مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
انقضاء الدعوي التأديبية – بالوفاة
أغسطس 6, 2020
مجلس الشعب
قانون رقم 143 لسنة ۲۰۲۰  بتعديل بعض أحكام قانون الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية  والقانون الصادر به رقم 93 لسنة 2000
أغسطس 18, 2020

آداب المداولة القانونية و أدبياتها

المداولة كلمة لها واقع رنان بين رجال القانون و بصفة خاصة القضاة منهم، فهي تمثل الركيزة الأساسية في عملهم حيث أنها تمثل المصدر الرئيسي لالتقائهم علي كلمة واحدة و من خلالها تتكشف كلمة الحق و هي التي ينطق بها القضاة حكماً.

كما أن كلمة “الحكم بعد المداولة”: فهي تمثل طوق النجاة للمتقاضين حيث أنهم يعلقون آمالهم علي مثل هذه المداولات التي سوف تنتهي إلي أعلاء كلمة الحق التي أجراها المولي عز و جل علي لسانهم.

و لما كانت المداولة القانونية تمثل الركيزة الأساسية في العمل القانوني، فإن لها آداب و قواعد يتعين ممارستها و احترامها و هي تمثل الميراث القانوني الذي توارثته العديد من الأجيال و أصبحت تمثل جانب كبير من آدبيات العمل القضائي و مثال ذلك أنه لا يجوز اشتراك من لم يسمع المرافعة من القضاة فيها، كما أن المداولة القانونية تمثل الركيزة الأسسية في العمل القانوني فإن مبدأ “الشوري” يمثل الركيزة الأساسية في الحكم و ذلك علي نحو من شأنه حسم المسائل الخلافية.

و جوهر المداولة القانونية يتمثل في تبادل الآراء بين رجال القانون سواء كانوا قضاة أو أعضاء بالنيابة العامة أو فقهاء و هم حول مسألة أو موضوع معين ، و ذلك علي نحو يؤدي إلي اتفاقهم بالاجماع أو الأغلبية علي رأي منهي للموضوع.

و لهذا فإننا سوف نتناول المداولة القانونية من عدة جوانب:

أولاً: صفات يتعين توافرها فيمن يقوم بإجراء المداولة:

1- حب العمل و الإخلاص فيه و الاجتهاد في فهم و تحصيل الأمور.

2- الحيدة و التجرد و السعي إلي الوصول إلي الحق و إعلاء كلمة العدل.

3- الأمانة و الدقة في فهم الوقائع و إبدأ الرأي فيها.

4- إبداء الرأي دون تحفظ.

ثانياً: العوامل التي تؤثر في المداولة:

1- خبرة المتداول العملية و العلمية.

2- علاقات المتداولين بعضهم ببعض.

3- المسألة المعروضة للمداولة.

ثالثاً: ما تنتهي إليه المداولة القانونية.

أولاُ: صفات يتعين توافرها فيمن يقوم بإجراء المداولة

رجال القانون علي مر العصور يتميزون بالمكانة الاجتماعية الرفيعة في مجتمعاتهم، الأمر الذي حتم عليهم الالتزام بالعديد من الصفات الخلقية الرفيعة و التي من شأنها أن تعكس وجه نظر المجتمع فيما يتعلق برجال القانون.

و لما كنا نتحدث عن المداولة القانونية التي من شأنها أن تحسم مسألة قانونية خلافية أو موضوع ما فإنه من باب أولي أن يتصف من يقوم بإجرائها بالعديد من الصفات الخاصة و التي من بينها ما يلي:

1- حب العمل و الإخلاص فيه و الاجتهاد في فهم و تحصيل الأمور:

من المعروف أن الافهام تتفاوت بين الأفراد، إلا أنه إذا كان لدي الباحث “رجل القانون” الشغف و حب العمل إزادت لديه الرغبة في الإخلاص في العمل و الاجتهاد فيه و أصبح لديه الكثير من التسامح في تقبل الرأي الآخر و إيجاد المساحات المشتركة بينه و بين غيره ، الأمر الذي يؤدي إلي انحصار نقاط الخلاف في نقاط بسيطة.

حيث أنه باهتمام جميع أطراف المداولة في البحث و فهم المسألة و بذل أقصي قدراته في شأن تقصي أبعاد المسألة و بحثها بدقة و عناية و فهمها فهماً واضحاً أدي ذلك إلي إيجاد حل للمسألة و الاتفاق علي قول منهي لها بسهولة و يسر.

2- الحيدة و التجرد و السعي إلي الوصول إلي الحق و إعلاء كلمة العدل:

من القواعد الهامة في المجال القانوني العمومية و التجريد و هي تعني أن تأتي القاعدة التشريعية في صورة عامة و مجردة لا تقصد أحد الأفراد بعينه، مثل هذه القاعدة قاعدة حيدة القاضي و تجرده و هي تعني أنه يصدر رأيه مجرداً من أي هوي أو غرض مبيتغياً تحقيق العادلة و الوصول إلي الحقيقة.

إلا أن هذا الأمر يتطلب خبرة كبيرة تعين علي الفصل بين أهوائه الشخصية و خبراته المماثلة عن عمله و إبداء رأيه في صورة تمكنه من الوصول إلي الحقيقة، و هو ما يرمز له و يمثل به بالضمير لدي الفرد.

حيث أنه يتعين عليه أن يغلب عقله علي عاطفته و هواه، حيث أنه قد يكون قد مر بظروف مماثلة للمسألة المعروضة عليه أو أحد أفراد أسرته الصغيرة أو عائلته الكبيرة أو أحد جيرانه، فمثلاً قد نجد البعض الذي يحب أمه كثيراً يتعاطف مع السيدات و ذلك فيما يخص مسائل الأحوال الشخصية، أو يتشدد مع أحد الأشخاص فيما يتعلق بحوادث السيارات و خلافه.

و بالتالي يتعين أن نشير في هذا إلي أن ضمير الفرد في الفرض الغالب من الأحيان يتأثر بالظروف المحيطة به لاسيما ما تعلق منها بنشأته أو خلفيته الدراسية أو خلفيته الاجتماعية و غير ذلك من الأمور التي من شأنها أن تأثر تأثيراً مباشراً في شخصيته و تكوينها.

فقديماً صوروا العدالة في صورة امرأة تحمل ميزاناً و سيفاً و معصوبة العينين، فهي تمثل العدالة و الرحمة، و السيف يمثل لها قوة الحق و العدل، و الفيصل بين هذا و تلك هو الميزان، أما حجب عينيها فهو بمثابة العدالة و أنها لا تعلم الخصوم بذاتهم.

   و لذلك فإنه يتعين علي القاضي أن يتصف بما من شأنه أن يكفل له الحياد و الحيدة و التجرد رغبة منه في الوصول إلي الحق و العدل و الإنصاف، و ذلك بسيطرته علي نفسه و أهوائه، كما أنه يتعين عليه ألا يتأثر بالرأي العام أو ضغط الاعلام لاسيما مع التقدم التكنولوجي و أثر ذلك علي جميع أفراد المجتمع ، إلا أن ذلك لا يعني أنه سوف يعتزل الناس و يعيش حياة المعتزلة بل أنه فرد من أفراد المجتمع يعيش مع الناس و يخالطهم إلا أنه يتعين عليه ألا يسمح لذلك بأن يأثر عليه و ينال من حيدته و تجرده و هو يدلي برأيه في أثناء المداولة، و إلا فإنه يتعين عليه أن يتنحي عن نظر الدعوي أو الخصومة و ألا يشارك في المداولة فيها.

       و هو ما عبر عنه الرسول الكريم صلي الله عليه و سلم حين قال في حديثه الشريف:”لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار”.

    و لذلك فإن كان للقاضي إذا أحس بأنه غير قادر علي الفصل في النزاع أو إدلاء رأيه في المداولة القانونية من دون أثر من هوي أو ميل فإن له أن يتنحي عن تلك المداولة أو نظر النزاع، إلا أنه يوجد جانب أخر لذلك الأمر و هو إذا أحس الخصم من القاضي أنه يميل إلي شيء أو أثر لهواه فإن له أن يرده و ذلك إذا حاك في نفسه شيء تجاه القاضي، و كثيراً ما يري البعض أنه يتعين علي القاضي في هذه الحالة أن يتنحي عن نظر تلك المنازعة.

3- الأمانة و الدقة في فهم الوقائع و إبدأ الرأي فيها:

   يتعين علي رجل القانون عند اشتراكه في المداولة أن يكون أميناً في عرضه، دقيقاً عرض الوقائع علي زملائه، و ذلك علي النحو الذي يؤدي إلي إحاطة زملائه بتفاصيل النزاع و ظروفه، كما أنه يجب عليه أن يكون أميناً في إبداء رأيه الذي انتهي إليه في شأن النزاع بما يؤديه من  أحكام و مراجع فقهية استعان بها في بحثه و غير ذلك من الأمور التي من شأنها أن تفيد المداولة.

4- إبداء الرأي دون تحفظ:

   تقوم المداولة القانونية علي أساس هام و طرح النزاع بين المتداولين و الفروض المتعلقة به و الآراء التي انتهي إليها المتداول في شأن المسألة محل التداول، و لما كان القصد من المداولة هو الوصول إلي الرأي الصحيح تحقيقاً للعدالة و الانصاف إلا أن بعض المتداولين من حديثي الأقدمية قد يخشوا من إبداء آرائهم خشية أن يخالف رأي رئيس الدائرة أو من هم أقدم منهم أو أكبرهم سناً، إلا أنه يتعين ألا يكون لذلك آثر علي رأي المتداول بل أن من شأنه أن يكون من باب الاحترام المتبادل و إعلاء للقيم و التقاليد القضائية و الحرص علي إبداء الرأي بغية إبراء الذمة أمام الله عز و جل.

   إلا أنه يتعين أن ننبه في هذا الشأن وجود واجب أدبي علي رئيس الدائرة و الأقدم فالأقدم و هو مساعدة الأحداث علي إبداء رأيه بصورة واضحة و كاملة، و عدم الاستهانة برأيه أو محاربته إلا أنه يتعين محاورته و مواجهته بالحجة حتي يتعلم كيفة المداولة، و ذلك كله دون الاستخفاف بشخصه بل أحياناً يتعين عليه من باب التشجيع الثناء عليه إن أصاب في رأيه و اجتهاده أو حاول في الاجتهاد لأن ذلك بمثابة تشجيعاً له علي المضي في البحث و الاجتهاد.    

ثانياً: العوامل التي تؤثر في المداولة:

1- خبرة المتداول العملية و العلمية.

   يتعين أن نبين و نوضح الآتي أن خبرة التداول العلمية و العملية من أهم عوامل سهولة و يسر المداولة ، و هذه الخبرة سواء كانت عملية أو علمية تأتي من كثرة الاطلاع و تحصيل العلم و المعرفة و مدة الخبرة العملية و تعدد الفروع و الأقسام القانونية التي عمل بها المتداول و كثرة المسائل و القضايا التي عرضت عليه و فصل فيها أو بحثها، و كلما كان المتداولين علي قدر كبير من الخبرة العملية و العلمية كلما كانت المداولة أكثر سهولة و يسر.

2- علاقات المتداولين بعضهم ببعض:

    رجال القانون عموماً و رجال القضاء بصفة خاصة بعد مدة يسيرة من العمل تتكون لديهم راية بالتعامل مع بعضهم البعض و بالتالي القدرة علي فهم العقول إلا أن هذه العلاقة الإنسانية تمثل الركيزة الأساسية في المداولة و تخفيف و تقليل شدتها لاسيما عند اختلاف الآراء، و بالتالي فإنه يتعين أن يراعي ذلك عند توزيع العمل بحيث أن يكون تشكيل الدوائر متناسب من حيث الخبرة العلمية و العملية و أن يكون هناك توافق بين أعضاء الدائرة من حيث العلاقات الإنسانية و التفاهم بينهم.

3- المسألة المعروضة للمداولة:

  تلعب هذه النقطة دوراً جوهراً في المداولة القانونية و الانتهاء إلي إصدار الحكم المنهي للخصومة أو النزاع من ناحية البحث و الاجتهاد و درجة العناء فيه، حيث أنه كلما كانت المسألة حديثة تماماً لم يسبق فيها اجتهاد قضاءاً أو فقهاً ، كلما كانت المسألة محل خلاف و تشعب للآراء و قد يختلط فيها فهم القانون و تحقيق العدالة ، الأمر الذي يحتاج معه إعمال الفكر و العقل ، إلا أن ذلك يقل قليل إذا كانت المسألة قد بحثت سابقاً و كان فيها رأي و فصل فيها بقضاء.

مع ملاحظة أنه إذا كانت المسألة حديثة فإنه يتعين التأني في البحث و الاطلاع دون التسرع و إتاحة الفرصة للبحث بغية الوصول للحقيقة.

ثالثاً: ما تنتهي إليه المداولة القانونية.

المداولة القانونية دائما و أبداً هدفها الوصول إلي القول الحق و إعلاء العدالة و الانصاف ، فكلما تمت المداولة في صورة سهلة و في جو هاديء كلما كانت أسهل و أيسر في الوصول إلي الحقيقة ، ذلك أنه من خلال المداولة يتم تنقيح و فرز الآراء ، و قديما قالوا ما خاب من استشار ، فهي جانب من مبدأ المشورة ، إلا أنه يتعين أن نشير إلي أن المداولة قد يكون لها من الأثر علي العلاقات الإنسانية بين أطرافها، فليس صحيحاً أن اختلاف الرأي لا يفسد للود للقضية بل قد يفسد للود قضية ، لذلك فإنه يتعين علي المتداول أن يفصل بين الخلاف أثناء المداولة و الخلاف الشخصي ، علي نحو يكلف له أنه مهما بلغ الخلاف أثناء المداولة لا يكون له أي أثر في النفس.

  و الراجح أن المداولة تنتهي بترجيح رأي الأغلبية ، إلا أنه عند حدوث الاختلاف بينهم و انقسامهم إلي جانبين متساويين فإنه يرجح الجانب الذي منه رئيس الدائرة.

  

Comments are closed.

xnxxbf