب وقف التنفيذ ركن الجدية، وأن استمرار تنفيذ القرار المطعون فيه يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها تتعلق بحرية المدعي، مما يتوفر معه ركن الاستعجال، وهو ما خلصت معه المحكمة إلى قضائها المذكور سالفًا.

………………………………………………..

وحيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه خالف القانون، وأخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك من عدة وجوه على النحو الآتي:

الوجه الأول: بطلان الحكم المطعون فيه؛ لأن البيانات الأساسية لمسوَّدتِه (وهي رقم الدعوى وتاريخ إيداع العريضة وأسماء الخصوم) تمَّت كتابتُها بواسطة جهاز الكمبيوتر، ولم تُكتَب بخط يد القاضي الذي أصدر الحكم، وهو ما يخالفُ حكمَ دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 18006 لسنة 53 ق. عليا بجلسة 10/1/2009.

 الوجه الثاني: تجاوز حدود الولاية المقررة لمحاكم مجلس الدولة؛ قولا من الهيئة الطاعنة إن التصالحَ في جرائم التهريب الجمركي يُعَدُّ تصرفًا جنائيًّا من قبيل الإجراءات التي تتساند لتعيين مصير الجريمة، ويترتب على إجازة إجرائه انقضاء الدعوى الجنائية وجميع الآثار المترتبة على الحكم فيها، ومن ثمَّ فإنه يتسم بالطبيعة القانونية التي تتسم بها جميع إجراءات الدعوى الجنائية، وهو ما تكون معه المحكمة الجنائية -بحسبانها المحكمة المختصة بنظر الدعوى العمومية- هي أيضًا المحكمة المختصة بنظر النزاع الذي قد يثار بشأن التصالح؛ وذلك إعمالا لقاعدة: أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، ومن ثم فما كان ينبغي على محكمة القضاء الإداري أن تتصدى للفصل في النزاع الماثل؛ بحسبانه خارجًا عن حدود ولايتها.

الوجه الثالث: أخطأ الحكم بقبوله الدعوى رغم انتفاء القرار الإداري، فقد جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن التصالحَ مع الجمارك، والذي تنقضي به الدعوى العمومية، هو الوجهُ الآخر لطلب إقامة الدعوى العمومية، ومن طبيعتها نفسها، فلا يعد قرارًا إداريًّا، سواء كان موقف الإدارة منه إيجابيًّا بالموافقة على التصالح، أو سلبيًّا برفض التصالح، كما أن الصلحَ في جرائم التهريب الجمركي يدخل في حدود السلطة التقديرية للجهة التي خوَّلها القانونُ، ولها الحقُّ في التصالح في هذه الجرائم بحسب ما تراه محققًا المصلحة العامة، مما ينتفي معه القولُ بوجود قرار إداري سلبي بامتناع وزير المالية عن اتخاذ إجراءات التصالح مع المطعون ضده، مما كان يتعين معه -والحال كذلك- القضاء بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري السلبي.

الوجه الرابع: قضى الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه رغم مشروعية هذا القرار؛ ذلك أن القرار المطعون فيه -على فرض أنه قرارٌ إداري مما يجوز الطعنُ عليه أمام محاكم مجلس الدولة- صدر في حدود السلطة التقديرية المقررة للجهة الإدارية، مُستهدِفة من إصداره تحقيق المصلحة العامة المتمثلة في الردع الخاص للمتهم (المطعون ضده)، والردع العام الذي لا يتحقق إذا انقضت الدعوى العمومية باتفاقٍ بعيد عن بصر الجمهور وسمعه، خاصةً أن المتهم عضو مجلس شعب، وكان أحرى به باعتباره ممثلا للشعب ويشترك في إقرار التشريعات أن ينأى بنفسه عن مثل هذه الجريمة التي تؤدي إلى ضياع أموال الخزانة العامة للدولة، ومن ثمَّ يكون القرار المطعون فيه قد تغيا المصلحة العامة مما يؤكِّدُ مشروعيتَه، ومن ثم ينتفي ركنُ الجدية اللازم توفره للقضاء بوقف تنفيذ ذلك القرار.

………………………………………………..

– وحيث إنه عن الوجه الأول للطعن فقد انتهت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بحكمها في الطعن رقم 1208 لسنة 54 ق. عليا بجلسة 3/12/2011 إلى جواز كتابة مسوَّدة الأحكام القضائية كاملةً بواسطة جهاز الكمبيوتر، على أن تُوَقَّعَ نهايةُ المسوَّدة من الدائرة التي أصدرت هذه الأحكام، ومن ثم فقد عَدَلَتْ المحكمةُ بهذا الحكم عَمَّا سبق أن قررته بجلستها المنعقدة بتاريخ 10/1/2009 في الطعن رقم 18006 لسنة 53 ق. عليا، ورأت المحكمةُ أنه ليس هناك لزومٌ للتفرقة في حكم جواز كتابة مسوَّدة الأحكام القضائية كاملةً بواسطة جهاز الكمبيوتر بين أيٍّ من مُدوَّنات مسوَّدة هذه الأحكام، بحيث تستوي في ذلك كتابةُ البيانات الأساسية للحكم (كرقم الدعوى وتاريخ إيداع العريضة وأسماء الخصوم وكذا منطوق الحكم) وكتابةُ غير ذلك من هذه المدوَّنات، ومن ثمَّ يضحى الوجه الأول من الطعن ببطلان الحكم المطعون فيه لأن البيانات الأساسية لمسوَّدته تمت كتابتُها بواسطة جهاز الكمبيوتر في غير محله، جديرًا بالالتفات عنه.

– وحيث إنه عن الوجه الثاني للطعن بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيًّا بنظر النزاع، فمن المقرر على وفق الدساتير المصرية المتعاقبة أن مجلس الدولة أضحى صاحبَ الولاية العامة بنظر الطعون في القرارات الإدارية وجميع المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي، ما فتئ قائمًا عليها، باسطًا ولايته على مختلف أشكالها وتعدد صورها، بحيث لا يَسُوغ أن تنأى أيةُ منازعةٍ إدارية عن اختصاصه إلا بنصٍّ خاص، وهو ما حرص قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 على النص عليه في البند (الرابع عشر) من المادة العاشرة منه، بأن تختصَّ محاكمُ مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في سائر المنازعات الإدارية.

وإذ كان ما تقدم، وكان الثابت أن النزاع الماثل يدورُ حولَ سلطةِ وزير المالية في التصالح في جرائم التهريب الجمركي على وفق نص المادة (124) من قانون الجمارك، الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963، مُعدَّلا بالقانون رقم 95 لسنة 2005، ومن ثمَّ فهو مما يُعَدُّ منازعةً إدارية على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، وذلك بغض النظر عن النتيجة التي يرتبها تدخلُ وزير المالية في شأن التصالح في تلك الجرائم، ومدى تعلقها بجرائم جنائية من عدمه، فالمحكمة في مجال المنازعة الإدارية تراقب عمل الإدارة في إطار أحكام القوانين واللوائح المنظمة، مادام أن العمل لا يُعَدُّ تصرفًا قضائيًّا بالمعنى الدستوري والقانوني، كما أنه لا يُعَدُّ فرعًا من أصلٍ منظور أمام المحاكم الجنائية ومُرتبِطًا به، ومن ثمَّ فهو يخضع لاختصاص مجلس الدولة؛ باعتباره يدخل في مفهوم المنازعة الإدارية طبقًا للبند (الرابع عشر) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة، ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن في غير محله، جديرًا بالرفض.

– وحيث إنه عن الوجه الثالث من الطعن والخاص بقبول الحكم للدعوى رغم انتفاء القرار الإداري، فإن المادة (124) من قانون الجمارك المذكور سالفًا تنص على أنه: “لا يجوز رفع الدعوى الجنائية في جرائم التهريب المنصوص عليها في المواد السابقة إلا بناءً على طلبٍ كتابي من وزير المالية أو مَنْ يفوِّضه. ولوزير المالية أو مَنْ يفوِّضه التصالح في أيٍّ من هذه الجرائم في أيِّ مرحلةٍ كانت عليها الدعوى الجنائية مقابل أداء مبلغ التعويض كاملا، فإذا كانت البضائع محل الجريمة من الأصناف الممنوعة أو المحظور استيرادها يتم احتساب التعويض على أساس الضريبة الجمركية أو قيمة البضائع محل الجريمة أيهما أكبر. وفي حالة التصالح تُرَدُّ البضائع المضبوطة بعد دفع الضرائب المستحقة عليها ما لم تكن من الأنواع الممنوعة أو المحظور استيرادها، كما تُرَدُّ وسائل النقل والأدوات والمواد التي استُخدمت في التهريب. ويضاعف التعويض في الحالات السابقة إذا كان التصالح عن جريمة تهريب مع متهم سبق له ارتكاب جريمة تهريب أخرى، خلال السنوات الخمس السابقة، صدر فيها حكمٌ بات بالإدانة أو انقضت الدعوى الجنائية عنها بالتصالح. ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية وجميع الآثار المترتبة على الحكم فيها، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة الجنائية إذا تم التصالح أثناء تنفيذها، ولو كان الحكم باتًّا”.

ومفاد هذا النص أن المشرِّعَ علَّقَ رفعَ الدعوى الجنائية في جرائم التهريب الجمركي على طلبٍ كتابيٍّ من وزير المالية أو مَنْ يفوِّضه، كما أجاز له أن يتصالح مع مرتكب الجريمة في أية مرحلةٍ كانت عليها الدعوى الجنائية ولو بعد الحكم فيها، ويترتبُ على التصالحِ انقضاءُ الدعوى الجنائية أو وقفُ العقوبة وانقضاءُ جميع الآثار المترتبة على الحكم، والطلبُ الكتابيُّ يُعَدُّ قيدًا على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية في جرائم التهريب الجمركي، ومن ثمَّ يضحى طلبُ إقامة تلك الدعاوى أو التنازل عن إقامتها بالتصالح منوطًا بالجهة الإدارية المختصة، فتقدِّره على وفق مقتضيات المصلحة العامة حسبما يتراءى لها في ضوء كل حالةٍ على حدة.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب إقامة الدعوى الجنائية في جرائم التهريب الجمركي يصدر عن الجهة الإدارية المختصة بقصد حماية مصالحها، سواءً بصفتها مجنيًّا عليها، أو بصفتها أمينةً على مصالح الدولة العليا، وينصرف الطلب إلى الجريمة نفسها، فينطوي على تصريحٍ باتخاذ إجراءات التحقيق، أو رفع الدعوى عنها، دونَ اعتبارٍ لمرتكبها، والتصالح بحسبانه الوجه الآخر لطلب إقامة الدعوى الجنائية والمسقط لها تكـون له نفس طبيعةُ طلبِ إقامة الدعوى، فينصرفُ -بدوره- إلى حماية مصالح الجهة التي ناط بها القانونُ إجراءَ التصالح، دونَ نظرٍ إلى شخص مرتكب الجريمة، ومؤدى ذلك أن طلب إقامة الدعوى أو التصالح الذي يصدر عن الجهة الإدارية المختصة ليس من شأنه أن يُنشِئَ مركزًا قانونيًّا جديدًا لمرتكب المخالفة بعد أن تحدَّد مركزُه القانوني بهذا الوصف بمدى صحة توفر أركان جريمة التهريب في حقه، ولا يمكنُ القولُ بأن لمرتكبِ الجريمة حقًّا في ألا يُحاكَمَ عن جريمته بأن يجري صُلحًا مع الجهة الإدارية المختصة، حتى لو خوَّلها القانونُ ذلك.

وترتيبًا على ذلك، فإن طلب رفع الدعوى الجنائية بالنسبة لجرائم التهريب الجمركي لا يُعد من قبيل القرارات الإدارية؛ إذ لا تتوفر بالنسبة له مقومات القرار الإداري، الذي هو إفصاح جهة الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة، بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانوني معين، يكون ممكنًا وجائزًا قانونًا، ابتغاء المصلحة العامة؛ إذ إن عينية طلب إقامة الدعوى الجنائية وانصرافه المباشر إلى الجريمة، ودونما اعتبار لمرتكبها، تتأبى أن يكون لهذا الطلب أثرٌ في إحداث مركز قانوني خاص لمرتكب هذه الجريمة، فالأخير بارتكابه للأعمال المؤثمة يكون قد هيأ نفسه في وضعٍ امتلكت فيه الجهة الإدارية زمام أمره كاملا، فتحركه حسبما يتراءى لها مقتضى المصلحة العامة، سواء أكان بإقامة الدعوى الجنائية أم بالتصالح في شأنها.

وإذا كان قانونُ الجمارك قد خوَّل وزيرَ المالية أو من يفوِّضه سلطةَ التصالح مع الجاني في جرائم التهريب الجمركي، ونص على أن تنقضي الدعوى الجنائية وجميع الآثار المترتبة على الحكم فيها بالتصالح، فإن هذا التصالح، وهو الوجه الآخر لطلب إقامة الدعوى الجنائية والمسقط لها، يكونُ من نفس طبيعة طلب إقامة الدعوى الجنائية، فلا يعد قرارًا إداريًّا بالمفهوم الاصطلاحي للقرار الإداري، سواء كان موقفُ الإدارة منه إيجابيًّا بقبول التصالح أو سلبيًّا برفضه. (تراجع في هذا المعنى أحكام المحكمة الإدارية العليا في الطعون أرقام 2920 لسنة 30 ق. عليا بجلسة 23/1/1988، و480 لسنة 33 ق. عليا 6/7/1991، و114 لسنة 43 ق. عليا بجلسة 14/4/2001).

وحيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان قد أقام دعواه بالطعن على قرار وزير المالية فيما تضمنه من رفض التصالح معه في محضر الضبط الجمركي رقم 7 لسنة 2010، المؤرَّخ في 16/3/2010 والمقيَّد برقم 1278 لسنة 2010 جنح اقتصادية، وكان التصالح هو الوجه الآخر لطلب وزير المالية إقامة الدعوى الجنائية والمسقط لها، وكلاهما لا يَصْدُقُ عليه وصفُ القرار الإداري، فلا يجوزُ الطعنُ عليه بدعوى الإلغاء، مما يتعينُ معه القضاءُ بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري.

وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلافِ ما تقدم، وقضى بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإنه يكونُ قد صدر مخالفًا لصحيح حكم القانون، ويتعينُ لذلك الحكمُ بإلغائه، والقضاءُ مجددًا بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري.

وحيث إن من خسر الطعن يلزم المصروفات عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة (بهيئة قضاء إداري) ولائيًّا بنظر الدعوى، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.

[1])) سبق لدائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا تقرير هذا المبدأ في حكمها الصادر في الطعن رقم 1208 لسنة 54 ق.عليا بجلسة 3/12/2011 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها هذه الدائرة في ثلاثين عامًا، مكتب فني، جـ2، المبدأ رقم 91، ص1087).

[2])) يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2920 لسنة 30 ق.عليا بجلسة 23/1/1988 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 33 مكتب فني، جـ 1، المبدأ رقم 107، ص693)، حيث قالت المحكمة إن ما تقوم به جهة الإدارة من تنظيم لاستعمال حقها في إقامة الدعوى الجنائية في جرائم التهريب، أو في التصالح بالنسبة لبعض هذه الجرائم، أو الإجراءات التي تتبع في جميع الأحوال، وذلك كله بقصد رعاية اعتبارات المصلحة العامة التي تقوم عليها، ومن أجلها وحدها خوَّلها القانونُ هذه الحقوق، وهذا التنظيم أو التقييد لا يتعلق بحقوق مرتكبي الجرائم أو لمراكزهم القانونية بهذا الوصف ولا يمسها أو يتعرض لها؛ إذ لم يقرر المشرِّعُ حقوقَ الجهة الإدارية التي يلحقُها التنظيمُ رعايةً لمصالحهم، بل بقصد حماية المصلحة العامة ومصلحة المرفق دون غيره، وبذلك تكون النظم التي تصدرها جهة الإدارة في هذا الشأن من قبيل أعمال الإدارة الداخلية المتعلقة بتنظيم عملها وكيفية ممارستها إياه، والتي لا يجوز للأفراد الطعن عليها أمام القضاء.

[3])) يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 114 لسنة 43 ق.عليا بجلسة 14/4/2001 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 46 مكتب فني، جـ 2، المبدأ رقم 165، ص1389)، حيث قالت المحكمة إن لطلب إقامة الدعوى في شأن جرائم التهريب الجمركي أثرًا عينيًّا يتعلق بجرائم يصدق عليها جميعًا أنها جرائم مالية تمسُّ ائتمان الدولة، ولا تَعَلُّقَ له بأشخاص مرتكبيها.

Comments are closed.

xnxxbf